أسماء الله الحسنى: الجميل

أسماء الله الحسنى: الجميل





الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، ثم أما بعد؛..
الاشتقاقُ اللغوي:
الجميلُ: مِنْ جميلٍ يجملُ فهوَ جميلٌ.
والجمالُ: الحُسْنُ والبهاءُ، وهو ضدُّ القبحِ([1]).
والجمالُ يكونُ في الخَلْقِ وَالخُلُقِ([2])؛ أي جمالٌ في الخِلْقَةِ وَجَمَالٌ في الأفعالِ.
والجمالُ: يطلقُ على كثرةِ الحسنِ؛ وذلكَ ضربان: أحدُهما: جمالٌ يختصُّ الإنسانُ بِهِ في نفسِه أو بدنِه أو عقلِه، والثاني: ما يوصلُ منه إلى غيرِه([3]).
والجمالُ: مأخوذٌ مِنَ الجمْلَةِ، وهوَ اجتماعُ أشياءٍ إلى شيءٍ واحدٍ، يكونُ ذلكَ الشيء عمادًا له، ومنه قيلَ للشحمِ المذابِ المتجمعِ في مكانِ إذابته جميلٌ، أي أٌذيبَ فتجمعتْ أجزاؤُه واختلطَتْ، فعادَ بذلك شيئًا واحدًا([4]).
الأدلةُ في القرآنِ وَالسنةِ:
وَرَدَ اسمُ الجميلِ في السنةِ النبويةِ مِنْ حديثِ ابنِ مسعود - رضيَ اللهُ عنه - أَنَّ النبيَّ - صلى اللهُ عليه وسلم - قَالَ: ((لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا، وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ))([5]).
المعنى فِي حَقِّ اللهِ تعالى:
اسمُ الجميلِ فِي حَقِّ اللهِ تعالى يتضمنُ المعاني التالية:
1- الجميلُ: هو الذي اتصفَ بالحسنِ مِنْ كُلِّ وجهٍ، فَليسَ شيءٌ أجملَ مِنْهُ.
2- الجمالُ: الحسنُ، وهوَ صفةٌ راجعةٌ للذات، ولا يمتنعُ وصفُ اللهِ تعالى بذلكَ؛ حيثُ جاءَ في الحديثِ أنَّ النبيَّ - صلى اللهُ عليه وسلم - قالَ: ((رَأيْتُ رَبِّي فِي أَحْسَن صُورةٍ))([6]).
بَلْ لَو كانَ جمالُ الخَلْقِ كلهم على رَجُلٍ واحدٍ منهم، وكانوا جميعُهم بذلكَ الجمالِ لما كانَ لجمالِهم قطْ نسبةٌ إلى جمالِ اللهِ، بَلْ كانتْ النسبةُ أقلَّ مِنْ نسبةِ سراجٍ ضعيفٍ إلى حذاءِ جُرْمِ الشمسِ: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [النحل: 60].
3- أنَّ للهِ سبحانه جمالَ الذاتِ، وجمالَ الأوصافِ، وجمالَ الأفعالِ، وجمالَ الأسماءِ، فأسماؤُه كلُّها كمالٌ، وأفعالُه كلُّها جميلةٌ، فلا يستطيعُ بشرٌ النظرَ إلى جلالِه وجمالِه في هذه الدارِ، فإذا رَأَوه سبحانه في جناتِ عدن؛ أَنْسَتْهُمْ رؤيةَ ما همْ فيه من النعيمِ، فلا يلتفون حينئذٍ إلى شيءٍ غيرِه([7]).
4- أنَّه سبحانه الجميلُ الذي اتصفَ بكمالِ الحُسْنِ مِنْ كُلِّ وجهٍ، وانتفى عنه كُلُّ عيبٍ ونقصٍ.
5- أنَّه سبحانه المُجَمِّلُ وَالمُحَسِّنُ لغيرِه، ليس هذا فحسب، بَلْ هوَ جميلٌ يحبُّ الجمالَ، وجميلٌ يحبُّ الجميلَ مِنَ اللباسِ، وجميلٌ يحبُّ الجميلَ مِنْ كُلِّ شيءٍ.
المعنى عِنْدَ المخالفين والمناقشةُ وَالردُّ:
المعنى عندَ الأشاعرةِ:
الجميلُ: معناه ذو الأسماءِ الحسنى؛ لأنَّ القبائح إذا لَمْ تَلِقْ بِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُشْتَقَّ اسمٌ مِنْ أسمائِها، وإنما تُشْتَقُّ أسماؤه مِنْ صفاتِه التي كلُّها مدائح، والأفعالِ التي أَجْمَعُها حِكْمَةٌ([8]).

الهوامش:

([1]) معجم مقاييس اللغة، ابن فارس، (1/184).

([2]) القاموس المحيط، الفيروزآبادي، ص(979).

([3]) ينظر: المفردات، الراغب، ص(79).

([4]) الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى، القرطبي، ص(227).

([5]) رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه، (147)، (2/92).

([6]) رواه عدد من أهل السنة في مصنفاتهم من عدة طرق عن أكثر من صحابي، وممن خرجه ابنُ أبي عاصم في السنة، ص(397) (1/275)، وح (475)، (456)، وح (477)، و(478)، ح(479) (1/325-327)، وفي (الآحاد والمثاني) (2585) (5/8)، وابن خزيمة في التوحيد (318) (319) (320) (321)، وغيرها (2/533-547)، والدارمي في السنن، باب: في رؤية الربِّ تعالى في الروم (2149) (2/170)، والحاكم في المستدرك (1/520)، وغيرهم، قالَ ابنُ عبد البر في التمهيد (24/325): (قال أبو عمر: قولُه في هذا الحديثِ "رأيتُ ربِّي": معناه عندَ أهلِ العلمِ فِي منامِه واللهُ أعلم)=

=وقد صحح هذا الحديثَ الشيخُ الألباني في "ظلال الجنة في تخريج السنة"، ينظر: ص(188-189)، ولاشَكَّ أن هذه الرؤية كانت في المنام، وقد وقعت برؤيا في المنام، وكانت هذه الحادثة في المدينة، كما رواها معاذ بن جبل - رضيَ اللهُ عنه وأرضاه -، وهي غير حادثة الإسراء التي وقعت في مكة، وما جرى فيها من أحداث على الحقيقة.

ورؤيةُ اللهِ في المنام غير مستحيلة، وهي ممكنة على حسب عمل الرائي، يقول ابنُ تيمية في الفتاوى، (3/390): (وقد يرى المؤمنُ رَبَّهُ في المنامِ في صورٍ متنوعةٍ على قَدْرِ إيمانِه ويقينِه، فإذا كانَ إيمانُه صحيحًا لَمْ يَرَهُ إلا في صورةٍ حسنة، وإذا كانَ في إيمانِه نقصٌ رأى ما يُشْبِهُ إيمانَه)، فإذا كانَ المؤمنُ يُمَكَّنُ مِنْ رؤيةِ الربِّ - تبارك وتعالى - فالنبيُّ - صلى اللهُ عليه وسلم - أكمل البشر على الإطلاق أولى بذلك، وقد وصفَ النبيُّ - صلى اللهُ عليه وسلم - الربَّ - عَزَّ وَجَلَّ - في هذا الحديثِ بلفظ "أحسن"، وهو البالغ في الحسن والجمال، فلا يوجد شيء أجمل منه ولا أحسن.

([7]) ينظر: إبطال التأويلات، أبو يعلي، (2/465)، وروضة المحبين، ابن القيم، ص(295)، ومختصر الصواعق المرسلة، الموصلي، ص(144).

([8]) المنهاج في شعب الإيمان، الجرجاني، (1/198).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
اسماء الله الحسنى: الجميل.doc doc
اسماء الله الحسنى: الجميل.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى