هل يجوز التشاؤم والطيرة؟

هل يجوز التشاؤم والطيرة؟






الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ يستدل المبتدعة على جواز التشاؤم والطيرة بالنصوص والآثار التي قد يُفهم منها تقرير التشاؤم؛ ومن تلك النصوص قول النبي صلى الله عليه وسلم: »إنما الشؤم في ثلاثة: في الفرس والمرأة والدار«([1]).

الرد:

أولًا: أصل الحديث حكاية لقول اليهود أو المشركين وبيان مذهبهم الباطل في ذلك، ولكن قد رُوي الحديث بدون ما يدل على الحكاية، ودليل ذلك ما رواه قتادة عن أبي حسان قال: دخل رجلان من بني عامر على عائشة ـ رضي الله عنها ـ فأخبراها أن أبا هريرة رضي الله عنه يُحدِّث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: »الطيرة في الدار والمرأة والفرس«؛ فغضبت، فطارت شقة منها في السماء وشقة في الأرض، وقالت: والذي نزَّل الفرقان على محمد؛ ما قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم قط، إنما قال: »كان أهل الجاهلية يتطيرون من ذلك«([2]).

وفي رواية قالت: ولكن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: »كان أهل الجاهلية يقولون: الطيرة في المرأة والدار والدابة«، ثم قرأت عائشة ـ رضي الله عنها ـ: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد: 22] ([3])؛ فبناءً على قول عائشة ـ رضي الله عنها ـ، فالحديث ليس فيه تقرير للطيرة، بل هو متضمن للنهي والتحذير من ذلك، إذ أن نسبة العمل لأهل الكفر والجاهلية دالٌّ على النهي.

ثانيًا:قال الإمام ابن جرير الطبري: »وأما قوله صلى الله عليه وسلم : »إن كان الشؤم في شيء ففي الدار والمرأة والفرس«، فإنه لم يُثْبِتْ بذلك صحة الطيرة، بل إنما أخبر صلى الله عليه وسلم أن ذلك إن كان في شيء ففي هذه الثلاث، وذلك إلى النفي أقرب منه إلى الإيجاب، لأن قول القائل: إن كان في هذه الدار أحد فزَيْد، غير إثبات منه أن فيها زيدًا، بل ذلك من النفي أن يكون فيها زيد أقرب منه إلى الإثبات أن فيها زيدًا«([4]).

رابعًا: أن التطيُّر واقع على من تطيَّر، استدلالًا بحديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: »لا طيرة، والطيرة على من تطيَّر... « ([5])، فقالوا: الشؤم بهذه الأشياء إنما يلحق من تشاءم بها وتطير بها، فيكون شؤمها عليه، ومن توكل على الله ولم يتشاءم بها ولم يتطير لم تكن مشئومة عليه؛ فقد يجعل الله تعالى تطيُّر العبد وتشاؤمه سببًا لحلول المكروه به، كما يجعل الثقة والتوكل عليه وإفراده بالخوف والرجاء من أعظم الأسباب التي يدفع بها الشر المتطير به([6]).


الهوامش

 ([1])رواه البخاري،كتاب الطب،باب لا عدوى،(5772)، ومسلم، كتاب السلام، باب الطيرة والفأل وما يكون فيه الشؤم،(2225).

([2])رواه أحمد في مسنده،(240)، والطحاوي في مشكل الآثار،(1/341).

([3])رواه أحمد في مسنده،(6/246)، والحاكم في المستدرك،(2/521)، وصححه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة،(2/594).

([4])تهذيب الآثار، الطبري،(3/34).

([5])تقدم تخريجه ص 743، الحاشية 1

([6])مفتاح دار السعادة 2/256.

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
هل يجوز التشاؤم والطيرة؟.doc doc
هل يجوز التشاؤم والطيرة؟.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى