بسم الله الرحمن الرحيم
حقيقة محبّة النبي
صلى الله عليه وسلم
الحمد لله رب
العالمين، وأصلي
وأسلم على خير خلق
الله أجمعين، محمد
وعلى آله الطيبين
الطاهرين، وصحابته
الغر الميامين، ومن
تبعهم بإحسان إلى يوم
الدين.. أما بعد:
فإن محبَّة النبي صلى
الله عليه وسلم أصل
من أصول الإيمان، قال
صلى الله عليه وسلم:
{والذي نفسي بيده لا
يؤمن أحدكم حتى أكون
أحبّ إليه من والده
وولده}
، وقال صلى الله عليه وسلم:
{لا يؤمن أحدكم حتى
أكون أحبّ إليه من
ولده ووالده والناس
أجمعين}
.
قال ابن رجب رحمه
الله: (محبَّة النبي
صلى الله عليه وسلم
من أصول الإيمان، وهي
مقارنة لمحبة الله عز
وجل، وقد قرنها الله
بها، وتوعد من قدَّم
عليهما محبَّة شيء من
الأمور المحبَّبة
طبعًا من الأقارب
والأموال والأوطان
وغير ذلك، فقال
تعالى:
((قُلْ إِن كَانَ
ءابَاؤُكُمْ
وَأَبْنَاؤُكُمْ
وَإِخْوٰنُكُمْ
وَأَزْوٰجُكُمْ
وَعَشِيرَتُكُمْ
وَأَمْوٰلٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا
وَتِجَـٰرَةٌ
تَخْشَوْنَ
كَسَادَهَا
وَمَسَـٰكِنُ
تَرْضَوْنَهَا
أَحَبَّ إِلَيْكُمْ
مّنَ ٱللَّهِ
وَرَسُولِهِ
وَجِهَادٍ فِي
سَبِيلِهِ
فَتَرَبَّصُواْ
حَتَّىٰ يَأْتِىَ
ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ))[التوبة:24] .
ولما قال عمر للنبي
صلى الله عليه وسلم:
أنت أحبُّ إليَّ من
كلِّ شيء إلاَّ من
نفسي، قال:
{لا يا عمر، حتَّى
أكون أحبَّ إليك من
نفسك}
فقال عمر: والله
لأنت الآن أحبُّ
إليَّ من نفسي، قال:
{الآن يا عمر}
.
ولا تتم هذه المحبة
إلاَّ بالطاعة، قال
تعالى:
((قُلْ إِن كُنتُمْ
تُحِبُّونَ ٱللَّهَ
فَٱتَّبِعُونِى
يُحْبِبْكُمُ
ٱللَّهُ))
[آل عمران:31]،
وعلامة ذلك تقديم
محبة الرسول على محبة
كلِّ مخلوق، وذلك
فيما إذا تعارض طاعة
الرسول صلى الله عليه
وسلم في أوامره وداعٍ
آخر يدعو إلى غيرها
من هذه الأشياء
المحبوبة؛ فإن قدَّم
المرء طاعة الرسول
وامتثال أوامره على
ذلك الداعي كان
دليلاً على صحة
المحبة.
وإنّما تنشأ هذه
المحبَّة عن معرفة
النبي صلى الله عليه
وسلم ومعرفة كماله
وأوصافه وعظم ما جاء
به، ولا سبيل إلى
المحبَّة إلاّ
بالطاعة، ولا سبيل
إلى طاعته إلا
بالمتابعة.
ومحبة الرسول صلى
الله عليه وسلم كما
يقول ابن رجب على
درجتين:
إحداهما فرض: وهي ما
اقتضى طاعته في
امتثال ما أمر به من
الواجبات، والانتهاء
عمّا نهى عنه من
المحرمات، وتصديقه
فيما أخبر به من
المخبرات والرضى
بذلك، وأن لا يجد في
نفسه حرجًا ممّا جاء
به، ويسلم له
تسليمًا، وأن لا
يتلقى الهُدى عن غير
مشكاته، ولا يطلب
شيئًا من الخير إلاَّ
مما جاء به.
والدرجة الثانية فعلٌ
مندوب إليه: وهي ما
ارتقى بعد ذلك إلى
اتباع سنته وآدابه
وأخلاقه، والاقتداء
به في هديه وسمته
وحسن معاشرته لأهله
وإخوانه، وفي التخلق
بأخلاقه الظاهرة؛ في
الزهد في الدنيا
والرغبة في الآخرة،
وفي جوده وإيثاره،
وصفحه وحلمه،
واحتماله وتواضعه،
وفي أخلاقه الباطنة؛
من كمال خشيته لله
ومحبته له، وشوقه إلى
لقائه ورضاه بقضائه،
وتعلق قلبه به
دائمًا، وصدق
الالتجاء إليه،
والتوكل والاعتماد
عليه، وقطع تعلق
القلب بالأسباب
كلِّها، ودوام لهج
القلب واللسان بذكره،
والأنس به، والتنعم
بالخلوة ومناجاته
ودعائه، وتلاوة كتابه
بالتدبر والتفكر.
وكان أبو بكر رضي
الله عنه أكمل الخلق
في المتابعة للنبي
صلى الله عليه وسلم،
فكان أكمل الخلق
محبَّة للنبي صلى
الله عليه وسلم، ولم
يكن هو رضي الله عنه
ولا غيره من الصحابة
-وهم أكمل الناس حبًا
للنبي صلى الله عليه
وسلم- يقيمون
احتفالاً بيوم مولده
صلى الله عليه وسلم،
ولا رأوا أن ذلك
دليلاً على حبهِ.
فليس الحب دعوى
باللسان، وإلَّا
لادَّعاه كلُّ أحد،
قال الحسن البصري:
قال قوم على عهد
النبي صلى الله عليه
وسلم: يا محمد إنّا
نحبُّ ربنا، فأنزل
الله عز وجل:
((قُلْ إِن كُنتُمْ
تُحِبُّونَ ٱللَّهَ
فَٱتَّبِعُونِى
يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ
ذُنُوبَكُمْ))
[آل عمران:31]، فجعل
اتباع نبيه محمد صلى
الله عليه وسلم
عَلَمًا لحبه، وعذاب
من خالفه).
وقد جاء في تفسير هذه
الآية أنّها نزلت في
وفد بني نجران من
النصارى، وأنه أمرٌ
من الله لنبيِّه
محمدٍ صلى الله عليه
وسلم أن يقول لوفد
نجران الذين قدموا
عليه من النصارى: إن
كان الذي تقولونه في
عيسى من عظيم القول
إنما تقولونه تعظيمًا
لله وحبًا له فاتبعوا
محمداً صلى الله عليه
وسلم؛ لأن ذلك عهد
عيسى عليه السلام
إليكم.
وصلى الله وسلم على
رسول الله وعلى آله
وصحبه أجمعين؛؛
|