الحمدُ للهِ وَالصلاةُ وَالسلامُ على رسولِ اللهِ وَآلِه وَصَحْبِه وَمَنْ وَالَاه وبعد..صفةُ القدرةِ مِنَ الصفاتِ الخبريةِ العقليةِ التِي أجمعتْ الأمةُ على إثباتِها صفةً للربِّ، وَقَدْ دَلَّ على ثبوتِها مَا يلي:
أولًا: الأدلةُ مِنَ القرآنِ:
1- قالَ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 20].
2- وَقَالَ تعالى: {قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 259].
3- وَقَالَ تعالى: {إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26].
4- وَقَالَ تعالى: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 29].
5- وَقَالَ تعالى: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا} [النساء: 133].
ثانيًا: الأدلةُ مِنَ السنةِ:
تواترتْ النصوصُ فِي السنةِ على إثباتِ صفةِ القدرةِ للهِ تعالى؛ مِنها مَا يلي:
1- عَنْ ابنِ مسعودٍ أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: ((آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ رَجُلٌ. فَهُوَ يَمْشِي مَرَّةً وَيَكْبُو مَرَّةً، وَتَسْفَعُهُ النَّارُ مَرَّةً ...، وفيه: فَضَحِكَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ، فَقَالَ: أَلاَ تَسْأَلُوْنِي مِمَّ أضْحَكُ؟ فقالوا: مِمَّ تَضْحَكُ؟ قَالَ: هَكَذَا ضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: مِمَّ تَضْحَكُ يَا رَسُوْلَ اللَّهِ؟ قَالَ: مِنْ ضَحِكِ رَبِّ العَالَمِيْنَ حِيْنَ قَالَ: أتَسْتَهْزئُ منِّي وَأنْتَ رَبُّ العَالَمِيْنَ؟ فَيَقُوْلُ: إنِّي لَا أسْتَهْزِئُ مِنْكَ، وَلَكِنِّي عَلَى مَا أشَاءُ قَادِرٌ))([1]).
2- وَقَالَ أبو مسعود البدري: ((كُنْتُ أضربُ غلامًا لي بالسوطِ، فسمعتُ صوتًا من خلفي: اعلمْ أبا مسعود، فَلَمْ أفهمْ الصوتَ مِنَ الغضبِ، قَالَ: فَلَمَّا دَنَا مني، إذا هوَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فإذا هوَ يقولُ: اعلمْ أبَا مسعود، اعلمْ أبَا مسعود، قَالَ: فألقيتُ السوطَ مِنْ يدي، فقالَ: اعلمْ أبا مسعودٍ أنَّ اللهَ أقدرُ عليكَ مِنْكَ على هذا الغلامِ، قالَ فقلتُ: لَا أضربُ مملوكًا بعدَه أبدًا))([2]).
3- وَكَتَبَ المغيرةُ إلى معاوية بن أبِي سفيان، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كانَ يقولُ في دُبُرِ كلِّ صلاةٍ مكتوبةٍ: ((لَا إِلَه إلَّا الله، وَحْدَه لَا شَرِيْكَ لَه، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمدُ، وَهوَ علَى كلِّ شيءٍ قَدِيرٍ، اللهمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِي لِمَا مَنَعَتَ، وَلَا ينفعُ ذا الجدِّ مِنكَ الجَد))([3]).
4- وَعَنْ جابر بنِ عبدِ اللهِ رضي الله عنه، قَالَ: ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ: إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي، أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ، فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي، أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ، فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ ارْضِنِي بِهِ، وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ))([4]).
5- وَعَنْ عثمان بنِ أبي العاص الثقفي أنَّه شَكَا إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعًا يجدُه فِي جَسَدِه مُنْذُ أَسْلَمَ؛ فَقَالَ لَهُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((ضَعْ يَدَك على الذي تألمُ من جَسَدِك، وقُلْ: باسم اللهِ، ثلاثًا، وقُلْ سبع مرات: أعوذُ باللهِ وقدرتِه من شرِّ ما أجدُ وأحاذرُ))([5]).
ثالثًا ـ أقوالُ الصحابةِ:
مِنْهَا مَا أخرجَه البيهقيُّ مِنْ فِعْلِ عَمار بن ياسر الذي رواه عطاءُ بن السائب([6]) عَنْ أَبِيه، قَالَ: ((صَلَّيْنَا مَع عَمار بنِ ياسر رضي الله عنه صلاةً فخفَّفَ فِيهَا، فَلَمَّا انْصَرَفَ انْصَرَفَ مَعَهُ رجلٌ - وهوَ أَبِي - فَسَأَلَهُ؟ فَقَالَ: إِنِّي دَعَوتُ اللهَ بدعواتٍ سمعتهنَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: اللهمَّ إنِّي أسألُك بِعلمِك الغيبِ وَقُدرتِك على الخلقِ أَحْينِي مَا كَانَتْ الحياةُ خَيْرًا لِي ...))([7]).
رَابعًا ـ الإجماعُ:
نَقَلَ غيرُ واحدٍ مِنَ السلفِ إجماعَ الأمةِ على إثباتِ صفةِ القدرةِ للهِ تعالى؛ مِنْهَا:
1- ذَكَرَ إمامُ الشافعيةِ فِي وقتِه أبو العباس بن سريج، إجماعَ أهلِ السنةِ وَالجماعةِ على إثباتِ قدرةِ اللهِ؛ حيثُ قالَ: (وَقَدْ صَحَّ وَتَقَرَّرَ وَاتضَحَ عِنْدَ جميعِ أهلِ الديانةِ وَالسنةِ وَالجماعةِ، مِنَ السلفِ الماضين وَالصحابةِ وَالتابعين، مِنَ الأئمةِ المهتدين الراشدين المشهورين، إلى زَمَانِنَا هذا ...)، وَذَكَرَ جملةً مِن اعتقادِ السلفِ الصالحِ، وَعَدَّ منها قدرتَه U([8]).
2- وَصَرَّحَ بالإجماعِ أبو الحسن الأشعري فِي رسالتِه إلى أهلِ الثغرِ؛ قَالَ: (وَأَجْمَعُوا علَى أنَّه تعالى لَمْ يَزَلْ مَوجُودًا حيًّا قَادِرًا علَّامًا مُرِيدًا)([9]).
3- وَعَدَّ الصابوني صفةَ القدرةِ مِنَ الصفاتِ المُجمَعِ عَلَى ثبوتِها للهِ حقيقةً عِنْدَ سلفِ الأمةِ وَأصحابِ الحديثِ([10]).
4- وَمِمَّنْ حَكَى الإجماعَ أيضًا الإمامُ ابن الحداد في إجابتِه على سؤالِ مَنْ سَأَلَهُ عَنْ الاعتقادِ الحقِّ وَالمنهجِ الصدقِ الذي يجبُ على العبدِ المُكَلَّفِ أَنْ يعتقدَه وَيلتزمَه، وَذَكَرَ إِجْمَاعَ السلفِ على صفةِ القدرةِ([11]).
5- وَذَكَرَ شيخُ الإسلامِ أَنَّ شيخَ الحرمين، أبا الحسن محمد بن عبدِ الملكِ الكرجي، قَدْ نَقَلَ الإجماعَ على ذلكَ في كتابِه الذي سمَّاه "الفصولُ فِي الأصولِ عَنْ الأئمةِ الفُحولِ إلزامًا لذوي البدعِ وَالفضولِ)([12]).
6 - وَحَكَى شيخُ الإسلامِ إجماعَ العلماءِ علَى ثبوتِ هذِه الصفةِ للهِ حقيقةً في مواضعَ كثيرةٍ مِنْ كُتُبِهِ، فتارةً يحكي اتفاقَ أهلِ المللِ، وَأُخْرَى يحكي اتفاقَ المسلمين على اختلافِ طوائفِهم وَتباينِ مذاهبِهم؛ فَقَالَ: (وَأَمَّا أهلُ المِلَلِ فمتفقون على أنَّه حيٌّ عليمٌ قَدِيرٌ)، وَأمَّا اتفاق المسلمين فَقَدْ حَكَاه بقولِه: (وَمِنَ المعلومِ باتفاقِ المسلمين أنَّ اللهَ حيٌّ حقيقةً، عليمٌ حقيقةً، قديرٌ حقيقةً، سميعٌ حقيقةً، بصيرٌ حقيقةً)([13]).
([1]) رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، (6571)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب آخر أهل النار خروجًا، (187)، واللفظ لمسلم.
([6]) عطاء بن السائب: الإمام الحافظ، مُحَدِّث الكوفة أبو السائب، وقيل: أبو زيد، وأبو محمد الكوفي، أحد علماء التابعين، روى عن عبد الله بن أبي أوفى، وأنس بن مالك، ومجاهد، وروى عنه: سفيان الثوري وشعبة، انظر: السير، الذهبي، (6/110)، ميزان الاعتدال، الذهبي، (3/70).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.