الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، ثم أما بعد؛
مما ينبغي أن يُعلم أنه لا تلازم بين الحج والعمرة وبين الزيارة، فيمكن لمن جاء حاجًّا أو معتمرًا أن يعود إلى بلده دون أن يأتي إلى المدينة، ومن جاء إلى المدينة من بلده يمكن أن يعود دون أن يحجَّ أو يعتمر، ويمكن أن يجمع بين الحج والعمرة والزيارة في سفرة واحدة([1]).
ثم إن المقصد الأصلي من زيارة المدينة هو الصلاةُ في مسجد الرسول؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((صلاةٌ في مسجدي هذا أفضلُ من ألفِ صلاةٍ فيما سواه إلا المسجد الحرام))([2])، غير أن بعض الناس لبُعْدِهم عن تعاليم الكتاب والسُّنة قد أحدثوا في زيارة المدينة النبوية ومسجده الشريف بعضَ البدعِ والمنكرات، التي ما أنزل اللهُ بها من سلطان؛ ومن ذلك:
بدعة الانحناء للقبر الشريف عند التسليم وتقبيل أرض القبر:
هذا العمل مما يخالف الآداب الشرعية للزيارة، وهو بدعة منكرة يجب تركها والنهي عنها.
قال الحافظ أبو اليمين ابن عساكر - رحمه الله -: (وكذلك الانحناءُ للقبرِ المقدس عند التسليم، فإن بدعةً يظنُّ من لا علمَ له أنه من شعارِ التعظيمِ)([3]).
وقال الإمام ابن جماعة - رحمه الله -: (وعدَّ بعضُ العلماءِ من البدعِ: الانحناءَ للقبرِ المقدسِ عند التسليم، قال: يظنُّ من لا علم له أنه شعارُ التعظيمِ، وأقبحُ منه تقبيلُ الأرضِ للقبرِ، لم يفعله السلفُ الصالحُ، والخيرُ كله في اتباعِهم رحمهم الله تعالى، ونفعنا بهم.
ومن خَطَرَ ببالِه أن تقبيلَ الأرضِ أبلغُ في البركةِ فهو من جهالتِه وغفلتِه، لأن البركةَ إنما هي فيما وافق الشرعَ وأقوالَ السلفِ وعملَهم، وليس عجبي من جَهِلَ ذلك فارتكبه، بل عجبي ممن أفتى بتحسينِه مع علمِه بقبحِه ومخالفتِه لعلمِ السلفِ، واستشهدَ بذلك بالشعرِ، نسألُ اللهَ أن يوفقنا في القولِ والعملِ، وأن يعصمنا من الهوى والزلل بمنِّه وكرمِه).
قال محمد بن وضاح: (كم من أمرٍ هو اليوم معروفٌ عند كثيرٍ من الناسِ كان مُنْكَرًا عند من مضى؟! وكم من متحبِّبٍ إلى اللهِ بما يبغضُه عليه، ومتقربٍ إلى اللهِ بما يُبْعِدُه منه، وكل بدعةٍ عليها زينةٌ وبهجةٌ)([4]).
قال السمهودي عند ذكر آداب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم: (ومنها: اجتنابُ الانحناءِ للقبر عند التسليمِ، فهو من البدعِ، ويظنُّ من لا علمَ له أنه من شعارِ التعظيمِ، وأقبح منه تقبيلُ الأرضِ للقبرِ - ثم نقل كلام ابن جماعة السابق - ثم قال: شاهدتُ بعضَ القضاةِ فَعَلَه وزادَ السجودَ بجبهتِه بحضرةِ العوام فَتَبِعُوه، ولا حول ولا قوة إلا بالله)([5]).
الهوامش:
[1])) فضل المدينة وآداب سكناها وزيارتها، الشيخ عبد المحسن العباد، ص(51-52).
[2])) رواه البخاري، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، (1190).
[3])) إتحاف الزائر وإطراف المقيم للسائر، ابن عساكر، ص(67).
[4])) هداية السالك، ابن جماعة، ص(4/1527-1528)، وانظر: حاشية الهيتمي على الإيضاح، ص(502).
[5])) وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى، السمهودي، ص(4/1406)، ط/مطبعة السعادة، القاهرة.
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.