الاختلاف حول التمائم التي من القرآن أو الأذكار

الاختلاف حول التمائم التي من القرآن أو الأذكار





الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ اختلاف أهل العلم في تعليق التمائم إذا كانت من القرآن أو الأذكار المشروعة.

الرد:

القول الأول:

جواز تعليق التمائم إذا كانت من القرآن أو الأذكار المشروعة، وهو قول عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، وظاهر ما رُوي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ، وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء وأبو جعفر الباقر ومالك ورواية عن أحمد، وهو اختيار البغوي وابن عبد البر والبيهقي، لكن قيَّد ابن عبد البر جوازه بما كان بعد نزول البلاء، ونُقل ذلك عن إسحاق بن راهوية، وهو الظاهر من قول عائشة ـ رضي الله عنها ـ، واختاره الطحاوي في شرح معاني الآثار([1]).

قال البغوي في شرح السُنَّة: »لا يُعَدُّ من التمائم ما يُكتب من القرآن، وسُئل سعيد بن المسيب عن الصحف الصغار يُكتب فيه من القرآن، فيُعلَّق على النساء والصبيان؛ فقال: لا بأس بذلك إذا جُعل في كير من ورق أو حديد أو يخرز عليه«([2]).

حجة أصحاب هذا القول ما يلي:

1- عموم الأدلة على أن القرآن شفاء؛ كقوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82].

2- قول عائشة ـ رضي الله عنها ـ: »ليست التميمة ما تعلق به بعد البلاء، إنما التميمة ما تعلق به قبل البلاء«([3]).

3- ما ورد عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أنه كان يكتب دعاء الفزع ويعلقه على من لم يبلغ من أولاده، وهو: »أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه ومن عقابه، ومن شرِّ عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون«([4]).

4- حمل الأحاديث الواردة في النهي عن تعليق التمائم على التمائم الشركية، أما ما كان من القرآن فلا يدخل في ذلك.

القول الثاني:

عدم الجواز؛ وهو قول ابن مسعود وابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ، وظاهر قول حذيفة وعقبة بن عامر وابن حكيم رضي الله عنه، وبه قال جماعة من التابعين، منهم أصحاب ابن مسعود، وهو رواية عن أحمد اختارها كثير من أصحابه.

قال ابن مسعود رضي الله عنه لما رأى في عنق امرأته خيطًا فقطعه ـ: »إن آل عبد الله لأغنياء عن الشرك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: »إن الرقى والتمائم والتولة شرك«« ([5]).

وحجة أصحاب هذا القول:

عموم الأدلة الناهية عن تعليق التمائم، وتسميتها شركًا، ولم يأتِ ما يخصص شيئًا منها كما هو الحال في الرقى.

ومما يبين ذلك ما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: »كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يكره عشر خِلال: الصفرة ـ يعني الخلوق ـ، وتغيير الشيب، وجر الإزار، والتختم بالذهب، والتبرج بالزينة لغير محلها، والضرب بالكعاب، والرقى إلا بالمعوذات، وعقد التمائم، وعزل الماء لغير أو غير محله أو عن محله، وفساد الصبي غير محرمه« ([6])؛ فقد ذكر الرقى وخصَّ منها، بينما لم يخص من التمائم شيئًا.

وبتأمل القولين فإن الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الثاني؛ وذلك لوجوه:

أولًا: عموم الأدلة؛ فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في تعليق التمائم كما في قوله صلى الله عليه وسلم: »الرقى والتمائم والتولة شرك«، ولم يأتِ ما يخصص تعليق ما كان من القرآن عن ذلك العموم، والأصل هو إبقاء النص على عمومه ما لم يأتِ مخصِّصٌ له، ولو كان ذلك جائزًا لبيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم كما بيَّن ذلك في الرقى.

ثانيًا: سد الذريعة؛ وهو وجه مهم، إذ قد تشتبه التميمة التي من القرآن بغيرها، فتنتشر التمائم الشركية بسبب ذلك الاشتباه، لاسيما وأن التمائم في الغالب تكون كتابات تُطوى بما يحفظها فلا تُقرأ، وإنما يُقال لصاحبها هذه تميمة كُتب عليها كذا وكذا، وقد يكون في ذلك مدخل للمشعوذين.

ثالثًا: القول بالجواز مدعاة إلى تساهل الناس في الدخول بها إلى أي مكان؛ فيكون في ذلك امتهان للمحمول حين يدخل بها إلى الخلاء ونحوه.



الهوامش:

([1])انظر في نسبة القول لأبي جعفر وأحمد، زاد المعاد، ابن القيم،(4/357)، قول أبي جعفر: مصنف ابن أبي شيبة،(7/398)، قول عطاء: مصنف ابن أبي شيبة،(7/398)، قول سعيد ابن المسيب: مصنف ابن أبي شيبة،(7/396)، وما سيأتي من كلام البغوي، قول البيهقي: السنن الكبرى،(9/350)، قول الطحاوي: شرح معاني الآثار،(4/325)، قول إسحاق بن راهوية: التمهيد،(17/165-166)، الاستذكار، ابن عبد البر،(8/397).

([2])شرح السنة، البربهاري،(12/158).

([3])رواه الحاكم في المستدرك،(4/242)، والبيهقي في السنن الكبرى،(9/350)، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

([4])رواه أبو داود، كتاب الطب، باب كيف الرقى،(3893)، والترمذي، كتاب الدعوات،(3528)، وأحمد في مسنده،(2/181).

([5]) رواه أبو داود، كتاب الطب، باب في تعليق التمائم،(3883)، وابن ماجه، كتاب الطب، باب تعليق التمائم،(3530).

([6]) رواه أبو داود، كتاب الخاتم، باب ما جاء في خاتم الذهب،(4222)، والنسائي، كتاب الزينة،باب الخضاب بالصفرة،(5088)، وأحمد في مسنده،(1/397).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
الاختلاف حول التمائم التي من القرآن أو الأذكار.doc doc
الاختلاف حول التمائم التي من القرآن أو الأذكار.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى