وجوب طاعة ولاة الأمر

وجوب طاعة ولاة الأمر





الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، ثم أما بعد؛ فقد اتفق السواد الأعظم من المسلمين:

-       على وجوب تعيين الإمام.

-       وعلى وجوب طاعته بالمعروف.

-       وأن الأمة واجب عليها الانقياد لإمام عادل يقيم فيهم أحكام الله والشريعة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

-       ويقيم العدل وينصف المظلومين من الظالمين.

الأدلة على ذلك من القرآن والسنة:

قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]، قال ابن كثير: والظاهر –والله أعلم- أن الآية عامة في جميع أولى الأمر من الأمراء والعلماء.

ووجه الاستدلال من هذه الآية: أن الله سبحانه أوجب على المسلمين طاعة أولي الأمر منهم وهم الأئمة، والأمر بالطاعة دليل على وجوب نصب ولي الأمر.

وعطف طاعة ولي الأمر على طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لأن أولي الأمر لا يفردون بالطاعة بل يطاعون فيما لا معصية فيه لله ورسوله ومن باب أولى ما هو طاعة لله ورسوله.

ومن الأحاديث:

-       عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية"[1].

-       ومن الأحاديث الواردة في الأمر بالطاعة وعدم نكث البيعة والأمر بالصبر على جورهم وإن رأى الإنسان ما يكره حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: "بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله قال إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان"[2].

-       وحديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر عليه فإنه من فارق الجماعة شبرًا فمات إلا مات ميتة جاهلية"[3].

قال المحققون من العلماء، ولزوم طاعته وإن جاروا، فلأنه يترتب على الخروج عن طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات ومضاعفة الأجور، فإن الله تعالى ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل، فعلينا الاجتهاد في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل، قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]

معتقد أهل السنة والجماعة في البيعة والسمع والطاعة:

كانت الجاهلية قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم في فرقة واختلاف وتناحر، يعتدي القوي على الضعيف، فبعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم فوحد الصف ولم الشمل وحذر من الاختلاف قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]

وقال تعالى: { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105]

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أراد بحبوحة الجنة فعليه بالجماعة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الأثنين أبعد"[4].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من خرج عن الجماعة ومات فميتته جاهلية"[5]، ولهذا فإن أهل السنة يحذرون من الفرقة والخلاف والخروج على ولاة الأمر لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وتوعده من فعل ذلك بالوعيد الشديد لأن الجماعة لا تستقيم إلا بإمام تجتمع عليه الكلمة والإمام لا يستقيم له الأمر إلا بالطاعة.

عن عرفجة الأشجعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ويفرق كلمتكم فاقتلوه"[6].

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله: "من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن عصى الأمير فقد عصاني"[7].

وأهل السنة يعتقدون أن وقوع الحكام والأمراء في بعض المعاصي لا يبرر الخروج عليهم، فعن عوف بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئًا من معصية الله فليكره الذي يأتي من معصية الله ولا ينزع يدًا من طاعة"[8].

وأهل السنة يعتقدون أن الطاعة واجبة للأمير التقي والأمير الفاجر لكن لا تجوز طاعتهم في المعصية، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره إلا أن يؤمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة"[9].

عن عبادة بن الصامت قال: "بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في السر والعلن وعلى النفقة في العسر واليسر والأثرة وأن لا ننازع الأمر إلا أن نرى كفرًا بوحًا عندنا فيه من الله برهان"[10].

وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يكون بعدي أمراء فتعرفون وتنكرون فمن أنكر فقد برئ ومن كره فقد سلم ولكن من رضى وتابع، قالوا أفلا ننابذهم بالسيف قال لا ما أقاموا فيكم الصلاة"[11].

ويرى أهل السنة وجوب مناصحة الحكام والأمراء – عن تميم الداري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة قلنا: لمن يا رسول الله قال: لله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم"[12].

وعن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث خصال لا يغل عليهن قلب مسلم، إخلاص العمل لله، والنصيحة لولاة الأمور ولزوم جماعتهم فإن دعوتهم تحيط من ورائهم"[13].

ويرون أنه لا يجوز سبهم وشتمهم والتشهير بهم، وقال الإمام الطحاوي في عقيدته: (ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا ولا ندعوا عليهم ولا ننزع يدًا من طاعتهم فإن طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة ما لم نؤمر بمعصية وندعوا بالصلاح والمعافاة).

وأهل السنة يعتقدون أن النصيحة لولاة الأمر تكون سرًا لا علانية أمام الناس- عن عياض ابن غنيم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية وليأخذ بيده فإن سمع فذاك وإلا أدى الذي عليه"[14].

وأهل السنة يحرمون الخروج على ولاة الأمور إذا لم يسمعوا للنصيحة، ويأمرون بالصبر عليهم.

عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: قلنا يا رسول الله: (أريت أن كان علينا أمراء يمنعونا حقنا ويسألونا حقهم، فقال اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم)، وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ستلقون بعدي أثرة اصبروا حتى تلقوني"[15].

 

الهوامش:

[1] رواه مسلم، كتاب الإمارة، باب الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن وتحذير الدعاة، رقم الحديث: (1851)

[2] رواه البخاري، كتاب الفتن، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (سترون بعدي أمورًا تنكرونها)، رقم الحديث: (7055).

[3] رواه البخاري، كتاب الفتن، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (سترون بعدي أمورًا تنكرونها)، رقم الحديث: (7054).

[4] رواه الترمذي، أبواب الفتن، باب ما جاء في لزوم الجماعة، رقم الحديث: (2165).

[5] رواه أحمد في مسنده، مسند بني هاشم، رقم الحديث: (2487).

[6] رواه مسلم، كتاب الإمارة، باب حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع، رقم الحديث: (1852).

[7] رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب يقاتل من وراء الإمام ويتقي به، رقم الحديث: (2957).

[8] رواه مسلم، كتاب الإمارة، باب خيار الأئمة وشرارهم، رقم الحديث: (1855).

[9] رواه مسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، رقم الحديث: (1839).

[10] رواه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، رقم الحديث: (14653).

[11] رواه مسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع، رقم الحديث: (1854).

[12] رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة، رقم الحديث: (95).

[13] رواه أحمد في مسنده، مسند الأنصار، حديث زيد بن ثابت، رقم الحديث: (21590).

[14] رواه أحمد في مسنده، مسند المكيين، رقم الحديث: (15333).

[15] رواه البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: (اصبروا حتى تلقوني على الحوض)، رقم الحديث: (3792).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
وجوب طاعة ولاة الأمر.doc doc
وجوب طاعة ولاة الأمر.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى