صلاة الخُصَماءِ من الصلوات المبتدعة المخصوصة لغرض ديني

صلاة الخُصَماءِ من الصلوات المبتدعة المخصوصة لغرض ديني






إن الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ فمن الصلوات المبتدعة التي اخترعها الصوفية، وهي صلاة استحبها الشيخ عبد القادر في كتابه (الغنية)[1]، كما ذكرها للكنوي عن بعض المتصوفة.
وهي أربع ركعات يصليها في يوم عاشوراء، وآخر جمعة من رمضان، ويوم التروية، ويوم عيد الأضحى، ويوم عرفة، وخامس عشر شعبانن ويقرأ في الأولى بعد الفاتحة سورة الإخلاص إحدى عشر مرة، وفي الثانية سورة {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] ثلاث مرات، وسورة الإخلاص إحدى عشرة مرة، وفي الثالثة سورة التكاثر مرة، وسورة الإخلاص إحدى عشر مرة، وفي الرابعة آية الكرسي ثلاث مرات، وسورة الإخلاص خمسًا وعشرين مرة[2].
ومقصودهم بهذه الصلاة: إسقاط المظالم التي ارتكبها العبد في حق غيره، فتكون كالكفارة لما يفعله العبد من التعدي على حقوق الآخرين.
قال في الغنية: ثم يجعل ثوابها لخصمائه، يكفيه الله أمرهم يوم القيامة إن شاء الله تعالى!!
قال ابن الجوزي: ومما يرويه القصاصُ صلاة تسمى (صلاة الخصماء) تسقط المظالم!! فيغرون الناس بالظلم وأخذ أموالهم، وما أحدٌ إلا وسهل عليه أن يسرق ويصلي ركعتين؛ يسقط بهما ما فعل[3].
ومن أبطل الباطل أن تفعل هذه الصلاة ويعتقد أن فعلها من الشريعة! ولو لم يأت ما يدل على بطلانها سوى الاستهانة بحقوق العباد لكفى! كيف وقد اشتملت على دلالات أر من حيث الصفة، ومن حيث تخصيص فعلها بوقت معين.
إن استباحة حقوق العباد ليست بالأمر السهل بحيث يمكن التجاوز عنها بمجرد ركعتين يفعلهما المعتدي، بل إن شأنها أعظم، وحراستها من قبل الشارع أشد.
فهذه الشهادة في سبيل الله من أفضل ما يتقرب به العبد إلى ربه، وتكفر عنه بها الذنوب، ومع ذلك فقد استثنى منها ما يتعلق بحقوق العباد، قال صلى الله عليه وسلم: "القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الدين، كذلك قال لي جبريل عليه السلام آنفًا"[4].
قال القرطبي: قَالَ عُلَمَاؤُنَا ذِكْرُ الدَّيْنِ تَنْبِيهٌ عَلَى مَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالذِّمَمِ، كَالْغَصْبِ وَأَخْذِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَقَتْلِ الْعَمْدِ وَجِرَاحِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّبِعَاتِ، فَإِنَّ كُلَّ هَذَا أَوْلَى أَلَّا يُغْفَرَ بِالْجِهَادِ مِنَ الدَّيْنِ فإنه أشد، والقصاص في هذا كُلِّهِ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ حَسْبَمَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ. رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (يَحْشُرُ اللَّهُ الْعِبَادَ- أَوْ قَالَ النَّاسَ، شَكَّ هَمَّامٌ، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الشَّامِ- عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا. قُلْنَا: مَا بُهْمٌ؟ قَالَ: لَيْسَ معهم شي فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ وَمَنْ بَعُدَ أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الدَّيَّانُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَأَحَدٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَطْلُبُهُ بِمَظْلِمَةٍ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ وَأَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَطْلُبُهُ بِمَظْلِمَةٍ حَتَّى اللَّطْمَةِ. قَالَ قُلْنَا: كَيْفَ وَإِنَّمَا نَأْتِي اللَّهَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا؟. قَالَ: بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ). أَخْرَجَهُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَتَدْرُونَ مَنَ الْمُفْلِسُ؟). قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ. فَقَالَ: (إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خطاياه فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ).
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيِيَ ثُمَّ قُتِلَ ثُمَّ أُحْيِيَ ثُمَّ قُتِلَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مَا دَخَلَ الْجَنَّةَ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ). وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ مَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ). وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ: سُئِلَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: هُوَ صَحِيحٌ.[5].[6]
فتبن بذلك بطلان تلك الصلاة، وأنها من محدثات مرجئة الصوفية الجهال، ذكرناها لئلا يغتر بها أحد من العباد فيستبيح حقوق الآخرين بغير برهان، والله أعلم.

الهوامش:
[1] الغنية، 2/426.
[2] الآثار المرفوعة، ص111، وانظر تقرير بدعيتها في التحديث، ص74.
[3] القصاص والمذكرين، ص312.
[4] أخرجه مسلم (1886- 120) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وأخرجه الترمذي (1640)
[5] تارخ ابن أبي خيثمة، 2801.
[6] تفسير القرطبي، (5/413-414)

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
صلاة الخُصَماءِ من الصلوات المبتدعة المخصوصة لغرض ديني doc
صلاة الخُصَماءِ من الصلوات المبتدعة المخصوصة لغرض ديني pdf

ذات صلة

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى