الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ أما بعد:عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَا من نَبِيٍّ بَعَثَه اللهُ في أُمَّةٍ قَبْلِي إلا كانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِه حواريون وأصحابُ يأخذون بسُنَّتِه، ويَقْتَدُون بأمرِه، ثم إنها تَخْلُفُ من بعدِهم خُلوفٌ يقولونَ ولا يفعلونَ، ويَفعلونَ ما لا يُؤْمَرُونَ، فمنْ جَاهَدَهُم بيدِه فهو مؤمنٌ، ومَن جَاهَدَهُم بِلسانِه فهو مؤمنٌ، ومَنْ جَاهَدَهُم بقلبِه فهو مؤمنٌ، وليسَ وراءَ ذلك من الإيمانِ حبةُ خردلٍ))([1]).
ولا شك أن الردَّ على شبهات المشركين والمخالفين ومقارعتَهم بالحجةِ، ودفعَ صيالِهم عن الإسلام وأهلِه ضربٌ من ضروبِ الجهادِ باللسان، يكون مستحبًّا حينًا، ويصيرُ واجبًا حينًا آخر حسب مقتضى الحال.
(1)- عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((جَاهِدُوا المُشرِكِين بأموالِكم وأنفسِكم وألسنتِكم))، قال ابنُ حزم - رحمه الله -: (وهذا حَدِيثٌ فِي غَايةِ الصِّحَّة، وفيه الأمرُ بالمناظرةِ، وإيجبُها كإيجابِ الجهادِ والتَّفَقُه في سبيلِ اللهِ)([2])، ومن المعلوم بأن المناظرة لا تتم إلا بالرد على المخالف ومقارعته بالحجة.
قال الصنعاني([3]) - رحمه الله -: (الحديثُ دليلٌ على وجوبِ الجهادِ بالنفسِ، وهو بالخروجِ والمباشرةِ للكفارِ، وبالمالِ وهو بذلُه لما يقومُ به من النفقةِ في الجهادِ ونحوه، والجهادُ باللسانِ بإقامةِ الحجةِ عليهم ودعائِهم إلى اللهِ تعالى، وبالأصواتِ عند اللقاءِ والزجرِ ونحوِه)([4]).
(2)- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((احْتَجَّ آدمُ وموسى عليهما السلام عِندَ ربِّهِما، فحجَّ آدمُ موسى، قال موسى: أنت آدمُ الذي خَلَقَكَ اللهُ بيدِه، ونفخَ فيكَ من روحِه، وأَسْجَدَ لك ملائِكَتَه، وأَسْكَنَك في جنتِه، ثم أَهْبَطَّتَ الناسَ بخطيئَتِكَ إلى الأرضِ؟
قالَ آدمُ: أنت موسى الذي اصطفاكَ اللهُ برسالتِه وبكلامِه، وأعطَاكَ الألواحَ فيها تبيانُ كلِّ شيءٍ، وقرَّبَك نَجِيًّا، فبِكَم وَجَدَّتَ للهِ كَتَبَ التوراةَ قَبْلَ أن أُخْلَق؟ قال: موسى بأربعين عامًا، قال آدمُ: فَهَل وَجَدَّت فيها: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: 121]، قال: نعم، قال: أفتلومُنِي أن عَمِلْتُ عَمَلًا كَتَبَهُ اللهُ عليَّ أن أعمَلَه قَبْلَ أن يَخْلُقَنِي بأربعين سنة؟))([5]).
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((فحجَّ آدمُ موسى))؛ فلم يقبل آدمُ من موسى عليهما السلام قولَه بأن آدمَ هو السببُ في إخراجِ الناسِ من الجنةِ وشقتوتِهم، وردَّ عليه شبهتَه قائلًا بأن الذي حصل تنفيذُ أمر الله I الذي كتبه عليَّ قبل أن يخلقني، فكيف تلومني يا موسى وأنت قد أوتيت من العلم ما لم يؤتَ كثيرًا من الخلقِ حيثُ اصطفاك اللهُ برسالتِه وبكلامِه؟!
([2]) الأحكام في أصول الأحكام، الإمام أبو محمد بن أحمد بن سعيد بن حزم، المجلد الأول، ص(27)، ط1، 1405-1985، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
([3]) هو: أبو إبراهيم، محمد بن إسماعين بن صلاح بن محمد الحسني الكحلاني، ثم الصنعاني، عز الدين المعروف بالأمير، مجتهد من بيت الإمامة في اليمن، له مائة مؤلف منها: سبل السلام شرح بلوغ المرام، وتطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد، ولد سنة 1109هـ، انظر البدر الطالع، 2/133 إلى 417، والأعلام، (6/38).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.