النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الله

النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الله



الكاتب: محمد بن عبد الله المقدي

إن الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ فإن رمضانُ موسمٌ الخيرات، وميدانُ التنافسِ في القربات، وإن ذُكر الله عز وجل لمن أعظم ما يُتقرب به، وأجل ما يسابقُ وينافسُ عليه؛ إذ هو المقصودُ الأعظم في مشروعيةِ العبادات؛ فما شرعتِ الصلاة إلا لإقامة ذكر الله، قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14].

وقد جاءَ الذكرُ مع الصيامِ، فبعد أن تناولتِ الآياتُ أحكام الصيام قال تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185].

ونصوصُ الشرع متضافرةٌ متظاهرةٌ على فضلِ الذكرِ، وعمومِ نفعه، والثناءِ على أهلِه، والحثِّ على الإكثار منه.

فعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أعْمالِكُمْ، وأزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وأرْفَعِهَا في دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيرٍ لَكُمْ مِنْ إنْفَاقِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أن تَلْقَوا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أعْنَاقَكُمْ؟) قَالَوا: بَلَى، قَالَ : (ذِكر الله تَعَالَى)([1]).

وها هي وصيةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم للرجلِ الذي جاءه فقال: يا رسول الله، إن شرائعَ الإسلامِ قد كثرت عليَّ، فأخبرني بشيء أتشبَّث به، قال: (لا يزالُ لسانُك رطبًا من ذكرِ الله)([2]).

ثم كرَّرها النبي صلى الله عليه وسلم لحبيبِه معاذِ بن جبل رضي الله عنه حين سألَه فقال: أيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: (أن تموتَ ولسانُك رطبٌ من ذكرِ الله) ([3]).

فالذكرُ كالماء البارد ينسابُ على لسانِك فينديه ويرطبُه، ثم يتدفقُ إلى قلبك الذي ألهبته حرارةُ المعاصي فيضفي عليه بردًا وحلاوةً وسكونًا واطمئنانًا، كما أخبر ربنا سبحانه وتعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد : 28].

ومن أرادَ أن يكون من السابقينَ في رمضانَ فلابد أن يكونَ أولًا من الذاكرينِ، جزاءً بجزاءٍ ومثلًا بمثل، قال تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35]؛ وقال تعالى أيضًا:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 41 - 43].

وقال صلى الله عليه وسلم: (سبقَ المُفرِّدون)، قالوا: وما المُفرِّدون يا رسول الله؟ قال: (الذاكرونَ الله كثيرًا والذاكرات)([4]).

وعن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثلُ الذي يذكرُ ربَّه والذي لا يذكرُه مثلُ الحيِّ والميت)([5]).

فشتانَ بين ميتِ القلبِ وإن كان يمشي بين الأحياءِ، وبين من امتلأ قلبُه حياةً وإن وهن جسدُه وضعفَ، فالذاكرُ لربه حي وإن ماتتْ منه جميعُ الأعضاءِ، والغافلُ عن ذكره ميت، وإن مشى وتحركَ بين الأحياء.

والذاكرُ يذكره الرحمن، يقول تعالى:{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152]، وقال صلى الله عليه وسلم: (يقولُ الله تعالى: أنا عندَ ظنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسِه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرتُه في ملأٍ خيرٍ منهم) ([6]).

ألا تريدُ أن يذكرَك الله تعالى في الملأِ الأعلى، فيترددُ اسمُك في جنباتِ السماء على ألسنةِ الملائكةِ الكرامِ البررة؟ فإذا كان العبدُ يفرح بذكرِ اسمه على لسانِ عظيمٍ أو ملكٍ أو مسئولٍ، فكيف تكونُ فرحتَه إذا ذكره خالقُ الكون وجبارُ السماوات والأرض؟

أليس هو سبحانه وتعالى القائل؛ (أنا معَ عبدي ما ذكرنِي وتحركتْ بي شفتاه)([7]).

وهذه قطوف يسيرةٌ من حدائقِ الذكرِ الغناءِ، لطالما داوم عليها النبي صلى الله عليه وسلم، خذْ منها ما تستطيعُ، وأبشر فإنها بضاعةٌ خفيفةُ الحملِ في الدنيا ثقيلةُ الوزن يومَ القيامة، فقط حركْ لسانَك، واستحضرْ قلبَك، واغترفْ من حلاوةِ الإيمان كيفما تشاء.

فعن جابر رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أفضلُ الذكرِ: لا إله إلا الله) ([8]).

وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: (منْ قال لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، له الملكُ وله الحمدُ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٍ، في يوم مائةَ مرة، كانت له عدلُ عشرِ رقابٍ، وكتبت له مائةُ حسنة، ومحيت عنه مائةُ سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطانِ يومَه ذلك حتى يمسي، ولم يأتِ أحدٌ بأفضلِ مما جاء به، إلا أحدٌ عمل أكثر من ذلك) ([9]).

وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (من قالَ لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، له الملكُ وله الحمدُ، وهو على كلِّ شيءٍ قدير، عشرَ مرات، كان كمنْ أعتقَ أربعةَ أنفسٍ من ولد إسماعيل) ([10]).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (منْ قال سبحانَ الله وبحمدِه، في يومٍ مائةَ مرة، حُطَّت خطاياه وإن كانتْ مثلَ زبد البحر) ([11]).

وهذا الحديثُ العظيمُ وكلُّ أحاديثِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم عظيمةٌ الذي يختم به البخاري صحيحه فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلمتانِ خفيفتانِ على اللسانِ ثقيلتانِ في الميزانِ، حبيبتانِ إلى الرحمنِ، سبحانَ الله وبحمدِه، سبحانَ الله العظيم) ([12]).

وها هو إبراهيم عليه السلام يوصِي أمةَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم بالذكرِ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقيتُ إبراهيمَ ليلةَ أسري بي، فقال: يا محمد أقرئ أمتَك مني السلامَ، وأخبرهم أن الجنةَ طيبةُ التربة، عذبةُ الماء، وأنها قيعانٌ وأنَّ غراسها، سبحانَ الله، والحمدُ لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) ([13]).

ويعلمنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن الذكرَ هو زكاةٌ عن هذه الصحةِ التي منحك الله إياها فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّه خُلقَ كلُّ إنسان من بني آدم على ستينَ وثلاثمائة مفصلٍ، فمنْ كبَّر اللهَ، وحمدَ الله، وهللَ الله، وسبحَ الله، واستغفرَ الله، وعزلَ حجرًا عن طريقِ الناسِ، أو شوكةً أو عظمًا عن طريقِ الناسِ، وأمرَ بمعروفٍ أو نهى عنْ منكرٍ، عدد تلك الستين والثلاثمائة السلامى؛ فإنَّه يمشي يومئذٍ وقد زحزحَ نفسَه عن النار) ([14]).

وشاهدْ معي هذا المشهدَ الذي يحدث الآن، إنهم الملائكة، شاهد هذه اللقطة بقلبك؛ (إنَّ لله تباركَ وتعالى ملائكةً سيارةً فضلاً، يتبعون مجالسَ الذكرِ؛ فإذا وجدوا مجلسًا فيه ذكرٌ قعدوا معهم، وحفَّ بعضُهم بعضًا بأجنحتِهم، حتى يملئوا ما بينهمْ وبينَ السماءِ الدنيا، فإذا تفرقوا عرجُوا وصعدُوا إلى السماءِ.

قال: فيسألُهم الله عز وجل وهو أعلمُ بهم، من أينَ جئتم؟ فيقولون: جئنا من عندِ عبادٍ لك في الأرضِ يسبحونَك ويكبرونَك ويهللونَك ويحمدونَك ويسألونَك.

قال: وماذا يسألوني؟ قالوا: يسألونك جنتَك، قال: وهلْ رأوا جنتِي؟ قالوا: لا أي رب، قال: فكيفَ لو رأوا جنتِي؟

قالوا: ويستجيرونَك، قال: ومم يستجيرونني؟ قالوا: من نارِك يا رب، قال: وهل رأوا ناري؟ قالوا: لا، قال: فكيفَ لو رأوا ناري؟

قالوا: ويستغفرونك، فيقول: قد غفرتُ لهم، فأعطيتُهم ما سألوا، وأجرتُهم مما استجاروا.

فيقولون: ربِّ فيهم فلانٌ عبدٌ خطاءٌ إنما مرَّ فجلسَ معهم، فيقول: وله غفرتُ، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) ([15]).

فكن منهم أو جالسهم، فكلا الأمرين فوز وفلاح.

وكـــنْ ذاكرًا لله في كـــلِّ حالـــة                فليسَ لذكــرِ الله وقتٌ مقيــــــد

فذكـرُ إله العرشِ سـرًّا ومعلنــًا               يزيلُ الشقا والهمُّ عنك ويطـردُ

ولو لمْ يكنْ في ذكرِه غير أنـــــــه              طريقٌ إلى حبِّ الإلهِ ومرشــــدُ

لكانَ لنا حظٌّ عظيـــمٌ ورغبــــةٌ                بكثرةِ ذكرِ الله نِعــمَ الموحَّــــــدُ

ولكننا من جهلِنا قلَّ ذكرُنــــــا               كما قلَّ منــــا للإلــــهِ التعبـــــدُ

وإذا أردتَ أن تنضم إلى صفوفِ الذاكرين فهاك الطريق.

1.         اقتنِ كتيبًا للأذكار الموظفة، مثل حصنِ المسلم أو أذكارِ اليوم والليلة، وواظب يوميًّا على حفظِ ذكرٍ جديد لا تعرفه.

2.         لا تضيعْ أذكارَ الصباحِ والمساءِ خاصةً في رمضان فالحسناتِ مضاعفة.

3.         احمل كتيب الأذكارِ معك أينما ذهبتَ، واقرأ منه الأذكارَ المتعلقةَ بكل موقفٍ، مثل الخروج من المنزلِ، والنزولِ والصعودِ، ورؤيةِ المبتلى، وركوبِ السيارة، ودخولِ المسجدِ والخروجِ منه.

4.         احرص على أن يكونَ لسانُك رطبٌ من ذكر الله، بأن تكثرَ من التسبيحِ والتحميدِ والتهليلِ، وخاصةً في نهارِ رمضان حيثُ تتضاعفُ الحسنات.

5.         من أفضلِ الذكرِ قراءةُ القرآنِ، وهذا هو شهرُ القرآنِ، فحافظ على وردٍ ثابت، على الأقلِ جزء يوميًّا.

6.          تكلم مع أحدِ أصدقائِك أو أقاربِك عن أهميةِ الذكر، وابعث هذه الرسالة عبر البريدِ الإلكتروني إلى أكبرِ عددٍ ممكن من معارفِك، أو اطبعها وعلقها في المسجدِ المجاورِ لك لتنشرها في كل مكان.



([1]) رواه الترمذي (3377) وصححه الألباني.

([2]) رواه الترمذي، وصححه الألباني.

([3]) رواه الطبراني، وحسنه الألباني.

([4]) رواه مسلم، رقم: (2676).

([5]) رواه البخاري، رقم: (6407).

([6]) متفق عليه، رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {ويحذركم الله نفسه}، رقم الحديث: (7405)، رواه مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب الحث على ذكر الله تعالى، رقم الحديث: (2675).

([7]) رواه أحمد، رقم: (10976)، وصححه الألباني.

([8]) رواه الترمذي، رقم: (3383)، وحسنه الألباني.

([9]) متفق عليه، رواه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، رقم الحديث: (3293)، ورواه مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب فضل التهليل والتسبيح، رقم الحديث: (2691).

([10]) رواه مسلم، رقم: (2693).

([11]) متفق عليه، رواه البخاري، كتاب الدعوات، باب فضل التسبيح، رقم الحديث: (6405)، ورواه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء، رقم الحديث: (2692).

([12]) متفق عليه، متفق عليه، رواه البخاري، كتاب الدعوات، باب فضل التسبيح، رقم الحديث: (6406)، ورواه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء، رقم الحديث: (6043).

([13]) رواه الترمذي، رقم: (3462)، وحسنه الألباني.

([14]) رواه مسلم، رقم: (1007).

([15]) رواه مسلم، رقم: (2689).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الله.doc doc
النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الله.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى