بسم الله الرحمن
الرحيم
نظرات في
كتاب
علموا
أولادكم محبة النبي
صلى الله عليه وسلم
كتبها /
الشيخ صالح بن فوزان
الفوزان
الحمد لله والصلاة
والسلام على رسول
الله وعلى آله وصحبه
وسلم، أما بعد:
اطلعت على كتاب
ألفه معالي الدكتور
محمد عبده يماني تحت
عنوان (علموا أولادكم
حب رسول الله، وطبعه
عدة طبعات، وجاء على
غلاف الطبعة الثالثة
منه ما نصه:
(طُبِـعَ بموافقة
وزارة الإعلام رقم
1112/ م ج ، وتاريخ
30/3/1405 هـ ).
ولم يذكر معاليه
موافقة مراقبة
المطبوعات في
الإفتاء، مع أن هذا
الأمر لازم، يجعل
لهذه الجهة بتخطيه
لها المطالبة بحقها
نحو هذا الإجراء
المخالف لنظام
المطبوعات.
ونحن مع كل مسلم
نتفق مع معالي
الدكتور على أن محبة
الرسول صلى الله عليه
وسلم واجبة على كل
مسلم، بل هي من أعظم
أصول الإيمان ومسائل
العقيدة، وتأتي في
الدرجة الثانية بعد
محبة الله تعالى،
وبغض الرسول صلى الله
عليه وسلم أو بغض شيء
مما جاء به ردَّة عن
دين الإسلام.
ونتفق كذلك مع
معاليه على أن بيان
هذا للناس أمر واجب.
ولكن بيانه يكون
بالطريقة الشرعية،
والأدلة الصحيحة من
الكتاب والسنة، وعلى
ضوء العقائد المعتبرة
عند أهل السنة
والجماعة، وهذا ما لم
يتوفر في كتاب معاليه
كما يأتي بيانه، وذلك
على النحو التالي:
1- قوله في
العنوان:(علموا
أولادكم حب رسول
الله).
هل المحبة
تُـعَـلَّم تعليماً،
أو هي عمل قلبي
يُـقوَّى ويُـنَـمَّى
؟ !
كان الأولى
بالدكتور أن يقول:
بينوا لأولادكم وجوب
محبة الرسول صلى الله
عليه وسلم ، ونموها
في قلوبهم؛ ببيان
صفاته وخصائصه، وما
جاء على يديه من
هداية الأمة،
وإخراجها من الظلمات
إلى النور، وإنقاذها
من الخرافات والبدع
والشركيات إلى
التوحيد الخالص
والعقيدة الصحيحة.
2- لماذا اقتصر
معاليه على محبة
الرسول صلى الله عليه
وسلم ولم يذكر محبة
الله تعالى التي هي
الأصل الذي تتبعه
محبة الرسول صلى الله
عليه وسلم؟!
لماذا يذكر الفرع
ويترك الأصل ؟!
ألم تكن محبة
الرسول تأتي بعد
محبة الله تعالى في
الكتاب والسنة؛ كقوله
تعالى: (( قُلْ إِنْ
كَانَ آبَاؤُكُمْ
وَأَبْنَاؤُكُمْ
))[التوبة:24]
إلى
قوله تعالى:
((أَحَبَّ إِلَيْكُمْ
مِنَ اللَّهِ
وَرَسُولِهِ
))[التوبة:24] وقوله:
{
ثلاث من كن فيه وجد
بهن حلاوة الإيمان:
أن يكون الله ورسوله
أحب إليه مما
سواهما..} الحديث ؟ !
وقال تعالى:
((وَالَّذِينَ
آمَنُوا أَشَدُّ
حُبًّا لِلَّهِ
))[البقرة:165] ،
((
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ
تُحِبُّونَ اللَّهَ
فَاتَّبِعُونِي
يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ
ذُنُوبَكُمْ
وَاللَّهُ غَفُورٌ
رَحِيمٌ ))[آل
عمران:31]
3- ما علاقة محبة
الرسول صلى الله عليه
وسلم بابتداع
الاحتفال في اليوم
الذي يُـقال: إنه
اليوم الذي وُلِدَ
فيه، وهو اليوم
الثاني عشر من ربيع
الأول، حيث ذكر معالي
الدكتور ذلك في
كتابه، ودعا إليه من
صفحة (95) إلى صفحة
(103)، وحاول في هذه
الصفحات أن يسوغ هذا
الاحتفال؛ دون أن
يبرز دليلاً صحيحاً
واحداً أو استدلالاً
صحيحاً على ما قال،
سوى أنه عادة أحدثها
بعض الناس:
((إِنَّا
وَجَدْنَا آبَاءَنَا
عَلَى أُمَّةٍ
وَإِنَّا عَلَى
آثَارِهِمْ
مُهْتَدُونَ
))[الزخرف:22].
ولسنا بصدد مناقشة
الشبهات التي ذكرها
هنا؛ لأن هذا له موضع
آخر، وقد نوقشت
والحمد لله في أكثر
من كتاب، وبُـيِّن أن
الاحتفال بالمولد
بدعة محدثة.
ونحن نسأل معالي
الدكتور:
هل شرع الرسول صلى
الله عليه وسلم هذا
الاحتفال لأمته أو هو
شيء محدث بعده ؟
وقد قال:
{ من
أحدث في أمرنا ما ليس
منه فهو رد }.
وهل فعله صحابته
وخلفاؤه الراشدون
الذين لا يساويهم أحد
في محبته ؟!
هل كانوا مقصرين
في محبته حين لم
يفعلوه ؟!
لا ؛ بل إنهم لم
يفعلوه؛ لأنه بدعة،
وقد نهى صلى الله
عليه وسلم عن البدع،
وفعل البدعة معصية له
صلى الله عليه وسلم ،
يتناقض مع محبته؛ لأن
محبته تقتضي متابعته
وترك ما نهى عنه.
فيا معالي الدكتور!
كيف نعلم أولادنا
محبة رسول الله ، ثم
ندعوهم لمخالفته بفعل
البدع؟! أليس هذا
تناقضاً ؟!
ليتك قلت:علموهم
متابعة رسول الله صلى
الله عليه وسلم ،
وانهوهم عن مخالفته،
وألزموهم بطاعته؛ كما
قال صلى الله عليه
وسلم :
{ مُروا
أولادكم بالصلاة
لسبع، واضربوهم عليها
لعشر، وفرقوا بينهم
في المضاجع }.
4- ما علاقة تحديد
المكان الذي وُلِدَ
فيه الرسول صلى الله
عليه وسلم بموضوع
محبته...حيث شغل
الدكتور حيزاً من
كتابه في البحث عن
تحديده من صفحة (179)
إلى (191)، وأتعب
فكره وقلمه في ذلك
بما لا جدوى من
ورائه، ولم نكلف
بمعرفته.
هل عيَّن رسول
الله صلى الله عليه
وسلم هذا المكان
لأمته ؟ !
هل اعتنى الصحابة
والتابعون ومن بعدهم
من القرون المفضلة
وأئمة الإسلام
المعتبرون بتعيين هذا
المكان؟!
وماذا يرجع على
الأمة من تعيينه؟!
لو كان في ذلك ما
يعود على الأمة بخير؛
ما تركه الرسول صلى
الله عليه وسلم
وصحابته، بل إن
الرسول صلى الله
عليه وسلم لم يهتم
بشأن بيته الذي كان
يسكنه في مكة قبل
الهجرة، ولما سُئِل
صلى الله عليه وسلم
لما قدم مكة، فقيل
له: أتنزل في دارك
؟قال صلى الله عليه
وسلم:
{وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور؟
}.
ما كان صلى الله
عليه وسلم يهتم
بالأمكنة التي سكنها
وعاش فيها؛ فضلاً عن
أن يهتم بالمكان الذي
ولد فيه، ولم يكن
صحابته يفعلون ذلك؛
لأن ذلك يُـفْضي إلى
أن نتخذ هذه الأمكنة
مُـتَعَبَّدات
ومعتقدات فاسدة.
إن النبي صلى الله
عليه وسلم بعد البعثة
لم يتهم بشأن غار
حراء الذي ابتدأ نزول
الوحي عليه فيه، لأن
الله لم يأمره بذلك.
ولما رأى عمر رضي
الله عنه الناس
يذهبون إلى الشجرة
التي وقعت تحتها بيعة
الرضوان؛ قطعها مخافة
أن يُـفْـتَن الناس
بها.
فلا تفتحوا للناس
باباً مغلقاً،
وتذكروا قوله تعالى:
((فَلْيَحْذَرِ
الَّذِينَ
يُخَالِفُونَ عَنْ
أَمْرِهِ أَنْ
تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ
أَوْ يُصِيبَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ
))[النور:63].
ولهذا لا نجد في
كتاب الله ولا في سنة
نبيه صلى الله عليه
وسلم إشارة إلى
البقعة التي وُلِدَ
فيها رسول الله صلى
الله عليه وسلم؛ لأنه
لا فائدة من ذلك،
وليس في الاعتناء
بذلك دلالة على محبته
صلى الله عليه وسلم،
وإنما علامة محبته
صلى الله عليه وسلم
اتباعه، والعمل
بسنته، وترك ما نهى
عنه؛ كما قال الشاعر
الحكيم في ملازمة
المحبة
للطاعة:
لو كان حبك صادقاً لأطعته إن
المُحِبَّ لمن
يُحِبُّ مُطيعُ
5- حشد معالي
الدكتور في كتابه هذا
أموراً وأشياء كثيرة
فيها نظر، وذكر فيه
أحاديث لم يبين
درجتها، ولم يوثقها
من دواوين السنة
المعتبرة.
والواجب عليه
كباحث يحمل أكبر درجة
علمية أن لا يهمل
ذلك؛ لأن القراء
ينتظرون منه ومن
أمثاله أن يقدم لهم
بحثاً مستوفياً
للجوانب العلمية
والمعنوية.
ومما جاء في
كتابه:
أ- أبيات (طلع
البدر علينا )؛ قال
عنها:
(هذا نشيد سمعه
رسول الله صلى الله
عليه وسلم دون شك ولا
ريب).
إلى أن قال:(وقد
ارتفع هذا النشيد
لأول مرة من حناجر
المسلمين المهاجرين
والأنصار منذ أكثر من
أربعة عشر قرناً).
ونقول: ما الذي
يجعلك يا معالي
الدكتور تجزم بسماع
الرسول صلى الله عليه
وسلم لهذا النشيد دون
شك أو ريب ؟
وما الذي يجعلك تجزم
بنسبته إلى المهاجرين
والأنصار؟ أين سندك
في هذا؟
أيظن معاليكم أن
القراء يقتنعون بمثل
هذا الكلام دون تحقيق
وتوثيق؟
كلا.
ب- في (ص 111)
قال معالي الدكتور:
(وقد سئل صلى الله
عليه وسلم عن سنته؟
فقال: المعرفة رأس
مالي، والحب أساسي،
والشوق مركبي... )
إلخ.
ولا ندري من أين
جاء الدكتور بهذا
الحديث، فهو لم يذكر
له سنداً، ولم يعزه
إلى كتاب، ولا تجوز
النسبة إلى الرسول
صلى الله عليه وسلم
دون تثبت؛ لأن ما
يُـنْـسَب قد يكون
مكذوباً على رسول
الله صلى الله عليه
وسلم، فيدخل تحت قول
رسول الله صلى الله
عليه وسلم:
{ من كذب
عليَّ متعمداً؛
فليتبوأ مقعده من
النار }.
6- في الكتاب
مبالغات في حقه صلى
الله عليه وسلم قد
نهى عنها، حيث قال
عليه الصلاة والسلام:{ لا تُـطْروني كما
أطرت النصارى ابن
مريم، إنما أنا عبد،
فقولوا: عبد الله
ورسوله } رواه
البخاري وغيره.
ومن هذه
المبالغات:
أ- ما جاء في
(ص113):
(واجب على كل مؤمن
متى ذَكَره أو ذُكِر
عنده أن يخضع
ويخشع... إلخ ).
ونقول تعقيباً على
ذلك: أليس الخضوع
والعبادة حق لله؟!
وكذلك الخضوع إذا
كان القصد منه الخضوع
بالجسم؛ فهو لا يكون
إلا لله؛ لأنه سبحانه
هو الذي يُرْكَع له
ويُسْجَد، وإذا كان
المراد به الانقياد
لطاعته؛ فالتعبير
خطأ؛ لأنه موهم.
والمشروع عند ذكره
صلى الله عليه وسلم
هو الصلاة عليه، لا
ما ذكره معالي
الدكتور، وإن كان قد
نقله عن غيره؛ فهو قد
أقره.
ب- جاء في (ص208)
قوله:
(ومما تجدر
الإشارة إليه أنه صلى
الله عليه وسلم أول
الأنبياء خلقاً، وإن
كان آخرهم مبعثاً).
هكذا قال! ولم
يذكر له مستنداً ولا
دليلا ً!!
وهل هناك أحد من
بني آدم يخلق قبل خلق
أبيه وأمه بآلاف
السنين؟!
أليس نسل آدم كلهم
من ماء مهين و
((مَاءٍ دَافِقٍ *
يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ
الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ
))[الطارق:6-7].
كيف يُـخْـلَق محمد
صلى الله عليه وسلم
قبل الأنبياء، ثم
يُـخْـلَق مرة ثانية،
ويولد بعدما تزوج
أبوه بأمه، وحملت به
عن طريق انتقاله ماءً
دافقاً من صلب أبيه
إلى رحم أمه؛ كما هي
سنة الله في بني
آدم؟! هل خُـلِق
مرتين؟!
ويصر الدكتور على
هذه المقالة المنكرة،
حيث يقول في (ص211):
(ولقد أنكر بعض
المحْدَثين (يعني:
المعاصرين) من
الغيورين على الإسلام
أن يكون سيدنا محمد
صلى الله عليه وسلم
خُـلِق قبل آدم عليه
السلام... إلخ ).
ويرد على هذا
المنكر برد لا طائل
تحته.
ومعنى كلامه أن
أكثر المعاصرين
موافقون له على هذه
المقالة، أما
السابقون؛ فلم يستثني
منهم أحداً.
وهذا من التلبيس
والمجازفة؛ فإن هذا
القول لم يقل به أحدٌ
يُـعْـتَـدُّ به من
الأمة لا قديماً ولا
حديثاً.
وإذا كان محمد صلى
الله عليه وسلم
خُـلِق قبل آدم؛ فهو
إذن ليس من بني آدم.
وأيضاً؛ لماذا
تحتفلون بولادته وهو
مخلوق قبل آدم ؟!
هذا تناقض عجيب.
وليت الدكتور بدل
أن يقدم للقراء مثل
هذه المعلومات
الخاطئة قدم لهم
معلومات صحيحة تفيدهم
وتنفعهم من الحث على
الاقتداء بالرسول صلى
الله عليه وسلم،
واتِّباعه، وترك ما
نهى عنه وحذر من
البدع، فذلك خيرٌ
وأبقى.
هذا؛ وسيكون لي-
إن شاء الله- مع هذا
الكتاب جولة أخرى
لمناقشته، وليس لي
قصد من وراء ذلك إلا
بيان الحق والنصيحة.
والله يقول الحق، وهو يهدي
السبيل.
|