دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان

دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان





الكاتب: محمد بن عبد الله المقدي

إن الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ فقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يوصى أمَّ المؤمنين عائشةَ إذا أدركت ليلةَ القدرِ أن تكثر من قول (اللهمَّ إنك عفوٌّ كريمٌ تحبُّ العفوَ فاعفُ عني)([1]).

ولقد خاطبَ اللهُ سبحانه وتعالى رسولَه صلى الله عليه وسلم في سورةِ البقرةِ بعد آيات شهرِ رمضانَ مباشرةً، بقوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة : 186].

يقول سيدُ قطب رحمه الله في تعليقه على الآية في الظلال: (فإنِّي قريبٌ؛ أجيبُ دعوةَ الداعِ إذا دعانِ أيَّةُ رقةٍ؟ وأيُّ انعطافٍ؟ وأيةُ شفافية؟ وأيُّ إيناس؟ وأين تقعُ مشقةُ الصومِ ومشقةُ أيُّ تكليفٍ في ظلِّ هذا الودِّ، وظلِّ هذا القرب، وظلِّ هذا الإيناس؟

وإضافةُ العبادِ إليهِ، والردُّ المباشرُ عليهم منه؛ لم يقل: فقلْ لهم: إنِّي قريبٌ؛ إنما تولَّى بذاتِه العليةِ الجوابَ على عبادِه بمجردِ السؤالِ، قريبٌ، ولم يقل أسمعُ الدعاءَ، إنما عجَّل بإجابةِ الدعاء.

إنها آيةٌ عجيبةٌ، آيةٌ تسكبُ في قلبِ المؤمنِ النداوةَ الحلوةَ، والودَّ المؤنسَ، والرضى المطمئنَ، والثقةَ واليقينَ، ويعيشُ منها المؤمنُ في جنابٍ رضيٍّ، وقربى نديةٍ، وملاذٍ أمينٍ وقرارٍ مكينٍ)([2]).

فإن لم يكنْ رمضانُ شهرُ الدعاءِ، فأيُّ شهر يكون؟!

دعاءُ ليلةِ القدر.

دعاءٌ في العشر الأواخر.

دعاءٌ قبيلَ الإفطار.

دعاءٌ كلَّ ليلةٍ، فلكلِّ ليلةٍ عتقاءٌ من النارِ في رمضان.

وليس المهمُّ اليومَ من الذي يدعو بل الأهمُّ هو: كيفَ يدعو وعلى أيِّ حالٍ قلبُه!

وقد كان صلى الله عليه وسلم يعلِّمُ الصغارَ قبلَ الكبارِ كيف يدعون ويستعينون باللهِ ويلتجأونَ إليه سبحانه وتعالى، عن ابن عباسٍ قال: كنت خلفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا فقال: (يَا غُلامُ، إنِّي أعلّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَألْتَ فَاسأَلِ الله، وإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ باللهِ.

وَاعْلَمْ: أنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إلاَّ بِشَيءٍ قَدْ كَتَبهُ اللهُ لَكَ، وَإِن اجتَمَعُوا عَلَى أنْ يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إلاَّ بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحفُ)([3]).

والدعاءُ يدفعُ غضبَ الله: فمن لم يسألِ الله يغضبْ عليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (منْ لمْ يسألِ اللهَ يغضبْ عليه) ([4]).

والدعاء سلامةٌ من العجز: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أعجزُ الناسِ منْ عجزَ عن الدعاءِ)([5]).

والدعاءُ سببُ رفعِ البلاءِ بعدَ نزولِه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدعاءَ ينفعُ مما نزلَ ومما لم ينزلْ فعليكم عبادَ الله بالدعاءِ)([6]).

والدعاءُ سببُ حصولِ المودةِ بين المسلمين: فإذا دعا المسلمُ لأخيه المسلمِ في ظهرِ الغيبِ استجيبت دعوتُه، ودعا له الملكُ وقال: ولك بمثلٍ.

قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60].

قال القشيري في تفسيره: (ادعوني بالطاعاتِ أستجبْ لكم بالثوابِ والدرجاتِ، ويقال: ادعوني بلا غفلةٍ؛ أستجب لكم بلا مهلةٍ، ويقال: ادعوني بالتنصلِ أستجب لكم بالتفضلِ، ويقال: ادعوني ببذرِ الطاعةِ أستجب لكم بكشفِ الفاقةِ، ويقال: ادعوني بالسؤالِ أستجب لكم بالنوالِ والإفضالِ)([7]).

ويقول عليٌّ رضي الله عنه: ارفعوا أمواج البلاء بالدعاء.

وينصحنا أنسٌ بن مالك رضي الله عنه وأرضاه أنه: لا تعجزوا عن الدعاءِ فإنه لم يهلكْ مع الدعاءِ أحدٌ.

ويذكر لنا مجاهد رحمه الله تجربته قائلًا: إن الصلاة جُعلت في خيرِ الساعات فعليكمْ بالدعاءِ خلفَ الصلوات.

أما سفيان بن عُيينة فيحذر قائلًا: لا يمنعنَّ أحدَكم من الدعاء ما يعلمُ من نفسه من الذنوبِ؛ فإن الله عز وجل أجابَ دعاءِ شرِّ الخلق إبليس لعنه الله: {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} [ص: 79 - 81].

كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بما جاء في آخر سورة البقرة {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 286]

وليحرِص المسلم على حفظ دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدر استطاعته، فقد شرع صلى الله عليه وسلم لكلّ حالٍ دعاءً وذكرًا.

ويستحبّ أن يقدِّم بين يدي دعائه عملًا صالحًا، ويثني على الله ببعض ما أثنى به على نفسِهِ، ويُظهرُ الافتقارَ إلى الله عز وجل وشدّةَ الحاجةِ والرغبةَ فيما عند الله تبارك وتعالى، ويصلّي على نبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم في دعائه؛ لأنّ الدعاءَ معلّقٌ بين السماءِ والأرضِ حتى يصلَّى على نبيّه صلى الله عليه وسلم، فصلواتُ الله وسلامُه عليه ما تعاقبَ الليلُ والنهارُ، ويتوسّل إلى الله بأسمائِه الحسنى، وبالاسم الذي يناسِبُ حاجتَه من أسماءِ الله تبارك وتعالى الحسنى، كقوله تعالى: {وَقُل رَّبّ ٱغْفِرْ وَٱرْحَمْ وَأنتَ خَيْرُ ٱلرحِمِينَ} [المؤمنون:118]، وكقوله تعالى: {وَٱرْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ} [المائدة: 114].

واحذر قبل أن تدعوا: منْ أكلِ الحرام: قال وهب بن منبِّه: من سرَّه أن يستجيبَ اللهُ دعوتَه فليطيِّبْ طعمَته، وهي وصية النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص حينما قال له : (يا سعدُ، أطبْ مطعمَك تكنْ مستجابَ الدعوةِ)([8]).

واحذر من الاستعجالِ: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزالُ يُستجابُ للعبدِ مَا لمْ يستعجلْ، يقولُ: قدْ دعوتُ وقد دعوتُ فلم أرَ يستجيبُ لي)([9]).

قال أبو الدرداء: من يكثرْ قرعَ البابِ يوشكُ أن يفتحَ له، ومن يكثرُ الدعاءَ يوشك أن يستجابَ له، ولهذا قيل: يا ابن آدم لقد بوركَ لك في حاجةٍ أكثرت فيها من قرعِ بابِ سيدِك.

واحذر من عدمِ اليقينِ بالإجابة.

واحذر من عدم حضورِ القلبِ في الدعاء: قيل لطاووس اليماني: ادعُ بدعوات؛ قال: لا أجدُ لذلك خشيةً!!

أبـــحرتُ مالي غـــيرَ حبـــكِ مركـــبُ وضـللتُ مالــي غـــيرَ ضوئــِك كــوكــبُ
وسئمـــتُ مــالــي غــيرَ أنسكَ سلوةٌ          وعطـــشتُ مـالي غــير غوثِــــك مشــربُ
يامن عــلا فوقَ السـمـاواتِ العــلا لكـــــنـه مــــــــــــــــن نبــــــــــــــــضِ قلـــــبي أقــــــربُ
يامـــن له خشعت جميـــعُ جوارحـــِي          والقــــلــبُ مـــن شوقـــي إلـــيــه مــــــــذوبُ
اقبــــل محبًّــا عنـــد بابك لـــم تـــــــــــــــزل عـــينـــاه مــن دمــعِ الصـــبابـــةِ تســـكـــبُ
يا مـن يفيـضُ علــى الصـــدورِ مسـرة         وبـــأنسِـــه تســلـــو النــفـــوسُ وتــــطـربُ

وأخيرا تحرَّ الأوقات التى يستجابُ فيها الدعاءُ قبل الإفطارِ وفي السحرِ، وفي السجودِ، وعقب الصلواتِ المفروضة، وبين الأذانِ والإقامةِ.

حافظ على أذكارِ الأحوالِ فى اليومِ والليلةِ.

اجذبْ قلبكَ من أعباءِ الدنيا إلى ساحات العفوِ المغفرةِ، قال صلى الله عليه وسلم: (واعلموا أن اللهَ لا يستجيبُ دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ) ([10]).

 

الهوامش:

([1]) رواه مسلم، (1147).

([2]) في ظلال القرآن، سيد قطب، (1 / 146).

([3]) رواه الترمذي في سننه، (2516)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، (2516).

([4]) رواه الترمذي في سننه، (3373)، صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، (3373).

([5]) رواه الطبرانى فى الأوسط (5591)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، (8/31): رجاله رجال الصحيح غير مسروق بن المرزبان، وهو ثقة.

([6]) رواه الترمذي، (3548)، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح، (2239).

([7]) تفسير القشيري، (7/108).

([8]) رواه الطبراني في الأوسط، (6495)، وقال الهيثمي فى مجمع الزوائد (10/291): فيه من لم أعرفهم.

([9]) رواه مسلم، (2735).

([10]) رواه الترمذي في سننه، (3479)، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، (3479).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان.doc doc
دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى