الرجاء بالمد: رجاه يرجوه رجْوًا ورجاءً ورجاوةً ومَرجاةً، فهو من مادة (ر ج و) التي تدل على الأمل الذي نقيضه اليأس، وهو حالة يأمل فيها الإنسانُ الشيءَ الحسنَ ويتوقع حصوله، وقد عبر عن الخوف بالرجاء، قال تعالى: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح: 13]؛ أي لا تخافون اللهَ عظمةً، والرجاء لا يكون بمعنى الخوف إلا إذا كان مسبوقًا بجحد، أي نفي[1].
أما الرجا بالقصر: فإنه يدل على ناحية الشيء، كناحية البئر وحافتها، وكل ناحية رجا؛ قال تعالى: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا} [الحاقة: 17].
وأما المهموز: فإنه يدل على التأخير، يُقال: أرجأتَ الشيء، أخرتَه؛ قال تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} [الأحزاب: 51]، ومنه سُميت المرجئة[2].
وقد ورد ذكر الرجاء في القرآن الكريم على ستة أوجه:
الأول: الخوف والخشية كما سبق؛ وذلك قوله تعالى: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح: 13].
الثاني: الطمع؛ وذلك في قوله تعالى: {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ} [الإسراء: 57]، يعني يطمعون في رحمته.
الثالث: توقع الثواب؛ وذلك في قوله تعالى: {وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} [النساء: 104].
الرابع: الرجا بالمقصور، بمعنى الطرف؛ وذلك في قوله تعالى: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا} [الحاقة: 17].
الخامس: الرجاء بالمهموز، بمعنى الترك والتأخير؛ وذلك في قوله: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51].
السادس: أَرْجِه، أي احبسه؛ وذلك في قوله: {قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} [الأعراف: 111][3].
الرجاء مأخوذ من كلمة رجاه، رَجوًا، ورُجوَّا، ورجاءً، ورجاه، ومرجًاة: أمَّله فهو راج، والشيء مرجُوٌّ، فرجاه: أمله، الرجاء بالمد ضد اليأس[4].
وقال الزبيدي: (الرجاء يأتي بعدة معاني منها: ما قاله الغزالي: هو ترقب الانتفاع بما تقدم له سبب ما، وقال غيره: هو الأمل، وقيل: هو الطمع في ممكن الحصول، بخلاف التمني فإنه يكون في الممكن والمستحيل)[5]، أما عند الرازي فالرجاء من الأمل الممدود[6].
ثانيًا ـ التعريف الشرعي:
لقد عُرِّفَ الرجاء بتعاريف كثيرة، مضمونها توقع الخير والطمع في رحمة الله ومغفرته مع فعل الأسباب المشروعة، ومن هذه التعريفات:
قال الراغب: (الرجاءُ ظنٌّ يقتضي حصوله ما فيه مسرَّة)[7].
وقال الجرجاني: (الرجاء في اللغة: الأمل، واصطلاحًا: تعلق القلب بحصولِ محبوبٍ في المستقبل)[8].
وعرَّفه الغزالي بقوله: (حالةٌ إيمانية، يرتاح القلب فيها لانتظار ما هو محبوبٌ عنده)[9].
ويشير شيخ الإسلام ابن تيمية إلى مفهوم الرجاء، فيقول - رحمه الله -: (فالرجاءُ لا يكون إلا بما يلقي في نفسه من الإيعادِ بالخيرِ، الذي هو طلبُ المحبوب أو فواتُ المكروه)[10].
ويقول في كلامه عن الآية: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون: 60]: (وجاء تفسيرُها في الحديث أنهم الذين يصومون، ويصلُّون، ويتصدقون، وهم يخافون أن لا تُقبل منهم)، فقال شيخ الإسلام: (فهو يرجو أن يكونَ الله تقبلَ عملَه، فيثيبه عليه، ويرحمه في المستقبلِ، ويخافُ ألا يكون تقبله فيُحرم ثوابه)[11].
وقال ابن حجر - رحمه الله -: (والمقصودُ من الرجاءِ أن من وقعَ منه تقصيرٌ فليُحْسِن ظنَّه باللهِ ويرجو أن يمحو عنه ذنبه، وكذا من وقعَ منه طاعةٌ يرجو قبولها)[12]، وقال ابن القيم - رحمه الله -: (الرجاءُ هو النظرُ إلى سعةِ رحمةِ اللهِ)[13].
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.