بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ فعندما نتأمل في القرآن والسنة فإننا نجد أنها دلت على أقسام التوحيد، ونحن في هذا المقام نذكر بعض الأمثلة والنماذج التي تدل على دلالة القرآن والسنة على أقسام التوحيد ومن ذلك:
أن سورة الفاتحة، وهي: (أم الكتاب)، و(السبع المثاني)، و(أعظم سورة في القرآن)، قد دلت على أقسام التوحيد بأوضح بيان:
فأما توحيد العلم والاعتقاد، وهو توحيد الربوبية والأسماء والصفات فإن مداره على إثبات صفات الكمال، ومنها كمال أفعاله، وكمال صفاته الذاتية، وهذا مبين في قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة: 2].
فإن الحمد يتضمن مدح المحمود بصفات كماله مع محبته والرضا عنه، وهذا متضمن لنفي النقائص والعيوب، وقوله تعالى: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} يدل على ربوبيته وتدبيره لجميع خلقه كما يشاء.
وقوله تعالى: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[الفاتحة: 3]، يدل على توحيد الأسماء والصفات، وقوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة: 4]، يدل على الربوبية والملك المطلق، فيتلخص من هذا أن هذه الآيات الثلاث دلت على توحيد الربوبية والأسماء والصفات في أكثر من موضع.
فتوحيد الربوبية دل عليه قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ}، وقوله تعالى: {رَبِّ الْعَالَمِينَ}، وقوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، وتوحيد الأسماء والصفات دل عليه قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ}، وقوله تعالى: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، والربوبية هي من جملة الصفات الفعلية، فكل ما دل على الربوبية دل على الصفات.
أما توحيد الإرادة والعمل فدل على معناه في السورة قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحة: 5]، فالتعبد والعبادة عمل قلبي، وعمل ظاهر بالجوارح، فالعبادة تجمع غاية الذل والخضوع وغاية الحب، ولابد لها من آثار على الظاهر بالاتباع والانقياد لمرادات المحبوب، والحصر في قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} يدل على التوحيد والإفراد لله بالعبادة، ويدل على هذا التوحيد في السورة اسم الله فإنه مشتق من الإله ومعناه المعبود.
ومما يدل على أقسام التوحيد في القرآن: سورة {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}[الكافرون: 1]، وسورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]، فإنهما تضمنتا أقاسم التوحيد جميعًا ولهذا سميت هاتان السورتان بسورتي الإخلاص لدلالتهما على توحيد الله تعالى وقد كان يقرن بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركعتي الفجر، وفي ركعتي المغرب، وفي ركعتي الطواف مما يدل على أن كل واحدة منهما تكمل الأخرى في المعنى.
فسورة {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} تدل على التوحيد العملي الإرادي وهو توحيد الألوهية، وسورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، تدل على التوحيد العلمي الخبري وهو توحيد الأسماء والصفات المتضمن لتوحيد الربوبية.
فقوله تعالى: { لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}[الكافرون: 2، 3]، يدل على التوحيد العملي وهو توحيد العبادة، وقوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}[الإخلاص: 1- 4]، يدل على التوحيد العملي.
كما أن أقسام التوحيد موجودة في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة: 21، 22].
فقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ}، يدل على التوحيد العملي الإرادي.
وقوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَكُمْ}، يدل على التوحيد العلمي الخبري.
كذلك وجدت هذه الأقسام في قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (61) ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (62) كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (63) اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64) هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[غافر: 61 - 65]، ففي هذه الآية الكريمة جمع الله تعالى بين الدلالة على التوحيدين معًا:
أما توحيد الربوبية الذي هو الدليل والبرهان على توحيد الألوهية ففي قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ}، وقوله تعالى: { خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}، وقوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً}، ويدخل في هذا المعنى توحيد الأسماء والصفات، فإن الربوبية من جملة صفات الله تعالى، ويدل على توحيد الأسماء والصفات – استقلالًا – قوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ} وقوله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}.
أما توحيد الألوهية (العبادة) وهو المدلول والمستدل عليه، فيدل عليه قوله تعالى: {فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} وقوله تعالى: {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} والإله: هو المعبود.
فهذه الآية صريحة في بيان أقسام التوحيد وأنه مشتمل على العلم والعمل.
كذلك ذكرت أقسام التوحيد في سورة الناس، يقول الله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ}[الناس: 1 - 3]، ففي هذه السورة جمع الله تعالى بين توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات وتوحيد الألوهية.
أما توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات ففي قوله تعالى: {بِرَبِّ النَّاسِ}، وقوله تعالى: {مَلِكِ النَّاسِ}.
وأما توحيد الألوهية ففي قوله تعالى: {إِلَهِ النَّاسِ}، والإله: هو المعبود.
ومما يدل على أقسام التوحيد في السنة النبوية ما ورد في قول المضحي عند ذبح أضحيته – بعد قوله (بسم الله والله أكبر) -: (اللهم هذا منك وإليك)[1].
وقوله: (هذا منك) أي خلقًا وإيجادًا، وهذا إشارة إلى توحيد الربوبية وهي من صفات الله تعالى.
وقوله: (وإليك) أي تعبدًا وتقربًا ففيه إشارة إلى توحيد الألوهية، ومتعلق الأول: العلم والاعتقاد، ومتعلق الثاني: القصد والإرادة.
ففي هذا الدعاء المبارك جمع بين التوحيدين معًا.
وإذا تتبعنا المعاني التي جاءت في القرآن: أنها من خصائص الله تعالى، نجد أنها لا تخلو من معاني الربوبية والألوهية والأسماء والصفات.
يقول الشيخ العلامة عبد الرحمة بن سعدي رحمه الله مبينًا دلالة الآية على ذلك: (اشتملت آية {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}[مريم: 65] على أصول عظيمة على توحيد الربوبية وأنه تعالى رب كل شيء وخالقه ورازقه ومدبره، وعلى توحيد الألوهية والعبادة وأنه تعالى الإله المعبود وعلى أن ربوبيته موجبة لعبادته وتوحيده ولهذا أتى فيه بالفاء في قوله: {فَاعْبُدْهُ} الدالة على السبب أي فكما أنه رب كل شيء فليكن هو المعبود حقًا فاعبده ومنه: الاصطبار لعبادته تعالى وهو جهاد النفس وتمرينها وحملها على عبادة الله تعالى فيدخل في هذا أعلى أنواع الصبر وهو الصبر على الواجبات والمستحبات والصبر عن المحرمات والمكروهات، بل يدخل في ذلك الصبر على البليات فإن الصبر عليها وعدم تسخطها والرضى عن الله بها من أعظم العبادات الداخلة في قوله: {وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ}، واشتملت على أن الله تعالى كامل الأسماء والصفات عظيم النعوت جليل القدر وليس له في ذلك شبيه ولا نظير ولا سمي بل قد تفرد بالكمال المطلق من جميع الوجوه والاعتبارات)[2].
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: (وقد دل استقراء القرآن العظيم على أن توحيد الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: توحيده في ربوبيته:
وهذا النوع من التوحيد جبلت عليه فطر العقلاء، قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}[الزخرف: 87]، وقال تعالى: { قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ}[يونس: 31] .
وإنكار فرعون لهذا النوع من التوحيد في قوله: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء: 23]، تجاهل من عارف أنه عبد مربوب، بدليل قوله تعالى: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ}[الإسراء: 102]، وهذا النوع من التوحيد لا ينفع إلا بإخلاص العبادة لله، كما قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}[يوسف: 106].
الثاني: توحيده جل وعلا في عبادته:
وضابط هذا النوع من التوحيد هو تحقيق معنى (لا إله إلا الله)، وهي متركبة من نفي وإثبات، فمعنى النفي منها: خلع جميع أنواع المعبودات غير الله كائنة ما كانت في جميع أنواع العبادات كائنة ما كانت.
ومعنى الإثبات منها: إفراد الله جل وعلا وحده بجميع أنواع العبادات بإخلاص، على الوجه الذي شرعه على ألسنه رسله عليهم الصلاة والسلام، وأكثر آيات القرآن في هذا النوع من التوحيد، وهو الذي فيه المعارك بين الرسل وأممهم {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}[ص: 5].
ومن الآيات الدالة على هذا النوع من التوحيد قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ}[محمد: 19]، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ} [النحل: 36]، وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [الأنبياء: 108] فقد أمر في هذه الآية الكريمة أن يقوله: (إنما أوحي إليه محصور في هذا النوع من التوحيد، لشمول كلمة (لا إله إلا الله) لجميع ما جاء في الكتب، لأنها تقتضي طاعة الله بعبادته وحده، فيشمل ذلك جميع العقائد والأوامر والنواهي، وما يتبع ذلك من ثواب وعقاب، والآيات في هذا النوع من التوحيد كثيرة.
النوع الثالث: توحيده جل وعلا في أسمائه وصفاته، وهذا النوع من التوحيد ينبني على أصلين:
الأول: تنزيه الله جل وعلا عن مشابهة المخلوقين في صفاتهم، كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى: 11].
والثاني: الإيمان بما وصف الله به نفسه؛ أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم على الوجه اللائق بكماله وجلاله؛ كما قال بعد قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الشورى: 11].
ويكثر في القرآن العظيم الاستدلال على الكفار باعترافهم بربوبيته جل وعلا على وجوب توحيده في عبادته، ولذلك يخاطبهم في توحيد الربوبية باستفهام التقرير، فإذا أقروا بربوبيته احتج بها عليهم على أنه هو المستحق لأن يعبد وحده، ووبخهم منكرًا عليهم شركهم به غيره، مع اعترافهم بأنه هو الرب وحده، لأن من اعتراف بأنه الرب وحده لزمه الاعتراف بأنه هو المستحق لأن يعبد وحده.
ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ}[يونس: 31] فلما أقروا بربوبيته وبخهم منكرًا عليهم شركهم به غيره بقوله: { فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ}.[3]
قال الشيخ العلامة بكر أبو زيد حفظه الله: (هذا التقسيم الاستقرائي لدى متقدمي علماء السلف أشار إليه ابن مندة وابن جرير الطبري وغيرهما، وقرره شيخا الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وقرره الزبيدي في تاج العروس وشيخنا الشنقيطي في أضواء البيان في آخرين رحم الله الجميع، وهو استقراء تام لنصوص الشرع، وهو مطرد لدى أهل كل فن، كما في استقراء النحاة كلام العرب إلى اسم وفعل وحرف، والعرب لم تفه بهذا، ولم يعتب على النحاة في ذلك عاتب، وهكذا من أنواع الاستقراء)[4].
وما يؤمن بالتوحيد من لم يؤمن بهذه الأقسام الثلاثة المستمدة من نصوص الشرع، إذ التوحيد المطلوب شرعًا هو الإيمان بوحدانية الله في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، ومن لم يأت بهذا جميعه فليس موحدًا.
بل إن كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) التي هي أصل الدين وأساسه قد دلت على أقسام التوحيد الثلاثة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وشهادة أن لا إله إلا الله فيها الإلهيات، وهي الأصول الثلاثة: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات، وهذه الأصول الثلاثة تدور عليها أديان الرسل وماا أنزل إليهم، وهي الأصول الكبار التي دلت عليها وشهدت بها العقول والفطر).
وأما وجه دلالة هذه الكلمة العظيمة على أقسام التوحيد الثلاثة فظاهر تمامًا لمن تأملها: فقد دلت على إثبات العبادة لله ونفيها عمن سواه، كما دلت أيضًا على توحيد الربوبية فإن العاجز لا يصلح أن يكون إلهًا، ودلت على توحيد الأسماء والصفات فإن مسلوب الأسماء والصفات ليس بشيء بل هو عدم محض، كما قال بعض العلماء: المشبه يعبد صنمًا، والمعطل يعبد عدمًا، والموحد يعبد إله الأرض والسماء.[5]
الهوامش:
[1] رواه أبو داود – كتاب الضحايا – باب ما يستحب من الضحايا – ورقمه 2795، محي الدين عبد الحميد، وابن ماجه – كتاب الأضاحي – باب أضاحي رسول الله r، ورقمه 3121.
[2] المواهب الربانية من الآيات القرآنية (ص 44-45)
[3] أضواء البيان (3/410- 414)
[4] التحذير من مختصرات الصابوني في التفسير (ص30)
[5] التنبيهات السنية على العقيدة الواسطية للشيخ عبد العزيز بن ناصر الرشيد (ص9)، ونص شيخ الإسلام نقلته عنه.
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.