إن الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛..
تسلط الشيطان على القلب
بحسب انتقال الخيال ينتقل القلب من حال إلى حال فهو إذن قابل للمة الملك أو لمة الشيطان، فمن أصغى بقلبه إلى كلام الله وتدبره وتفهمه أغناه عن سماع الشيطان وإلا فالغفلة تسلطه على القلب بالوسواس فله مكائد خطيرة تنضوي تحت أمرين: الأول التقصير والثاني المجاوزة.
يحكي الإمام ابن تيمية عن بعض السلف: "ما أمر الله تعالى بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان، إما إلى تفريط أو تقصير وإما إلى مجاوزة وغلو ولا يبالي بأيهما ظفر"[1] قال تعالى إخبارًا عن عدوه إبليس لما سأله عن امتناعه عن السجود لآدم واحتجاجه من الجنة وسأله أن ينظره فأنظره:
قال ابن تيمية: "قال الجمهور: - أي المفسرين – حذف على فانتصب الفعل والتقدير لأقعدن لهم على صراطك المستقيم، والظاهر أن الفعل مضمر، فالقاعد على الشيء ملازم له فكأنه قال: لألزمنه ولأرصدنه ولأعوجنه ونحو ذلك، وقال: صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "ولم يقل من فوقهم لأنه علم أن الله من فوقهم"[2]، فالله عز وجل ينزل الرحمة على عباده[3].
ومن خلال ما تقدم نخلص إلى أنه ينبغي علينا التزام الصراط المستقيم الذي كان عليه الرسول الكريم وصحبه الأبرار دون إفراط ولا تفريط وفي كل الحياة، وحتى يتيسر لنا ذلك يجب علينا معرفة طرق الغواية التي يدعو بها الشيطان ابن آدم وسد مداخلها إلى قلوبنا وفي ذلك يقول ابن الجوزي رحمه الله "فمتى سئل الإنسان أمرًا فينبغي أن يحذر منه أشد الحذر"[4]، وحتى نتمكن من سد مداخل الشيطان إلى قلب الإنسان يجب أن نتعرف عليها وإليك بيانًا فيما يلي.
طريق الغواية:
ما يدعو إليه الشيطان ابن آدم ينحصر في ست مراتب: قال الإمام أحمد: "حدثنا هشام عن سالم ابن أبي الجعد عن سبرة بن أبي فاكهة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام فقال: أستلم وتذر ذريتك ودين آباءك، قال: فعصاه فأسلم، وقعد له بطريق الهجرة فقال: أتهاجر وتذر أرضك وسماك وإنما مثل المهاجر كالفرس في الطول؟ فهاجر وعصاه، ثم قعد له بطريق الجهاد وهو جهد النفس والمال، فقال: أتقاتل فتقتل وتنكح المرأة ويقسم المال؟ قال فعصاه فجاهد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لمن فعل ذلك منكم كان حقًا على الله أن يدخله الجنة".
والمراتب الست هي:
أولًا: مرتبة الكفر والشرك ومعاداة الله ورسوله فإذا ظفر بذلك ابن آدم برد أنينه واستراح تعبه.
ثانيًا: مرتبة البدعة وهي أحب إليه من الفسوق والمعاصي لأن ضررها في الدين؛ قال سفيان الثوري: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية لأن المعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منها.[5]
ثالثًا: الكبائر وهي علي اختلاف أنواعها تؤدي إلى هلاك صاحبها فإذا عجز عنها انتقل إلى رابعها الصغائر.
رابعًا: وهي الصغائر التي إذا اجتمعت أهلكت صاحبها كما قال صلى الله عليه وسلم: "إياكم ومحقرات الذنوب فإن مثل ذلك مثل قوم نزلوا بفلاة من الأرض فجاء كل واحد بعود حطب حتى أوقدوا نارًا عظيمة فطبخوا واشتووا"، فإذا عجز عن ذلك انتقل إلى المباحات.
خامسًا: أي المباحات التي لا ثواب فهيا بل ولا عقاب بل عقابها فوات الثواب الذي فات عليه بانشغاله بها فإذا عجز نقله إلى سادسًا.
سادسًا: هو أن يشغله بالعمل المفضول عما هو أفضل منه ليستريح عليه ويفوته ثواب العمل الفاضل فنعوذ بالله من الشيطان وجذبه فهو يكيد بالإنسان حتى الموت، وعليه يلزمنا تفادي كل ما هو مدعاة للشيطان ليصفو القلب عند الموت.
وهكذا رأينا كيف يكيد الشيطان بالإنس والحمد لله القائل: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42].
الهوامش:
[1] رسالة في أمراض القلوب، بن تيمية، ص 116
[2] المرجع السابق، ص 102
[3] المرجع نفسه.
[4] تلبيس إبليس، ص 24.
[5] البداية والنهاية لابن كثير، ج 1 ، ص 98.
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.