صفةُ الحكمةِ

صفةُ الحكمةِ





الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، ثم أما بعد؛..
الحكمةُ صفةٌ ذاتيةٌ ثابتةٌ للهِ تعالى على ما يليقُ بجلالِه، وَالحكيمُ اسمٌ منْ أسمائِه تعالى، وهوَ ثابتٌ بالكتابِ وَالسنةِ، وَالأدلةُ عليها ما يلي.
أولًا ـ الأدلةُ مِنَ القرآنِ:
الأدلةُ على إثباتِ صفةِ الحكمةِ كثيرةٌ جدًّا، يصعبُ علينا حصرُها، وَقدْ حصرَها ابنُ القيمِ في شفاءِ العليل إلى اثنين وَعشرين نوعًا([1])؛ وأهمُّ هذه الأنواع مَا يلي:
1- دلالةُ اسمِ الحكيمِ على صفةِ الحكمةِ:
 قالَ تعالى: {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة: 32].
وَقالَ تعالى: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [آل عمران: 126].
وَقالَ تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 18].
وَقالَ تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النحل: 60].
وَقالَ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 11].
2- التصريحُ بلفظِ الحكمةِ؛ كقولِه تعالى: {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} [القمر: 5].
3- إخبارُه أنَّه فعلَ كذا لِكذا، وَأنَّه أمرَ بكذا لِكذا؛ كمَا في قولِه تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: 12]، وَقولِه تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} [البقرة: 143].
4- الإتيانُ بـ"كي" الصريحة في التعليلِ؛ كقولِه تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد: 22-23].
5- ذكرُ مَا هوَ منْ صرائح التعليلِ وهوَ: "مِنْ أجلِ"؛ كمَا قَالَ تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32].
ثانيًا ـ الأدلةُ مِنَ السنةِ على صفةِ الحكمةِ مَا يلي:
1- عن مصعب بن سعد، عَنْ أبيه قَالَ: ((جاءَ أعرابيٌّ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقالَ: علِّمنِي كلامًا أقولُه، قَالَ: قُلْ لا إله إلا الله، وحده لا شريكَ له، اللهُ أكبرُ كبيرًا، والحمدُ للهِ كثيرًا، سبحانَ اللهِ ربِّ العالمين، لا حولَ ولا قوةَ إلَّا باللهِ العزيزِ الحكيمِ، قالَ: فهؤلاء لربِّي، فمَا لي؟ قالَ: اللهمَّ اغْفِرْ لي وارحمني واهدِني وارزُقْنِي))([2]).
2- وَعن ابنِ عباس - رضيَ اللهُ عنهما - قالَ: قامَ فينا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خطيبًا بموعظةٍ فقالَ: ((يا أيها الناس، إنَّكم تُحْشَرُون إلى اللهِ حفاةً عراةً غرلًا، كمَا بَدَءْنَا أولَ خَلْقٍ نعيدُه، وَعْدًا علينا إنَّا كنَّا فاعلين، ألَا وَإِنَّ أولُ الخلائقِ يُكسى يومَ القيامةِ إبراهيمَ عليه السلام.
ألَا وَإنَّه سيُجاءُ برجالٍ مِنْ أُمَّتِي فيؤخذُ بهم ذاتَ الشمالِ فأقول: يا ربِّ أصحابِي!! فيُقالُ: إنَّك لا تدري مَا أحدثوا بعدَك، فأقولُ كَمَا قَالَ العبدُ الصالحُ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 117-118] قالَ: فيُقالُ لي: إنهم لمْ يزالوا مرتدِّينَ على أعقابِهم منذُ فارقتَهُم))([3]).
3- وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((أُنْزِلَ القرآنُ على سبعةِ أحرفٍ؛ عليمًا حكيمًا غفورًا رحيمًا))([4]).
4- وعنْ كعب قالَ: قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((يا أُبي، إنِّي أُقْرِئتُ القرآنَ فقيلَ لي: على حرفٍ أو حرفين؟ فقالَ المَلَكُ الذي معي: قُلْ على حرفين؛ قُلتُ: على حرفين، فقيلَ لي: على حرفين أو ثلاثةٍ؟ فقالَ المَلَكُ الذي معي: قُلْ على ثلاثةٍ، قُلْتُ: على ثلاثةٍ، حتى بلغَ سبعةَ أحرفٍ، ثمَّ قالَ: ليسَ منها إلَّا شافٍ كافٍ، إنْ قلتَ: سميعًا عليمًا عزيزًا حكيمًا، ما لمْ تختمْ آيةَ عذابٍ برحمةٍ أوْ آيةَ رحمةٍ بعذابٍ))([5]).
5- عَنْ أنس رضي الله عنه، ((أنَّ رجلًا كانَ يكتبُ لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فإذا أملى عليه: سميعًا، يقولُ: كتبتُ سميعًا بصيرًا، قالَ: دَعْهُ، وإذا أملى عليه: عليمًا حكيمًا، كتبَ: عليمًا حليمًا، قالَ حماد نحو ذا، قالَ: وَكانَ قدْ قرأَ البقرةَ وَآل عمران، وَكانَ مَنْ قَرَأَهُما قدْ قرأَ قرآنًا كثيرًا، فذَهبَ فَتَنَصَّرَ، فَقَالَ: لقدْ كُنْتُ أكتبُ لمحمدٍ ما شئتُ فيقول دَعْه، فماتَ فدُفِنَ فنبذَتْهُ الأرضُ مرتين أوْ ثلاثًا، قالَ أبو طلحة: وَلقدْ رأيتُه منبوذًا فوقَ الأرضِ))([6]).
ثالثًا ـ أقوالُ التابعين:
1- قالَ الحسنُ: قالَ علي: قالَ داود: (سمعتُ عامرًا يُفَسِّرُ قولَه: {إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الحجر: 25]، يقولُ: إنَّ ربك حكيمٌ فِي تدبيرِه خلقِه في إحيائِهم إذا أحياهم، وَفِي إماتتِهم إذا أماتَهم، عليمٌ بعددِهم وَأعمالِهم، وَالحي منهم وَالميت، وَالمُستقدم والمُستأخر)([7]).
2- عن قتادة فِي قولِه: {الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [سبأ: 1]، قالَ: (حكيمٌ في أمرِه، خبيرٌ بخلقِه)([8]).
3- عن سعد بن جبير قالَ: (كانَ ابنُ عباس إذا قرأَ: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين: 8]، قالَ: سبحانك اللهمَّ، بلى)([9]).
 
الهوامش:

([1]) انظر: شفاء العليل، ابن القيم، ص(319-343).

([2]) رواه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء، (2696).

([3]) رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب كيف الحشر، ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب فناء الدنيا وبيان الحشر، (2860).

([4]) رواه أحمد في مسنده، (8365)، وإسناده حسن، فيه محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص، قال الحافظ ابنُ حجر: (صدوق له أوهام)، التقريب، (6188).

([5]) رواه أبو داود، كتاب الصلاة، باب أُنْزِلَ القرآنُ على سبعة أحرف، (1477)، والبيهقي في السنن الكبرى، (3989).

([6]) رواه أحمد في مسنده، (13558).

([7]) رواه ابن جرير في تفسيره، (7/511)، وإسناده صحيح.

([8]) رواه ابن جرير في تفسيره، (10/344)، وإسناده صحيح، وزاد السيوطي في الدر المنثور، (6/674): إلى عبد بن حميد وابن المنذر وعبد بن حميد.

([9]) رواه ابن جرير في تفسيره، (12/643)، وزاد السيوطي في الدر المنثور نسبته ابن المنذر، (8/559)، وإسناده صحيح.

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
صفةُ الحكمةِ.doc doc
صفةُ الحكمةِ.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى