بدعة قراءة القرآن بصورة جماعية

بدعة قراءة القرآن بصورة جماعية





الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ هذه الكيفية في القراءة لم تَرِدْ عن النبيّ ِ صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة رضي الله عنهم، بل كانوا إذا اجتمعوا أمروا واحدًا منهم يقرأ والباقي يستمعون، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لأبي موسى: (يا أبا موسى، ذكِّرْنَا ربَّنا)، فيقرأ وهم يسمعون([1])، هكذا كانت قراءتهم، ولم يكونوا يقرءون قراءة جماعية، كما يفعله بعضُ القراء اليوم، فإن ذلك من البدع المحدثة في الدين.

قال الإمام أبو شامة - رحمه الله -: (إنَّ قراءةَ القرآنِ على هذه الصورةِ كَرِهَهَا مالك بن أنس - رحمه الله -، وذكر الطرطوشي في كتاب الحوادث: قال مالك:لا يجتمعُ القومُ يقرءون في سورةٍ واحدةٍ كما يفعلُه أهلُ الإسكندرية، هذا مكروهٌ، ولا يعجبُنا، لم يكن هذا من عملِ الناس، هذا مكروهٌ ومنكرٌ، فلو قرأَ واحدٌ منهما آيات، ثم قرأَ الآخرُ على أثرِ صاحبِه والآخرُ كذلك لم يكن بذلك بأس، هؤلاء يعرضون بعضهم على بعض([2]).

قلتُ - أي أبو شامة -: والذي كره مالكُ- رحمه الله تعالى - من ذلك موافقٌ لما أخرجه الحافظُ أبو القاسم - يعني: ابن عساكر - في تاريخِه بإسنادِه عن عبد الله بن العلاء بن زبير الربعي قال: سمعتُ الضحاك ينكرُ هذه المدارسة، ويقول:ما رأيتُ ولا سمعتُ، وقد أدركتُ أصحابَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

وقال الوليدُ: سألتُ عنها عبد الله بن العلاء فقال: كنا ندرسُ في مجلسِ يحيى بن الحرثِ في مسجدِ دمشق في خلافةِ يزيد بن عبد الملك، إذ خرجَ علينا أميرُنا الضشحاك بن عبد الرحمن بن عزرب الأشعري من الخضراء مقبلًا علينا منكرًا لما نصنع، فقال: ما هذا وما أنتم فيه؟ فقلنا: ندرسُ كتابَ اللهِ تعالى، فقال: أتدرسون كتابَ  اللهِ؟! إنَّ هذا الشيء ما رأيتُه ولا سمعتُ أنه كان قبل، ثم دخل الخضار، قال: الحافظ أبو القاسم: وكان الضحاك بن عبد الرحمن أميرًا على دمشق في خلافة عمر بن عبد العزيز – رحمه الله تعالى -)([3]).

وقال الشيخ علي محفوظ - رحمه الله -: (ومن البدعِ: قراءة القرآن جماعةً المسماة عندهم "بالقراءة الليثية"، وهي دائرة بين الحرمةِ والكراهةِ، فقد أنكرها الضحاك وقال: (ما رأيتُ ولا سمعتُ ولا أدركتُ أحدًا من الصحابةِ يفعلها)، وقال ابن وهب: (قلتُ لمالك - رحمه الله تعالى -: أرأيتَ القومَ يجتمعون فيقرءون جميعًا سورةً واحدةً حتى يختموها؟ فأنكرَ ذلك وعابَه، قال: ليس هكذا كان يصنعُ الناسُ، إنما كان يقرأ الرجلُ على الآخر يعرضه)([4]).

وقد تؤدي هذه البدعةُ إلى تقطيعِ الحروفِ والآيات لانقطاعِ نفسِ أحدِهم، فيتنفس فيجد أصحابَه قد سبقوه، فيترك بقية الآيةِ أو الكلمة ويلحقهم فيما هم فيه فيشاركهم تارةً في ابتداءِ الآيةِ وتارةً في أثنائها، وبذلك يقرأُ القرآنَ على غيرِ ترتيبه الذي أُنزل عليه، وفيه ما فيه من التخليطِ في كتابِ اللهِ تعالى، فقد تخلتطُ آية رحمةٍ بآيةِ عذابٍ، وآية أمرٍ بآيةِ نهي، وآية وعدٍ بآيةِ وعيدٍ، إلى غير ذلك، أضف إلى هذا أنهم يتصنعون بحناجرِهم أصواتًا مختلفةً تقشعرُ منها جلودُ المؤمنين وتطربُ لها نفوسُ الغافلين، وكل ذلك حرامٌ بإجماعِ المسلمين)([5]). 



([1]) رواه عبد الرزاق في المصنف، (4181)، والدرامي في سننه، (3496)، وانظر: مجموع الفتاوى، ابن تيمية، (10/80)، و(11/58، 296، 590، 626) و(22/521)، والاستقامة، ابن تيمية، (1/302، 343، 388).

([2]) ص(161-162، 149).

([3]) الباعث، أبو شامة، ص(242-244).

([4]) انظر: الحوادث والبدع، ص(162).

([5]) الابتداع، علي محفوظ، ص(275).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
بدعة قراءة القرآن بصورة جماعية.doc doc
بدعة قراءة القرآن بصورة جماعية.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى