الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ يُستحب ترتيل القراءة والترسل فيها من غير سرعة مفرطة، بل بتفكر وتدبر، ويُكره أن يهذ القرآن كَهَذِّ الشعرِ([1])، وقد دلَّت النصوص الشرعية على ذلك، فمن الكتاب قوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 4]؛ أي: (اقرأه على تمهلٍ، فإنه يكون عونًا على فَهمِ القرآنِ وتدبرِه)([2])، وهكذا كانت قراءته صلى الله عليه وسلم؛ فعن حفصة- رضي الله عنها - قالت: (كانَ يقرأُ بالسورةِ فيُرتلها، حتى تكونَ أطولَ من أطول منها)([3]).
وقد بوَّب الإمامُ البخاري في كتاب فضائل القرآن من صحيحه: (باب الترتيلِ في القراءةِ، وقوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}، وقوله تعالى: {وَقُرْآنً افَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} [الإسراء: 106]، وما يُكره أن يهذَّ كهذِّ الشعرِ فيها...)([4]).
قال الحافظ في شرحه: (قوله: "باب الترتيل في القراءة"؛ أي: تبيين حروفِها، والتأني في أدائِها، ليكون أدعى إلى فهمِ معانيها، قوله: "وقوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}"؛ كأنه يشيرُ إلى ما وردَ عن السلفِ في تفسيرِها، فعند الطبري بسندٍ صحيحٍ عن مجاهد في قوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} قال: بعضُه إثرَ بعضٍ على تؤدة، وعن قتادة: بيِّنْهُ بيانًا([5])، والأمر بذلك إن لم يكن للوجوبِ يكون مستحبًّا)([6]).
وقال أبو حامد الغزالي في ذكر آداب التلاوة، قال: (الخامس: الترتيل: هو المستحبُّ في هيئةِ القرآنِ، لأن المقصودَ من القراءةِ التفكر، والترتيلُ مُعَيْنٌ عليه، ولذلك نعتت أمُّ سلمة - رضي الله عنها - قراءةَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: فإذا هي تنعتُ قراءةً مفسرةً حرفًا حرفًا)([7]).
([1]) معناه: سرعة القراءة بغير تأمل كما ينشد الشعر، وأصل الهذ: سرعة الدفع، انظر: فتح الباري، ابن حجر، (9/90).
([7]) رواه أبو داود، كتاب الصلاة، باب استحباب الترتيل في القراءة، (1466)، والترمذي، كتاب فضائل القرآن، باب ما جاء كيف كان قراءة النبي r، (2923)، والنسائي، كتاب الصلاة، باب تزيين القرآن بالصوت، (1022)، وكتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب ذكر صلاة رسول الله r بالليل، (1629)، قال الترمذي: (حديث حسن صحيح).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.