بسم الله الرحمن
الرحيم
الموقف الشرعي من
الاحتفال بالمولد
الحمد لله، والصلاة
والسلام على رسول
الله، وعلى آله وصحبه
ومن والاه، أما بعد:
فقد اتفق العلماء من
السلف الصالح -رحمهم
الله- على أن
الاحتفال بالمولد
النبوي وغيره من
المواسم غير الشرعية،
أمر محدث مبتدع في
الدين، ولم يؤثر ذلك
عن النبي صلى الله
عليه وسلم، ولا عن
أصحابه، ولا عن
التابعين وتابعيهم،
ولا علماء الأمة
المشهورين ؛ كالأئمة
الأربعة ونحوهم.
وسنذكر فيما يلي بعض
أقوال السلف الصالح
في هذا الشأن، ملحقين
بها أقوال بعض
المتأخرين من علماء
الأمة:
*قال شيخ الإسلام ابن
تيمية:
(وأما اتخاذ
موسم غير المواسم
الشرعية كبعض ليالي
شهر ربيع الأول، التي
يقال إنها المولد، أو
بعض ليالي رجب، أو
ثامن عشر ذي الحجة،
أو أول جمعة من رجب،
أو ثامن شوال الذي
يسميه الجهال عيد
الأبرار، فإنها من
البدع التي لم
يستحبها السلف، ولم
يفعلوها، والله
سبحانه وتعالى أعلم)
اهـ.
* وقال �أيضاً- في
اقتضاء الصراط
المستقيم: (فصل. ومن
المنكرات في هذا
الباب: سائر الأعياد
والمواسم المبتدعة،
فإنها من المنكرات
المكروهات سواء بلغت
الكراهة التحريم، أو
لم تبلغه؛ وذلك أن
أعياد أهل الكتاب
والأعاجم نهي عنها؛
لسببين:
أحدهما: أن فيها
مشابهة الكفار.
والثاني: أنها من
البدع. فما أحدث من
المواسم و الأعياد هو
منكر، وإن لم يكن
فيها مشابهة لأهل
الكتاب؛ لوجهين:
أحدهما: أن ذلك داخل
في مسمى البدع
والمحدثات، فيدخل
فيما رواه مسلم في
صحيحه عن جابر -رضي
الله عنهما- قال: {كان
رسول الله صلى الله
عليه وسلم إذ خطب
احمرت عيناه، وعلا
صوته، واشتد غضبه،
حتى كأنه منذر جيش
يقول: صبحكم ومساكم،
ويقول: بُعثت أنا
والساعة كهاتين
-ويقرن بين أصبعيه:
السبابة والوسطى-
ويقول: أما بعد، فإن
خير الحديث كتاب
الله، وخير الهدي هدي
محمد، وشر الأمور
محدثاتها، وكل بدعة
ضلالة} وفي
رواية للنسائي: {وكل
بدعة ضلالة في النار}.
وفيما رواه مسلم
-أيضاً- في الصحيح عن
عائشة رضي الله عنها
عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال: {من
عمل عملاً ليس عليه
أمرنا فهو رد}.
وفي لفظ في الصحيحين:
{من
أحدث في أمرنا هذا ما
ليس منه فهو رد}.
وفي الحديث الصحيح
الذي رواه أهل السنن
عن العرباض بن سارية
عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال: {إنه
من يعش منكم فسير
اختلافاً كثيراً؛
فعليكم بسنتي وسنة
الخلفاء الراشدين
المهديين،تمسكوا بها،
وعضُّو عليها
بالنواجذ، وإياكم
ومحدثات الأمور، فإن
كل محدثة بدعة، وكل
بدعة ضلالة}.
وهذه قاعدة قد دلت
عليها السنة
والإجماع، مع ما في
كتاب الله من الدلالة
عليها أيضاً. قال
الله تعالى: ((أَمْ
لَهُمْ شُرَكَاءُ
شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ
الدِّينِ مَا لَمْ
يَأْذَنْ بِهِ
اللَّهُ...))[الشورى:21].
فمن ندب إلى شيء
يتقرب به إلى الله أو
أوجبه بقوله أو بفعله
من غير أن يشرعه
الله؛ فقد شرع من
الدين ما لم يأذن به
الله، ومن اتبعه في
ذلك؛ فقد اتخذ شريكاً
لله، شرع من الدين ما
لم يأذن به الله...
إلى أن قال: والكلام
في ذم البدع لما كان
مقرراً في غير هذا
الموضوع لم نطل النفس
في تقريره،بل نذكر
بعض أعيان هذه
المواسم:
فصل: قد تقدم أن
العيد يكون اسماً
لنفس المكان، ولنفس
الزمان، ولنفس
الاجتماع، وهذه
الثلاثة قد أحدث منها
أشياء:
أما الزمان فثلاثة
أنواع، ويدخل فيها
بعض أعياد المكان
والأفعال:
�
أحدها: يوم لم تعظمه
الشريعة الإسلامية
أصلاً، ولم يكن له
ذكر في السلف ولا جرى
فيه ما يوجب تعظيمه،
مثل: أول خميس من
رجب، وليلة تلك
الجمعة التي تسمى
الرغائب.
�
النوع الثاني: ما
جرى فيه حادثة كما
كان يجري في غيره،من
غير أن يوجب ذلك جعله
موسماً، ولا كان
السلف يعظمونه: كثامن
عشر ذي الحجة الذي
خطب النبي صلى الله
عليه وسلم فيه بغدير
خم، بعد رجوعه من حجة
الوداع..... وكذلك ما
يحدثه بعض الناس -إما
مضاهاة للنصارى في
ميلاد عيسى عليه
السلام،وإما محبة
للنبي صلى الله عليه
وسلم، والله قد
يثيبهم على هذه
المحبة والاجتهاد لا
على البدع -من اتخاذ
مولد النبي صلى الله
عليه وسلم عيداً مع
اختلاف الناس في
مولده، فإن هذا لم
يفعله السلف مع قيام
المقتضي له، وعدم
المانع فيه لو كان
خيراً، ولو كان خيراً
محضاً أو راجحاً لكان
السلف -رضي الله
عنهم- أحق به
منا،فإنهم كانوا أشد
محبة لرسول الله صلى
الله عليه وسلم
وتعظيماً له منا، وهم
على الخير أحرص،وإنما
كمال محبته وتعظيمه
في متابعته، وطاعته
واتباع أمره، وإحياء
سنته باطناً وظاهراً،
ونشر ما بعث به،
والجهاد على ذلك
بالقلب واليد
واللسان، فإن هذه
طريقة السابقين
الأولين من المهاجرين
والأنصار،والذين
اتبعوهم بإحسان،وأكثر
هؤلاء الذين تجدهم
حرَّاصاً على أمثال
هذه البدع-مع ما لهم
فيها من حُسن القصد
والاجتهاد الذي يرجى
لهم بهما المثوبة-
تجدهم فاترين في أمر
الرسول صلى الله عليه
وسلم عما أُمروا
بالنشاط فيه، وإنما
هم بمنزلة من يزخرف
المسجد ولا يصلي فيه،
أو يصلي فيه
قليلاً،وبمنزلة من
يتخذ المسابيح
والسجادات المزخرفة،
وأمثال هذه الزخارف
الظاهرة التي لم
تُشرع،ويصحبها من
الرياء
والكِبْر،والاشتغال
عن المشروع ما يفسد
حال صاحبها)) ا.هـ.
�
وقال الشاطبي في
(الاعتصام) بعد أن
عرف البدعة بأنها:
طريقة في الدين
مخترعة تضاهي الشرعية
يقصد بالسلوك عليها
المبالغة في التعبد
لله سبحانه، وقوله في
الحد: [تضاهي
الشرعية]، يعني:
أنها: تشابه الطريقة
الشرعية، من غير أن
تكون في الحقيقة
كذلك، بل هي مضادة
لها من أوجه متعددة،
منها: وضع الحدود
كالناذر للصيام
قائماً لا يقعد، ضاحياً لا يستظلّ،
والاختصاص في
الانقطاع للعبادة،
والاقتصاد من المأكل
والملبس على صنف من
غير علَّة.
ومنها: التزام
الكيفيات والهيئات
المعينة، كالذكر
بهيئة الاجتماع على
صوت واحد، واتخاذ يوم
ولادة النبي صلى الله
عليه وسلم عيداً، وما
أشبه ذلك... إلخ)
اهـ.
�
وقال ابن الحاج في
(المدخل): (فصل في
المولد: ومن جملة ما
أحدثوه من البدع، مع
اعتقادهم أن ذلك من
أكبر العبادات وأظهر
الشعائر، ما يفعلونه
في شهر ربيع الأول من
المولد، وقد احتوى
على بدع ومحرمات
جملة.
فمن ذلك: استعمالهم
المغاني، ومعهم آلات
الطرب من الطار
المصرصر والشبابة
وغير ذلك، مما جعلوه
آلة السماع...، فانظر
� رحمنا الله وإياك �
إلى مخالفة السنة
المطهرة ما أشنعها
وأقبحها، وكيف تجر
إلى المحرمات، ألا
ترى أنهم لما خالفوا
السنة المطرة، وفعلوا
المولد، لم يقتصروا
على فعله، بل زادوا
عليه ما تقدم ذكره من
الأباطيل المتعددة،
فالسعيد السعيد من
شدَّ يده على امتثال
الكتاب والسنة
والطريق الموصلة إلى
ذلك، وهي اتباع السلف
الماضين -رضوان الله
عليهم أجمعين- لأنهم
أعلم بالسنة منَّا،
إذ هم أعرف بالمقال،
وأفقه بالحال...)
اهـ.
�
وقال الشيخ تاج الدين
عمر بن علي اللخمي
المشهور بالفاكهاني
-بعد حمد الله
والثناء عليه بما هو
أهل له، والصلاة
والسلام على نبينا
محمد، عبد الله
ورسوله وآله وصحبه
أجمعين: (أما بعد،
فإنه تكرر سؤال جماعة
من المباركين عن
الاجتماع الذي يعمله
بعض الناس في شهر
ربيع الأول ويسمونه
المولد، هل له أصل في
الشرع؟ أو هو بدعة
وحدث في الدين؟
وقصدوا الجواب عن ذلك
مبيناً، والإيضاح عنه
معيناً، فقلت وبالله
التوفيق:
لا أعلم لهذا المولد
أصلاً في الكتاب ولا
السنة، ولا ينقل عمله
عن أحد من علماء
الأمة، الذين هم
القدوة في الدين،
المتمسكون بآثار
المتقدمين، بل هو
بدعة أحدثها
البطالون، وشهوة نفس
اعتنى بها
الأكَّالُون، بدليل
أنا إذا أدرنا عليه
الأحكام الخمسة قلنا:
إما أن يكون واجباً،
أو مندوباً، مباحاً،
أو مكروهاً، أو
محرماً، وليس بواجب
إجماعاً، ولا مندوباً
؛ لأنَّ حقيقة
المندوب ما طلبه
الشرع من غير ذم على
تركه، وهذا لم يأذن
فيه الشرع، ولا فعله
الصحابة ولا التابعون
ولا العلماء
المتدينون فيما علمت،
وهذا جوابي عنه بين
يدي الله تعالى إن
عنه سئلت، ولا جائز
أن يكون مباحاً؛ لأن
الابتداع في الدين
ليس مباحاً بإجماع
المسلمين، فلم يبق
إلا أن يكون مكروهاً
أو حراماً، وحينئذٍ
يكون الكلام فيه في
فصلين والتفرقة بين
حالين:
* أحدهما: أن يعمله
رجل من عين ماله
لأهله وأصحابه
وعياله،لا يجاوزون في
ذلك الاجتماع على أكل
الطعام،ولا يقترفون
شيئاً من الآثام،وهذا
الذي وصفناه بأنه
بدعة مكروهة وشناعة ؛
إذا لم يفعله أحد من
متقدمي أهل الطاعة،
الذي هم فقهاء
الإسلام، وعلماء
الأنام، سُرُج
الأزمنة، وزين
الأمكنة.
* والثاني: أن تدخله
الجناية، وتقوى به
العناية، حتى يعطي
أحدهم الشيء ونفسه
تتبعه، وقلبه يؤلمه
ويوجعه، لما يجد من
ألم الحيف، وقد قال
العلماء: أخذ المال
بالحياء كأخذ بالسيف.
لاسيما إذا انضاف إلى
ذلك شيء من الغناء،
مع البطون الملأى،
بآلات الباطل من
الدفوف والشبابات،
واجتماع الرجال مع
الشباب المرد،
والنساء الفاتنات،
إما مختلطات بهم أو
مشرفات، والرقص
بالتثني والانعطاف،
والاستغراق في اللهو
ونسيان يوم المخالف،
وكذلك النساء إذا
اجتمعن على
انفرادهنَّ رافعات
أصواتهن بالتهليل
والتطريب في الإنشاد،
والخروج في التلاوة
والذكر عن المشروع
والأمر المعتاد،
غافلات عن قوله
تعالى: ((إِنَّ
رَبَّكَ
لَبِالْمِرْصَادِ))
[الفجر:14].
وهذا الذي لا يختلف
في تحريمه اثنان، ولا
يستحسنه ذوو المروءة
الفتيان، وإنما يحلو
ذلك لنفوس موتى
القلوب، وغير
المستقلين من الآثام
والذنوب، وأزيدك أنهم
يرونه من العبادات،
لا من الأمور
المنكرات المحرمات،
فإنَّا لله وإنا إليه
راجعون. {بدأ
الإسلام غريباً
وسيعود كما بدأ...}.
هذا مع أن الشهر الذي
ولِدَ فيه صلى الله
عليه وسلم- وهو ربيع
الأول- هو بعينه
الشهر الذي تُوفي
فيه، فليس الفرح فيه
بأولى من الحزن
فيه،وهذا ما علينا أن
نقول ومن الله تعالى
نرجو حُسن القبول)
ا.هـ.
�
وقال محمد عبد
السلام خضر الشقيري
في كتابه (السنن
والمبتدعات): (في شهر
ربيع الأول وبدعة
المولد فيه: لا يختص
هذا الشهر بصلاة ولا
ذكر ولا عبادة ولا
نفقة ولا صدقة، ولا
هو موسم من مواسم
الإسلام كالجمع
والأعياد التي رسمها
لنا الشارع � صلوات
الله وتسليماته عليه،
وعلى سائر إخوانه من
الأنبياء والمرسلين
-، ففي هذا الشهر
ولِد صلى الله عليه
وسلم، وفيه تُوفي،
فلماذا يفرحون
بميلاده ولا يحزنون
لوفاته؟! فاتخاذ
مولده موسماً،
والاحتفال به بدعة
منكرة، وضلالة لم يرد
بها شرع ولا عقل، ولو
كان في هذا خير فكيف
يغفل عنه أبو بكر
وعمر وعثمان وعلي �
رضوان الله عليهم -،
وسائر الصحابة
والتابعين وتابعيهم،
والأئمة وأتباعهم؟
لا شك أن ما أحدثه
المتصوفون الأكَّالون
البطَّالُون أصحاب
البدع، وتبع الناس
بعضهم بعضاً فيه إلا
من عصمه الله، ووفقه
لفهم حقائق الإسلام،
ثم أي فائدة تعود،
وأي ثواب في هذه
الأمور الباهظة، التي
تعلق بها هذه
التعاليق، وتنصب بها
هذه السرادقات، وتضرب
بها الصواريخ؟ وأي
رضا لله في اجتماع
الرقاصين والرقاصات
والطبالين
والزمَّارين، واللصوص
والنشالين، والحاوي
والقرادتي، وأي خير
في اجتماع ذوي
العمائم الحمراء
والخضراء والصفراء
والسوداء، أهل
الإلحاد في أسماء
الله، والشخير
والنخير والصفير
بالغابة، والدقّ
بالبازات والكاسات،
والشهيق والنعيق [بأح
أح يا ابن المرة، أم
أم، أن أن، سابينها
يا رسول الله، يا
صاحب الفرح المدا آد
يا عم يا عم اللّع
اللْع] كالقرود، ما
فائدة هذا كله؟!
فائدته سخرية الإفرنج
بنا وبديننا، وأخذ
صور هذه الجماعات
لأهل أوروبا،فيفهمون
أن محمداً صلى الله
عليه وسلم � حاشاه
حاشاه � كان كذلك هو
وأصحابه، فإنا للهِ
وإنا إليه راجعون.
ثم هو خراب ودمار،
فوق ما فيه الناس من
فقر وجوع وجهل
وأمراض، فلماذا لا
ننفق هذه الأموال
الطائلة في تأسيس
مصانع يعمل فيها
الألوف من
العاطلين؟أو لماذا لا
ننفق هذه النفقات
الباهظة في إيجاد
آلات حربية نقاوم بها
أعداء الإسلام
والأوطان؟ وكيف سكت
العلماء على هذا
البلاء والشر، بل
وأقروه؟ ولماذا سكتت
الحكومة الإسلامية
على هذه المخازي وهذه
النفقات التي ترفع
البلاد إلى أعلى
عليين؟ فإما أن
يزيلوا هذا المنكر
وإما وصمتهم
بالجهالة) اهـ.
�
وقال الشيخ محمد بن
إبراهيم آل الشيخ
في
جواب على سؤال عن حكم
الاحتفال بمولد النبي
صلى الله عليه وسلم،
وهل فعله أحد من
أصحابه أو التابعين
وغيرهم من السلف
الصالح:
(لا شك أن الاحتفال
بمولد النبي صلى الله
عليه وسلم من البدع
المحدثة في الدين،
بعد أن انتشر الجهل
في العالم الإسلامي،
وصار للتضليل
والإضلال، والوهم
والإيهام مجال عميت
فيه البصائر، وقوي
فيه سلطان التقليد
الأعمى، وأصبح الناس
في الغالب لا يرجعون
إلى ما قام الدليل
على مشروعيته، وإنما
يرجعون إلى ما قاله
فلان وارتضاه علان،
فلم يكن لهذه البدعة
المنكرة أثر يذكر لدى
أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم، ولا
لدى التابعين،
وتابعيهم، وقد قال
صلى الله عليه وسلم:
{عليكم
بسنتي وسنة الخلفاء
الراشدين المهديين،
تمسكوا بها، وعضُّو
عليها بالنواجذ،
وإياكم ومحدثات
الأمور، فإن كل محدثة
بدعة، وكل بدعة ضلالة}.
وقال عليه السلام
أيضاً: {من
أحدث في أمرنا هذا ما
ليس منه فهو رد}.
وفي رواية: {من
عمل عملاً ليس عليه
أمرنا فهو رد}.
وإذا كان مقصدهم من
الاحتفال بالمولد
النبوي تعظيم رسول
الله صلى الله عليه
وسلم، وإحياء ذكره،
فلا شك أن تعزيره
وتوقيره يحصل بغير
هذه الموالد المنكرة،
وما يصاحبها من مفاسد
وفواحش ومنكرات، قال
الله تعالى: ((وَرَفَعْنَا
لَكَ ذِكْرَكَ))
[الشرح:4] فذكره
مرفوع في الأذان
والإقامة، والخطب
والصلوات، وفي التشهد
والصلاة عليه في
الدعاء وعند ذكره،
فلقد صح عنه صلى الله
عليه وسلم أنه قال: {البخيل
من ذُكرت عنده فلم
يصل عليَّ}.
وتعظيمه يحصل بطاعته
فيما أمر، وتصديقه
فيما أخبر، واجتناب
ما نهى عنه وزجر،
وألاَّ يُعبد الله
إلا بما شرع.
فهو أجل من أن تكون
ذكراه سنوية فقط، ولو
كانت هذه الاحتفالات
خيراً محضاً، أو
راجحاً؛ لكان السلف
الصالح -رضي الله
عنهم- أحق بها منا،
فإنهم كانوا أشدّ منا
محبة وتعظيماً لرسول
الله صلى الله عليه
وسلم، وهم على الخير
أحرص، ولكن قد لا
يتجاوز أمر أصحاب هذه
الموالد ما ذكره بعض
أهل العلم: من أن
الناس إذا اعترتهم
عوامل الضعف والتخاذل
والوهن، راحوا يعظمون
أئمتهم بالاحتفالات
الدورية، دون ترسم
مسالكهم
المستقيمة؛لأن
تعظيمهم هذا لا مشقة
على فيه النفس
الضعيفة، ولا شك أن
التعظيم الحقيقي هو
طاعة المعظم، والنصح
له، والقيام بالأعمال
التي يقوم بها أمره،
ويعتز بها دينه إن
كان رسولاً، وملكه إن
كان ملكاً.
وقد كان السلف الصالح
أشد ممن بعدهم
تعظيماً للنبي صلى
الله عليه وسلم، ثم
للخلفاء الراشدين من
بعده، وناهيك ببذل
أموالهم وأنفسهم في
هذا السبيل،إلا أن
تعظيمهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم
وخلفاءه الراشدين، لم
يكن كتعظيم أهل هذه
القرون المتأخرة، ممن
ضاعت منهم طريقة
السلف الصالح في
الاهتداء
والاقتداء،وسلكوا
طريق الغواية والضلال
في مظاهر التعظيم
الأجوف،ولا ريب أن
الرسول صلى الله عليه
وسلم أحقّ الخلق بكل
تعظيم يناسبهم، إلاَّ
أنه ليس من تعظيمه أن
نبتدع في دينه بزيادة
أو نقص،أو تبديل أو
تغيير لأجل تعظيمه
به، كما أنه ليس من
تعظيمه- عليه الصلاة
والسلام - أن نصرف له
شيئاً مما لا يصلح
لغير الله من أنواع
التعظيم والعبادة...
والخلاصة:
أن الاحتفال بالمولد
من البدع المنكرة،
وقد كتبنا فيها رسالة
مستقلَّة فيها مزيد
تفصيل...والله ولي
التوفيق) اهـ.
فمن خلال هذه
الشواهد من آثار
السلف الصالح، ومن
على نهجهم، يتبين لنا
أنهم اتفقوا على أن
الاحتفال بالمولد
النبوي بدعة محدثة،
لم تؤثر على الرسول
صلى الله عليه وسلم،
ولا عن أحد من
أصحابه- رضوان الله
عليهم -، ولا عن
التابعين وتابعيهم
ومن تبعهم من الأئمة
الأعلام من سلفنا
الصالح- رحمة الله
عليهم.
والبدعة مهما عمل
الناس بها، ومهما
مرَّت عليها الأزمنة
والعصور، ومهما عمل
بها أو رضي بها من
يدَّعي العلم، لا
يمكن أن تكون في يوم
من الأيام سنَّة يؤجر
على فعلها.
والذين يحتفلون بهذه
الموالد قد آثروا
أقوال علماء الغواية
والجهالة على كتاب
الله وسنة رسوله صلى
الله عليه وسلم، وإن
استشهدوا بهما فهم
يؤولون معانيهما على
ما يوافق شهواتهم
وهوى أنفسهم، ويدلُّ
على ذلك تعصبهم
لأقوال مشايخهم الذي
ضلُّوا وأضلُّوا،ولو
كانوا يبحثون عن
الحق،لسألوا أهل
العلم واستفسروا
منهم، وفحصوا الأدلة
والبراهين، وإذا اتضح
لهم الطريق المستقيم
اتبعوه، ولكن
المكابرة سلاح الجاهل
يطعن به نفسه.
وصدق الله العظيم
القائل في محكم
كتابه: ((وَيَقُولُونَ
آمَنَّا بِاللَّهِ
وَبِالرَّسُولِ
وَأَطَعْنَا ثُمَّ
يَتَوَلَّى فَرِيقٌ
مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ
ذَلِكَ وَمَا
أُوْلَئِكَ
بِالْمُؤْمِنِينَ *
وَإِذَا دُعُوا إِلَى
اللَّهِ وَرَسُولِهِ
لِيَحْكُمَ
بَيْنَهُمْ إِذَا
فَرِيقٌ مِنْهُمْ
مُعْرِضُونَ * وَإِنْ
يَكُنْ لَهُمُ
الْحَقُّ يَأْتُوا
إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ
* أَفِي قُلُوبِهِمْ
مَرَضٌ أَمِ
ارْتَابُوا أَمْ
يَخَافُونَ أَنْ
يَحِيفَ اللَّهُ
عَلَيْهِمْ
وَرَسُولُهُ بَلْ
أُوْلَئِكَ هُمُ
الظَّالِمُونَ *
إِنَّمَا كَانَ
قَوْلَ
الْمُؤْمِنِينَ إِذَا
دُعُوا إِلَى اللَّهِ
وَرَسُولِهِ
لِيَحْكُمَ
بَيْنَهُمْ أَنْ
يَقُولُوا سَمِعْنَا
وَأَطَعْنَا
وَأُوْلَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ *
وَمَنْ يُطِعْ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ
وَيَخْشَ اللَّهَ
وَيَتَّقْهِ
فَأُوْلَئِكَ هُمُ
الْفَائِزُونَ))[النور:47-52].
والقائل سبحانه
وتعالى: ((أَلَمْ
تَرَ إِلَى الَّذِينَ
يَزْعُمُونَ
أَنَّهُمْ آمَنُوا
بِمَا أُنزِلَ
إِلَيْكَ وَمَا
أُنزِلَ مِنْ
قَبْلِكَ يُرِيدُونَ
أَنْ يَتَحَاكَمُوا
إِلَى الطَّاغُوتِ
وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ
يَكْفُرُوا بِهِ
وَيُرِيدُ
الشَّيْطَانُ أَنْ
يُضِلَّهُمْ ضَلالًا
بَعِيدًا * وَإِذَا
قِيلَ لَهُمْ
تَعَالَوْا إِلَى مَا
أَنزَلَ اللَّهُ
وَإِلَى الرَّسُولِ
رَأَيْتَ
الْمُنَافِقِينَ
يَصُدُّونَ عَنْكَ
صُدُودًا * فَكَيْفَ
إِذَا أَصَابَتْهُمْ
مُصِيبَةٌ بِمَا
قَدَّمَتْ
أَيْدِيهِمْ ثُمَّ
جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ
بِاللَّهِ إِنْ
أَرَدْنَا إِلَّا
إِحْسَانًا
وَتَوْفِيقًا *
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ
يَعْلَمُ اللَّهُ مَا
فِي قُلُوبِهِمْ
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ
وَعِظْهُمْ وَقُلْ
لَهُمْ فِي
أَنفُسِهِمْ قَوْلًا
بَلِيغًا * وَمَا
أَرْسَلْنَا مِنْ
رَسُولٍ إِلَّا
لِيُطَاعَ بِإِذْنِ
اللَّهِ وَلَوْ
أَنَّهُمْ إِذْ
ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ
جَاءُوكَ
فَاسْتَغْفَرُوا
اللَّهَ
وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ
الرَّسُولُ
لَوَجَدُوا اللَّهَ
تَوَّابًا رَحِيمًا *
فَلا وَرَبِّكَ لا
يُؤْمِنُونَ حَتَّى
يُحَكِّمُوكَ فِيمَا
شَجَرَ بَيْنَهُمْ
ثُمَّ لا يَجِدُوا
فِي أَنفُسِهِمْ
حَرَجًا مِمَّا
قَضَيْتَ
وَيُسَلِّمُوا
تَسْلِيمًا))[النساء:60-65].
والقائل �أيضاً- في
محكم كتابه: ((وَمَنْ
يُشَاقِقِ الرَّسُولَ
مِنْ بَعْدِ مَا
تَبَيَّنَ لَهُ
الْهُدَى وَيَتَّبِعْ
غَيْرَ سَبِيلِ
الْمُؤْمِنِينَ
نُوَلِّهِ مَا
تَوَلَّى وَنُصْلِهِ
جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ
مَصِيرًا))[النساء:115].
وهل قام الذين
يحتفلون بالموالد بكل
تعاليم الإسلام
كبيرها وصغيرها من
الأركان والفروض
والواجبات والسنن،حتى
يبحثوا عن بدعة حسنة
-كما يزعمون- رغبة في
زيادة الأجر والثواب
من الله؟! الله
أكبر!!!
نسأل الله للجميع
الهداية والتوفيق إلى
صراطه المستقيم، وأن
يرينا الحق حقاً
ويرزقنا اتباعه،
والباطل باطلاً
ويرزقنا اجتنابه، إنه
ولي ذلك والقادر
عليه، والله أعلم.
اقتبس
هذا المقال من بحث
بعنوان: (بدعة
الاحتفال بالمولد
النبوي)، من كتاب
البدع الحولية، للشيخ
عبد الله بن عبد
العزيز بن أحمد
التويجري.
* * * * *
|