العدُول عن طريقة أو طائفة صوفية معينة، تجربة مرّ بها غير واحد من علماء المغرب، انتسبوا ابتداء إليها، وشُدّوا بقوة إليها، لأسباب ترجع إما للقناعة الأولية، أو للتقليد الأعمى، أو للغفلة المتحكّمة، أو طاعةً لسلطان العوائد المحيطة، وانسياقا مع الأعراف الغالبة، ثم ما تمرّ الأيام، وتتعاقب الليالي والأنهُر، حتى يعترفوا بأنهم كانوا غَفَلة مخدوعين، مُغرّرا بهم، مكذوبًا عليهم، فيعلنوا خلع بيعتهم عن الشيخ والطريقة، ونزع أيديهم عن الفرقة والطائفة، ويبثوا في الناس مراجعاتهم الفكرية، وتوبتهم العلمية، عما كانوا يعتقدون أنه الحق والصواب، فأظهرت الأيام والأحوال خلافه.
وكثيرًا ما تنتهي مثل هذه المراجعات بصاحبها إلى صِدامات فكرية وقضائية عنيفة، بل وتجرّ عليه وابلا من النقد والتجريح، والسباب والشتم، والطعن والوقيعة، كما حدث للعلامة محمد بن محمد بن عبد الله المؤقت المراكشي رحمه الله، الذي كان متصوّفًا مريدًا في الطريقة الناصرية، ثم متصوّفًا متقدّمًا في الطريقة الفتحية، ثم عدل في آخر حياته عن الطريقين، وخلع النّعلين! وأعلن استقلاله التام عن كل طريق وطريقة، وطلاقه لكل شيخ وشيخة! فجرّ عليه العدول العذبات إثر العذبات، والمعاناة عقب المعاناة، ولا يزال رحمه الله منبوذا في قومه وذويه، متهما في دينه وعقله ورأيه، حتى لقي الله مؤمنا، صابرا، محتسبا.
ترجمة موجزة لابن المؤقت المراكشي:
هو العلاّمة محمد بن محمد بن عبد الله بن المبارك، المسفيوي الأصل، المراكشي الميلاد والنشأة، والمدفن، عُرف في الأوساط المراكشية بابن المؤقت، عالم ميقاتي، مُعدِّل حيسوبي، فقيه، مؤرخ، مصلح[1].
ولد عام 1312هـ/1894م حسب [أدولف فور-ADOLPHE FAURE][2]، و1882م حسب ما ذكره حفيده الدكتور أحمد الشقيري [3]، و1867م حسب ما ذكره الأستاذ أحمد متفكر [4]، و1880م حسب ما ذكره الدكتور حسن جلاب [5].
نشأ في بيئة علمية بزاوية الحضر بمراكش، بين أسرة ينتسب الكثير منهم إلى التصوف... تلقى مبادئ العلوم عن أبيه، ثم أخذ بعد ذلك عن مشايخ وعلماء الجامعة اليوسفية.
"كان زاهدًا، ورعًا، عظيم الإحسان، موفَّقًا في الرقى النبوية، بعيدًا عن الشعوذة والدجل، آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر، يؤمُّ بيته المستضعفون من الرجال، والنساء، والولدان ... وكان كثير الصدقة على المحتاجين، صوّامًا، قوّامًا، كثير الاعتكاف، يعتكف رمضان كلّه بالجامع اليوسفي، وذلك بعد أن يشتري لأهله جميع ما يحتاجون إليه طيلة الشهر الكريم، ولا يعود إلا صبيحة يوم عيد الفطر"[6].
هو من أغزر أهل مراكش تأليفًا، وأسبقهم إلى الكتابة، بلغت مؤلفاته بحسب حفيده الدكتور الشقيري 84 مؤلفًا، منها 41 مطبوعة، و4 مخطوطة، والباقي مفقود[7]، وبحسب الأستاذ متفكر نافت ضِعف هذا العدد، قال: "بلغت مؤلفاته 200 كتاب بين مخطوط ومطبوع حسب وثيقة بخط يده عثرتُ عليها، وقد جاء فيها: ... الحاج محمد المؤقت بمراكش، مؤلف الرحلة المراكشية وغيرها من المؤلفات التي ستقرب للمائتين ... المطبوع منها بلغ: 42 كتابًا، والباقي مخطوطًا" [8].
وعدّها الدكتور حسن جلاب 83 مؤلفًا، منها: 41 مطبوع، و30 مخطوط، والباقي نُقل عنه أو ذُكر في مصادر مختلفة[9].
ومن هذه المؤلفات: السعادة الأبدية في التعريف بمشاهير الحضرة المراكشية – لبانة القاري من صحيح الإمام البخاري – تنوير الأفكار في مواسم الأعمار- الرحلة المراكشية – الرحلة الأخروية – الجيوش الجرارة – الكشف والتبيان عن حال أهل الزمان – تقريب الأقصى في تلخيص الاستقصا - أصحاب السفينة – مجموعة اليواقيت العصرية - سبيل التحقيق في كشف الغطا عن مساوي أهل كل طريق – الصواعق السماوية في كشف الغطا عن المساوي المغربية والمشرقية – هدم المباني في كشف الغطا عن زلقات الشيخ الرباطي البناني....
توفي رحمه الله يوم سابع عشر صفر عام 1369هـ، الموافق لثامن دجنبر سنة 1949م ودفن بمقبرة باب أغمات بمراكش.
بداية ابن المؤقت مع التصوف:
انخرط ابن المؤقت منذ صغره في سلك الطريقة الناصرية، وتشبّع بأفكارها، وغرق في بحرها، ثم ما لبث أن انتقل عنها إلى الطريقة الفتحية، من فروع الطائفة الدرقاوية، فتأثر بشيخها أبو الفتح الرباطي البناني تأثرًا عظيمًا، واحتفل به احتفالًا مفرطًا، بلغ حد الغلو والتقديس.
تربى ابن المؤقت في بيئة صوفية أثرت فيه إلى حد كبير، فوالده، ووالدته، وجدته، وأخوه كانوا ممن أخذوا بطريق القوم، وانجذبوا في سلوكهم إلى أفكارهم، ومحيطُه المراكشي المليء بالزوايا، كان أيضًا مساعدًا على هذا التأثير...
ونقدّر أن انتسابه الباكر للصوفية، ليس انتساب المريد الذي يبحث عن الخلاص الفردي، والصلاح الذاتي، ولكنه انتساب العالم الذي يعنيه البحث عن الحق والحقيقة، ويهمّه إيصال ما عرفه وحقّقه إلى الناس، وليس لذلك طريق إلا التأليف والكتابة، لذلك انكب عليهما وهو في بداية شبابه، يشرح للناس ما ظن أنه الطريق الحق، والطريقة المنجية، فألف في مدح الصوفية، وتصحيح مذهبهم[10]: إرشاد أهل السعادة لسلوك نهج كمّل السادة، والانتصار الفريد للمنتسبين من أهل هذا العصر الجديد، وبغية الشائق الأريب في شرح صلاة الفتح والتقريب، وحصار الهاوية في كيد من نفى الشرف الحسيني عن شيخ الطريقة العيساوية وذكر مآثره البهية، وفتح الكبير المتعالي على قول الشيخ أبي العباس أحمد بن عبد العزيز الهلالي، واليواقيت الفتحية في المسائل والنكث والفتاوى والفروع والفوائد الصوفية والفقهية، والكمالات المحمدية، والبراهين القوية في اتخاذ الشيخ الحي الحياة الحسية والمعنوية، والحصون السبعة المنيعة والدروع الواقية الرصيعة، والفيوضات الوهبية في شرح الصلاة البكرية، والمقاصد الفتحية في الأحاديث الصحيحة الأربعينية، ومفاتيح الخير والرحمة في الصلاة على سيد الأمة، والنفحات الفتحية في شرح الصلاة السليمانية.
ومن فرط إعجابه بشيخه البناني، وطريقته الفتحية ألف فيهما: معارج المنى والأماني في التعريف بشيخنا القطب مولانا فتح الله بناني، والنفحات الإلهية الامتنانية في الرسائل الفتحية البنانية، ونتائج الأفكار الحقية في مدح الطريقة الفتحية.
ومن قوله الغالي في شيخه:
ليس لي في الكون سوى الرحمن *** والمصطفـى وشيخي البناني[11]
وقوله فيه: "من أعظم نِعم الله علي، وأكبر أياديه، أن أكرمني بملاقاة هذا المظهر المحمدي، الوارث الأحمدي ... الشيخ المربي الأكبر، قطب زمانه، وغوث أوانه، وياقوتة عصره، ونخبة دهره، ذو الكرامات الظاهرة، والمكاشفات الباهرة، سيدي وسندي ومن عليه وعلى الله اعتمادي، أبو المواهب مولانا فتح الله ..."[12].
انقلابه على الطريقة الفتحية، ونقده لعموم الطرق الصوفية:
بعد أن غالى ابن المؤقت في شيخه البناني الغلو الأعظم، وأوغل في اتباعه الإيغال الفادح، واعتقد فيه ما اعتقد، وألّف في ولايته وكراماته ومناقبه ما ألّف، انقلب عليه بعد ذلك انقلابًا عنيفًا، وأعرض عنه إعراض البريء من القسيم، وكتب في فضح حقيقته كتابًا ضخمًا سماه: هدم المباني في كشف الغطا عن زلقات الشيخ الرباطي البناني، وسببه أنه اكتشف خفيّة أمره، ووقف عند ما كان يسرّه من الغش للمسلمين، والكذب على الناس، واتباع غير الدليل...
يقول مبينًا بداية هذا الانقلاب وسببه: "وصرت أتطلبه إلى أن ظفرت به على زعمي، وغرّني سمته، وشقشقة لسانه، وصاحبته زمنًا طويلًا، سفرًا وحضرًا، واطلعت على مساوئ ظهرت عليه عديدة يأباها الشرع المحمدي ... وأخبرك يا سيدي بما رأيته في هذا الرجل، ولك مني قسم بالله العظيم على صدق ما أقول: رأيت منه الغش للمسلمين، والكذب على الحاضرين والغائبين، والعمل بدون دليل، وطعنه في رؤساء الدين، وكل من تبعه إنما تبعه اغترارا بظاهره الجميل، ولقبه الفخيم، ودعواه الطويلة العريضة في أنه قطب الزمان وغوثه، وكذا وكذا، ولكن في أقرب مدة يظهر لك ما انطوت عليه سريرته، وكم من كبراء وعلماء ورؤساء أخذوا عنه، ولما تحققوا من حاله تركوه وتبرؤا من حاله، وكان يتفعّل في أمره كل التفعّل، ويدخل على الناس بحيله الباطلة كل مدخل، ويغريهم بشأنه أنه تخلص من حظ النفوس، ودخل حضرة القدوس، وأنه من الأقطاب الواصلين، بلغ في العرفان أعلى عليين"[13].
وبعد أن نفض يده من شيخه وطريقته، أعلن براءته المطلقة من التفقّر عمومًا، ومن كل طريق يؤدي إليه، أو يحرّض عليه، وانتقد ما عليه متصوفة الزمان من البدعة، والضلالة، والغواية، ونقَضَ تفاصيل مذهبهم في المشيخة، والأوراد، والتوسل، والدعاء، والرقص، والذكر، والولاية، والزيارة، والتواجد، والتلون، والتمكن، والحال، والمقام، والعرفان، والقطبية، والبدلية ... وقد بث هذا النقد والنقض في كتبه المتأخرة، كالرحلة المراكشية، وأصحاب السفينة، والجيوش الجرارة، والكشف والتبيان، والمناطيد الجوية، وسبيل التحقيق في كشف الغطا عن مساوي أهل كل طريق.
ومن نفائس أقواله رحمه الله في الطرق الصوفية بالمغرب قوله:
· "وما هذه الطوائف الوقتية إلا تلوينات عوجاء، بل أفاعي رقطاء، ابتكرتها مخيلة شيطانية، ومهما أردت التفاهم من أحدهم، والتعرف على شخصيته، وما تنطوي عليه ضلوعه من الأماني والرغبات، وقمت تبحث عنه في ميادين جهاده، وساحات حروبه ونضاله، وقعت على أعمال تأبها شريعة خير المرسلين"[14].
· " لا جدال في أن كثيرين من هذه الطوائف جناة على الأمة الإسلامية، إما بجهلهم وجمودهم، وإما بتلاعبهم بالشرع، ومحاولتهم اصطياد الدنيا بشبكة الدين، وإذا قرعهم الإنسان بما جاء من الكتاب أو السنة، أطلقوا فيه ألسنتهم بالسب، بل ربما كفروه، أو فسقوه، أو رموه بكل شنيعة"[15].
· "الجهل الذي عليه طوائف هذا الزمان، جهل هائل لا دواء له إلا التعليم والإرشاد، ولو أن هذه الطوائف توقفت إلى أن تتربى تربية الكتاب والسنة، وتتأدب بآدابهما، لاستراحت مما هي فيه من إثم وفساد، ومما تعانيه من شرور وموبقات"[16].
· "وأما التصوف في عصرنا اليوم، فقد أصبح زيّه حبالة للدنيا وشباكه، يصطاد بها قلوب من لا يعرفون من الدين إلا اسمه، وما هو إلا اغترارت بأباطيل يختلقها الجاهل، وتمسّكات بخزعبلات يفتريها المدعون بهذه الدعوة الفادحة، وقديمًا كشف علماء الشريعة الغطاء عن أمر هؤلاء المتصوفة، وبينوا مثالبهم ومخالفتهم للشرع القويم من كل وجهة، وأنهم أضل الناس من كل جهة، وليعلم كل واحد أن ليس المراد بقول الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} [آل عمران: 103] طريقة من هذه الطرق التي تمسك بها هؤلاء، وحملهم على التمسك بها متفقهة أهلها، بالإتيان ببعض الأدلة من الكتاب والسنة في غير محلها، واستعمالهم التقية في دعاويهم المشقية"[17].
· "إذا أمعنت النظر في تعدد طرق القوم، واختلاف أحوالهم، وتباين بعضهم بعضًا، علمت أن سبب هذا الاختلاف، وكثرة المناكر، وتطرّق البدع، إنما هو من جهة قوم تأخرت أزمنتهم عن عهد ذلك السلف الصالح، وادعوا الدخول فيها من غير سلوك شرعي، ولا فهم لمقاصد أهلها وتقوّلوا عليهم ما لم يقولوا به، حتى صارت كل طريقة في هذه الأزمنة الأخيرة كأنها شريعة أخرى غير ما أتى به مولانا محمد صلى الله عليه وسلم"[18].
· "وتعدد هذه الطوائف أقبح شيء في العصر، وكأن الدين ليس واحدًا، وكأنه ربه لم يكن واحدًا، وكأن مُبلّغه عن ربه لم يكن واحدًا"[19].
· "فالمتشبت اليوم بذيل هؤلاء المدعين كالساقط في هوة الهلاك مع الهالكين، فالحذر الحذر من هؤلاء المتمشيخة في الوقت ... وهذا شيء شاهدناه وأمر تحققناه، وليس من رأى كمن سمع فالواجب على المسلم الغيور على دينه ألا يقتدي اليوم إلا بصالح السلف أو بمن تحققت عدالته في الخلف"[20].
الطرق الصوفية التي انتقدها في مرآة المساوئ الوقتية (الرحلة المراكشية):
لم يدع رحمه الله طريقة من الطرق إلا وتعرض لها بالنقد والنقض مع إنصاف عند الحكم، وعدل عند الموازنة، وهذه الطرق، هي:
الطريقة القادرية - الطائفة التباعية - الطائفة الغزوانية - الطائفة الرحالية - الطائفة العيسوية – الطائفة الشرقاوية- الطائفة الابراهيمية- الطائفة الصاديقية- الطائفة الناصرية- الطائفة الحمدوشية- الطائفة القاسمية – الطائفة الغازية – الطائفة البونية – الطائفة الطالبية – الطائفة الوزانية – الطائفة التهامية – الطائفة التيجانية – الطائفة المختارية – الطائفة الدرقاوية – الطائفة العمرية – الطائفة المهدوية – الطائفة الفركلية – الطائفة السوسية – الطائفة الفتحية – الطائفة الكتانية – الطائفة الشنجيطية – الطائفة البوعزاوية.
بيانه لمنهجه بعد خلعه جبّة التصوف:
بعد أن خلع ولاءه الفكري عن الطريقة الفتحية، وكشف الغطا عن مساوئ شيخها، ثم أتبعه فضح الطرق الصوفية بالمغرب، وبيان ما عليها اليوم من الضلال والانحراف، صرّح ابن المؤقت في نصوص كثيرة بمنهجه، وبيّن أصوله التي يصدر عنها في العقيدة، والأحكام، والرأي، والاجتهاد، وهي الكتاب، والسنة، والعمل الأول، ودعا إلى الاعتصام بها، والالتفاف حولها، والعض عليها، والإعراض والصدّ عن كل ما عداها من السبل، والطرائق، والبنيّات، وما فتئ رحمه الله يُذكِّر بهذه الأصول، وبهذا المنهج كل مرة، خاصة عندما يعرض لبيان سبل سعادة المسلم الدنيوية، ومسالك نجاته الأخروية.
ومن أقواله في ذلك:
· "إنما مقصودي هو الرغبة في العمل بالكتاب والسنة المحمدية اللذين هما روح الحياة الاجتماعية، وفيهما نجاح الأمة حالًا واستقبالًا كما لا يخفى، وغاية ما أوصيك به وأدلك عليه، هو أن لا تهمل إصلاح دينك، وإصلاح بدنك اللذين تبلغ بهما سعادة الدارين، أما إصلاح الذات، فبأن تبادر إلى دفع كل مرض تتوقعه، بأي وجه من وجوه أسبابه، وإلى المحافظة على قوتك، وتجديد دمك باستعمال كل ما فيه صلاح لذلك، وأما إصلاح دينك، فبمتابعة الكتاب والسنة المحمدية لا غير"[21].
· "الواجب علينا أن نقف مع الاقتداء بمن يمتنع عليه الخطأ، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، أو بالسلف الصالح رضوان الله عليهم"[22].
· "لا تقلد اليوم في دينك إلا من هو معصوم، وليس إلا صاحب الشريعة مولانا محمد صلى الله عليه وسلم، أو من شهد له صاحب العصمة صلى الله عليه وسلم بالخير، وهو القرن الأول، والثاني، والثالث، واترك ما حدث بعدها خصوصا ما عليه العلماء المترخصون، المتأولون الآخذون بظواهر أكثرها لا يصح ولا يستقيم، واترك حال غالب أهل هذا الوقت، فإنه السخط والمقت"[23].
· "كل من تعبّد بشيء لم يكن صلى الله عليه وسلم، ولا عليه السلف الصالح، ليس بشيء، وإنما هو غاية في الجهالة، وتلف في تيه الضلالة، وقد قال إمامنا مالك رضي الله عنه: من أحدث في هذه الأمة شيئًا لم يكن عليه سلفها، فقد زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم خان الرسالة.
فالواجب علينا أن نقف مع الاقتداء بمن يمتنع عليه الخطأ، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، أو بالسلف الصالح رضوان الله عليهم"[24].
مصادره في نقد الفكر الصوفي:
انقلاب العلاّمة ابن المؤقت المراكشي على الصوفية، يرجع في أحد أسبابه إلى مطالعته لكتب حاضّة على الالتزام بالسنة، منفّرة من التلبس بالبدعة، مبيِّنة للمنهج الصحيح اللائح، محذّرة من الطرق المنحرفة الجانحة، والسبل المختلفة الملتوية...
هذه الكتب التي داوم المراكشي النظر فيها، والرجوع إليها، والإفادة منها، هي التي قذفت في قلبه وعقله أنوار الحق واليقين، وأزالت عنه غشاوة التيه والشك، حتى انمازت له بحمد الله الأصول النقية الطاهرة، عن الأخرى المدسوسة المغشوشة، وبان له بفضل الله الطريق النهج المستقيم، بين الطرق الكثيرة العديدة، فسلكه بعزم وإرادة، وقناعة واطمئنان، وحض الناس على سلوكه، وحرّشهم عليه، ودعاهم إليه، لأنه ولا سواه المرساة والنجاة، والخير والسعادة، حتى لاقى في سبيل ذلك ما لاقاه الأنبياء والدعاة من العذبات، والابتلاءات، والمحن...
لقد انتبه إلى أثر بعض هذه المصادر على تحوُّل ابن المؤقت عن طريق الصوفية إلى منهج السلفية، أحدُ منتقديه الكبار، وهو الشيخ أحمد بن الصديق الغماري الذي قال عنه: "ثم لما قرأ - أي ابن المؤقت - كتاب الاعتصام للشاطبي، انقلب عليه – يعني على شيخه فتح الله بناني- وعلى الصوفية أجمعين، وصار يكتب في ذمه وذمهم..."[25].
والحقيقة أن مراجعات ابن المؤقت الفكرية، لم تكن فقط بسبب اعتصام الشاطبي، وإنما هي - بعد هداية الله وتوفيقه - بسبب تلك المصادر العلمية المتّزنة التي أعادت تشكيل وترتيب قواعده الفكرية، ويدل على ذلك كثرة عودته إليها، ونقله منها، كلما أراد أن يبيّن فكرة، أو يبني حكمًا، أو يؤصل مسألة، أو يصلح انحرافًا، أو يوجّه رأيًا، أو ينتقد مخالفًا، أو يغير منكرًا ... ومن هذه المصادر التي وقفنا عندها في رحلته:
· دواوين السنة: كالصحاح، والسنن، والمسانيد، والمعاجم، والمصنفات.
· الاعتصام: للشاطبي.
· تلبيس إبليس: لابن الجوزي.
· إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان: لابن القيم.
· الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى: لأبي العباس الناصري.
· تصوف السعادة والنجاح والرد على متصوفة الرقص والصياح: لمحمد الخضر الشنقيطي.
· الترجمان المعرب عن دول المشرق والمغرب: لأبي القاسم الزياني.
· كتاب الترجمانة الكبرى: له أيضًا.
· الصوارم والأسنة في نحر من تعنف على أهل السنة: لأبي الحسن علي بن أحمد الميلى.
· كتاب المدخل: لابن الحاج.
· كتاب الحوادث والبدع: للطرطوشي.
· القول الوثيق في الرد على أدعياء الطريق: لمحمد حسنين مخلوف.
· مشتهى الخارف الجاني في رد زلقات التجاني الجاني: محمد الخضر الشنقيطي.
· كشف القناع عن اعتقاد طوائف الابتداع: للسلطان المولى عبد الحفيظ العلوي.
محنته رحمه الله بسبب نقده للصوفية:
لم يكن تحوّل عالم بوزن ابن المؤقت المراكشي عن طريق الصوفية إلى منهج السلف، بالأمر الذي يُسكت على مثله هاهنا في المغرب، أو بالأمر الذي يُتعامل معه بالإمرار أو الإغضاء، ولكنه من الحوادث التي تعج العجاج، وتثير الزوابع، وتحي السجالات الساخنة، والمعارك الضارية، بينه وبين من انتقدهم، وفضحهم، وكشف مساوءهم، وبالتأكيد فقد زعزع تحولُّه أركان الطرق الصوفية بالمغرب وخارج المغرب، وزلزل الأرض من تحت أقدامهم، لأنهم رأوا فيه نزعا لمشروعيتهم الدينية، وتفويتًا لمصالحهم الدنيوية.
ولذلك انبروا كلهم وبلا هوادة للرد عليه، والتهجم عليه، خاصة ما كان من أتباع الزاوية التيجانية، الذين تجاوزا حد الرد العلمي على الرجل، والجدال الحسن له، إلى الطعن في دينه، والولوغ في عرضه، والتهمة في عقله، ورميه عن قوس واحدة بالنقيصة الأليمة، والتهمة الموجعة، والسلق بالألسنة الحداد، والأقلام المسمومة، ثم لم يتركوا وصفًا مشينًا، ولا عيبًا قادحًا، ولا لقبًا منفّرًا، إلا لمزوه به، فقد قالوا عنه: الممقوت، وابن مقت، ومجنون مخبول، وابن زنا، وابن شيطان، والملحد، والجاني، والمشعوذ، والمحابي لليهود والنصارى ...
ثم تجاوزوا ذلك إلى إيذائه في شخصه وجسده، فضربوه بالنعال، وأغروا السفهاء والعامة عليه[26]، ثم ما لبثوا أن رفعوا شكوى ضده إلى باشا مراكش التهامي الكلاوي [27]، بتهمة الإساءة إلى الأولياء، والطعن في أهل الله، والتشويه لخطتي القضاء والعدالة، فلم ينالوا من دعواهم شيئا، ثم أعادوا الكرة عليه أخرى، فرفعوا شكوى ثانية إلى السلطان محمد الخامس رحمه الله، فردّ السلطان كيدهم في نحورهم، وأجابهم جوابًا لم يكن في حسبانهم: "من هاجمكم بقلمه، فالرد عليه لا يكون إلا بالقلم" [28]، فلما لم يجدوا ما يدفعونه به، ويردوه به، سلكوا معه مسالك الجبن والرعونة، فصادروا كتبه، وأحرقوا بعضها، ككتاب "المناطيد الجوية"، الذي ردّ فيه على افتراءات أحمد سكيرج في: الحجارة المقتية لكسر مرآة المساوئ الوقتية.
وظل رحمه الله صامدًا، محتسبًا، ثابتًا، لم يفتّ تمالؤهم عليه من عضده، ولا أوهن عزيمته، ولا ضره ما قالوا فيه، ولا ما وصموه به، بل واصل جهاده بالقلم السيّال، والكلمة الصادعة، حتى لقي ربه وهو على ذلك الحال.
وكان رحمه الله كثيرا ما يعزي نفسه عند اشتداد البلايا عليه بالقول:
أحــــــارب الدهـــــر ليـس ينفعـــــــــنـي *** إلا الثبات وحسبي مــــــــــــن أصافيـــــه
وليس يعجزني عن كسر فيـــــــلقـه *** إلا المنايــــــــــا تفاجـئنـــــــــــــي فتحمينــــي
إن المنايــــا سـهـــــام الله سددهـــــــــا *** وليــس يخطئـهـا ما الله راميـــه[29]
ومن كلامه في التعزية والصبر والثبات:
· "الدعاة أحوج الناس إلى عزائم ثابتة، وقلوب صابرة، على احتمال المصائب والمحن، التي يلاقونها في سبيل الدعوة حتى يبلغوا الغاية التي يريدونها، أو يموتوا في طريقها، العلماء الصادقون لا يبالون أيسميهم الناس خونة، أو جهلة، أو زنادقة، أو ملحدين، أو ضالين، أو كافرين، لأن ذلك لابد أن يكون..."[30].
· ".. فلهذا تراني أيها الأستاذ دائمًا مع أهل وقتي إذا رأيت ما يضرهم دينًا ودنيا، وثبتُ عليهم وثبة الأسد الغيور، وأخذت بتلابيبهم، وعرضت عليهم ذلك الفعل في صورته الحقيقية، حذرا كل التحذير من استصحابه لهم، وخوفا علي وعليهم..."[31].
أما الذين تولوا كبر الاعتداء على هذا العلم الكبير، والتهجم الجارح والمسيء عليه، فهم:
1- أحمد ابن الصديق الغماري في كتابه: الجواب المفيد للسائل المستفيد.
ومنه ننقل قوله في ابن المؤقت:
"وابن المؤقت أعرفه شخصيًّا، والنظر في وجهه يخبرك بأنه مخبول مجنون، وهو مع ذلك إمّعة يتقلب، فكان درقاويًّا من أصحاب الشيخ فتح الله بناني الذي أطلعني مرة على مجلد ضخم ألفه ابن المؤقت في مناقبه وكراماته، ثم لما قرأ كتاب الاعتصام للشاطبي انقلب عليه وعلى الصوفية أجمعين، وصار يكتب في ذمه وذمهم، وذهب تعبه في ذلك المجلد سدى. وفي كتبه خرافات وتخريف وتهور، بل لا تكاد تجد عنده تحقيقًا لشيء، ويكفيك في خلله قصة الرؤيا التي طبعها ونشرها قبل وفاته"[32].
2- قاضي سطات أحمد سكيرج التيجاني في كتابه: الحجارة المقتية لكسر مرآة المساوئ الوقتية، وهو عبارة عن نظم طويل، تتخلله تعليقات نثرية.
ومن نظمه ننقل قوله:
وانظر إلى ما يرمي به من سبـــه *** بين المـشايــــــــــــــــــخ شيخه البنـــــــــــاني
وأطــــــــــــــــــال فيه لسـانه ممـا بــــــــــــه *** قد صار فيه ضحكة الشيطـــــــــــــــــــان
ولقـد أقــــــــــــــــــــر بأنـــــه من أجـلـــــــــه *** سخطت عليه النــــــــــــــاس والأبـــــــــوان
إن كــــان ثـــــــــــم أب لـــــه حـقًّا وإلا *** فهو دون أب بــــــــــــذي الأوطـــــــــــــــــان
والنــــــــاس قد عرفوه بابن مغيثــــــة *** معـهــــــــــــــــا غـــــــدًا متـرددًا للحــــــــــــــــــــان
ويدل عمــــــــا قـيــــــــــــل فيه فعــــــاله *** وفعــــاله شـر مـــــن ابن الزاني[33]
وقوله:
يا ابن المؤقت قد جنيــــــت جنــاية *** لم يجنها في الخلـــــــــــــــق قبلك جــــــــــــــــان
لطخت جانب سادة قد جانبــــــــــــوا *** الفحشاء وانحاشـــــــــــــوا إلى الإحســــــــــــــان
هم أهل أذكـــار وتذكـــــــــــــــــــير وهم *** عملـــــــــــــوا على التحقيق بالقرآن[34]
ومن النثر قوله:
"لقد جال هذا الملحد في بساط هذه الترجمة بأفحش مقال ... وطعن في شيوخ الطرق وأتباعهم بسهام مسمومة، رماها إليهم فرجعت إليه، وصوّبها بتحامله عليهم، فتراكمت عليه، وقد أفرغ مقاله في قالب الفجور، ليصرف ما ادخره من سبكه البهتاني في مثل هذه الأمور، وتشبث بحبال راشية، أدلاها إليه بعض أهل الغرور، ممن طعنوا في الصوفية، وفهموا معنى التصوف بما أوحى به إليهم ضميرهم، ورام الممقوت الاستشهاد بما قالوه أو تقوّلوه على الصوفية، وقد وزن هذا الشُّويطن مقامات الصالحين وأحوالهم بميزانه، وكال عليهم بمكيال عرفانه..."[35].
وقوله: "لقد نظر هذا الممقوت نظرة استنكار لكل ما يطلق عليه اسم طائفة من الطوائف، أو طريقة من الطرق ... فقام هذا الملحد للطعن فيها، لتوهين حركة الدين، ليخلو الجو للمبشرين، الذين قيل إنهم المؤيدون له، والمدافعون عنه بالعهود المصونية ..."[36].
3- الأديب الطاهر الافراني السوسي التيجاني في نونيته، التي قرض بها نونية القاضي سكيرج.
ومنها ننقل قوله:
ما هكذا ما هـكــــــــــذا يا ابـــــــن المو *** قت قد تورد الآبـال في الغــــــــــــــــــــــــدران
ما أنت محتسب على كــــل الورى *** فعلى شُخيصك فاحتسب يــــا جـــــــــــــــان
فابـن المؤقـت قد سـعــــــــــــــــــــــى لكنه *** سقط العشاء به على سرحـان[37]
4- الشيخ مرزوق بن الحسن التيجاني في نونيت:
ومنها ننقل قوله:
تبــــــــــــا لحلـف سـفاهــــــــــــــــــــــــة وهـوان *** ووقاحة قامـــــــــــــــت على البهتـــــــــــــان
ذيخا به اجتمعت مساوي جنســـــــــه *** فغدا عدو مذاهــــــــــــــــب الإحســـــــــــان
وبدا اللئيم بغيض كل فضـيــــــــــــــــــلة *** وولى خبث الجهـــــــــــــل والطغيـــــــــــان
قذفت شياطين الخليقــــــــــة سلحهـــــا *** هذا الخبيــــث على الإنسـان[38]
5- أبو إسحاق السيد الحاج إبراهيم التيجاني في نونيته
ومنها ننقل قوله:
قد أصبح العلم الشريــــف مودعًا *** وغدا يغود الجهـــــــــــــــل في الحدثــــــــــــــــان
وعدا على الأعــــــلام كل مـضلل *** والجهــــــل ينطـــــــــــــــــق عادم البرهـــــــــــــــان
وترى البغاث بعـضــــــــه مستنسرا *** فرمى ابن مقــت جانب الأعيــــــــــــــــــــــــان
لـعـن الله محـــــــــــــارب الإيمــــــــــــان *** مـن قــــــــــــــــد أتى بالــــــــزور والبهتـــــــــــــان
نصـــــــــب الإله بوقتـــــــــه حـربًا لـه *** وهـــو ابن مقت باء بالخســران[39]
6- أبو بكر بن أحمد الديماني الشنجيطي التيجاني في نونيته.
ومنها ننقل قوله:
لا يحزننــــــك أن غـــــــــــــدًا ذو شقوة *** حنـق ليـهــــــــدم بـنيــة الإيمـــــــــــــــــــــــان
أو إن تنقص ذو الجهالة والعمى *** عدوا طريـــــــــــــق أحمد التيجـــــــــــــاني
قل للـذي أمســـــــــــى يشـمر ذيــــــــله *** بطرا يحـــــــــــــــارب سنة العـدنــــــــــــاني
اجلب بخيلك ما استطعت فإنمـــا *** حاربت ربـــــــــــــك يا يتم الشيطـــــــــان
7- محمد عال بن فتى العلوي الشنجيطي التيجاني في نونيته:
ومنها ننقل قوله:
أتعبت نفسك مثل ناطح صخرة *** ليزيـلها حـــــــتى وهى القرنــــــــــــان
أو مثل ما نبح الكــلاب بسـحر *** هل ضر ذلك إذ بدا القمــــــــــــران
لا تعـــد طورك يا فتى مـراكـــش *** فتقود نفســــــــــــــك للردى بعنــــــــــان
هذي عـجالة راكب مستعجـــــــل *** قدمـتها لك يا فتى الفـتيــــــــــــــــــــان
وقوله في التعريض بنسب ابن المؤقت:
واعلم بأنني من سلالـــــة هاشم *** ولدتني الزهــــــــــــــــراء والحسـنـــــــــــــــــــان
جدّي علي لست تجهل بأســـه *** في كل حــرب للعدو عـــــوان[40]
8- الحاج محمد انياس التيجاني في نونيته:
ومنها ننقل قوله:
ابن المؤقت جاهـل أو جـــــان *** من ذا يســـــــــــــب أكابـر الإيـمـــــــــــــــان
دجال أهل زمانه لتـشــــابه الـ *** أفعـــــــــــال والأخـــــــــلاق والخســـــــــــــــران
ابن الدجاجـلة الألى أمـثـالهم *** في النكـــــر و الإفســــــــاد والعـــــــــــدوان
ولكـل غـاو غـــــــــــــاية ونهــــاية *** يا للرجـــــــــــــال مشـايــــــــــخ الأديـــــــــــــان
فالجهل مـنه طبيعة وغـــــريزة *** والجـهل شر غرائز الإنسان[41]
9- الدكتور حسن جلاب في مقدمة تحقيقه لكتاب تنوير الأذهان.
ومنه ننقل قوله:
"وانتهى به المطاف إلى الشعوذة وكتابة التمائم"[42].
وقوله: "وتتجلى غرابته في تشكيلة كتاباته الموزعة ... كما تتجلى أيضًا في تركيبة كل مؤلَّف، الجامعة للواقعي، والمتخيل السلفي والإصلاحي.."[43].
وقد ردّ هذه الدعاوى عن ابن المؤقت، الباحث الشاب عبد الجليل بلخاميل في رسالته: المشروع الإصلاحي عند ابن المؤقت، المقرونة بكلية الآداب بمراكش[44].
دعوة ابن المؤقت المسؤولين والعلماء لحسم مادة التصوف الطرقي المنحرف في المغرب.
لم يغفل ابن المؤقت توجيه النصيحة الشرعية، والتذكير الأخوي، إلى ولاة الأمور ومن بيدهم الحل والعقد، من الساسة الغيورين، والعلماء الصادقين، بضرورة الوقوف في وجه المد الصوفي الطرقي، وقطع دابره، وحسم مادته، لأنه كان يشيع في الناس الأفكار الرجعية، والعقائد البالية، والسلوكات الجانحة، المؤسَّسة على الخرافة، والشعوذة، والجهل، بل كان هو المعرقل الحقيقي للمشروع الإصلاحي لمغرب ما قبل الاستقلال، والحاجز الذي يمنع اليوم كل دعوة جادة للإصلاح والتجديد، ويقف في وجه كل فكرة ساطعة تشعّ بالنور والحياة من الظهور والتمكين.
لقد قرّر ابن المؤقت أن الفكر الطرقي المتفقّر، أسر العقل المغربي زمانًا، ونخر منظومته الفكرية، وفكّك شبكته الاجتماعية، ولم يجن الناس منه، إلا مزيدًا من العطب، والمأساة، والمعاناة، والتخلف، وآن الأوان لتحرير هذا العقل من هذا الإسار الثقيل، والتخلص من رواسبه العالقة، وليس السبيل إلى ذلك، إلا عملُ الناصحين والغيورين على تصحيح هذه العقائد، والمفاهيم، والسلوكات، والممارسات، تصحيحا عاما وشاملا، بنور العلم أولًا، وقوة السلطان ثانيًا.
ولنختم بكلام له أصيل في هذا المعنى:
· "والله لن يسترجع المسلمون سالف مجدهم، ولن يبلغوا ما يريدون لأنفسهم من سعادة الحياة وهنائها، إلا إذا استرجعوا قبل ذلك ما أضاعوه من عقيدة التوحيد ... ولن يعود الإسلام إلى سالف مجده مادام المسلمون يقفون بين يدي السبتي، والجزولي، والغزواني، والتباع، والسهيلي، واليحصبي، وأمثالهم في سائر الأقطار كما يقفون بين يدي الله..."[45].
· "والمرجو ممن بيده الحل والربط اليوم أن يعين من يسعى في إخماد نار بدع هؤلاء الطوائف التي قضت على الإسلام اليوم، وفتحت للمفاسد الشيطانية أبوابًا"[46].
· "ومن حق علماء الدين أن يدفعوا هذا الباطل بقدر طاقتهم، وقوتهم، لأن الباطل يفسد الحياة، ولأن انتشاره يورث الهلكة"[47].
المراجع:
[1] - السعادة الأبدية ص: 08
[2] - المشروع الإصلاحي عند ابن المؤقت ص:21
[3] - الرحلة المراكشية ص: 14
[4] - السعادة الأبدية ص: 80
[5] - الرحلة المراكشية ص: 90
[6] - المشروع الإصلاحي عند ابن المؤقت ص: 22
[7] - الرحلة المراكشية ص: 13
[8] - السعادة الأبدية ص: 90
[9] - دراسات مغربية في التراث: ص 343
[10] - انظرها وغيرها في: المشروع الإصلاحي عند ابن المؤقت المراكشي ص: 34 -35
[11] - السعادة الأبدية: 2/467
[12] - السعادة الأبدية: 2/467
[13] - الرحلة المراكشية ص:166
[14] - الرحلة المراكشية ص:158-159
[15] - الرحلة المراكشية ص: 159
[16] - الرحلة المراكشية ص: 159
[17] - الرحلة المراكشية ص: 160
[18] - الرحلة المراكشية ص: 195
[19] - الرحلة المراكشية ص: 213
[20] - الكشف والتبيان عن حال أهل الزمان ص: 87.
[21] - الرحلة المراكشية ص: 159-160
[22] - الرحلة المراكشية ص: 197
[23] - الرحلة المراكشية ص: 58
[24] - الرحلة المراكشية ص: 196-197
[25] - الجواب المفيد للسائل المستفيد ص:39
[26] - المشروع الإصلاحي عند ابن المؤقت ص: 43
[27] - الرحلة المراكشية ص: 12
[28] - الرحلة المراكشية ص: 12
[29] - الرحلة المراكشية ص 366.
[30] - الرحلة المراكشية ص: 460 -461
[31] - الرحلة الأخروية ص: 26
[32] - ينظر ص: 39
[33]- الحجارة المقتية: 2/06
[34] - الحجارة المقتية: 02/16
[35] - الحجارة المقتية: 2/02
[36] - الحجارة المقتية: 2/15
[37] - مشيخة الإلغيين من الحضريين ص:173
[38] - الحجارة المقتية: 2/47
[39] - الحجارة المقتية: 2/49
[40] - الحجارة المقتية: 2/56
[41] - الحجارة المقتية: 2/60 وما بعدها
[42] - تنوير الأذهان ص: 15 -16
[43] - تنوير الأذهان ص: 17
[44] - المشروع الإصلاحي عند ابن المؤقت المراكشي ص: 24 وما بعدها
[45] - الرحلة المراكشية ص: 16
[46] - الرحلة المراكشية ص: 189
[47] - الرحلة المراكشية ص: 213
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.