قصة توبة آدم عليه السلام

قصة توبة آدم عليه السلام






الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، ثم أما بعد؛ لما خلق الله آدم عليه السلام وفضله، أتم نعمته عليه، بأن خلق منه زوجه ليسكن إليها، ويستأنس بها، وأمرهما بسكنى الجنة، والأكل منها رغدًا، أي: واسعًا هنيئًا، قال الله تعالى: {وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: 35]، أي: من أصناف الثمار والفواكه، وقال الله له: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى } [طه: 118، 119]، إنما قرن بين الجوع والعري؛ لأن الجوع ذل الباطن، والعري ذل الظاهر، وهذان أيضًا متقابلان، فالظمأ: حر الباطن، وهو العطش، والضحى: حر الظاهر[1]، لأنه ليس في الجنة شمس وأهلها في ظل ممدود والمعنى أن الشبع والري والكسوة والسكن هي الأمور التي يدور عليها كفاف الإنسان.
فذكر الله تعالى حصول هذه الأشياء في الجنة وإنه مكفي لا يحتاج إلى كفاية كاف ولا إلى كسب كاسب كما يحتاج ذلك أهل الدنيا.[2]
قال الله تعالى: {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} يعني للأكل قيل إنما وقع هذا النهي عن جنس الشجرة، الله أعلم بها، وإنما نهاهما عنها امتحانا وابتلاء [أولحكمة غير معلومة لنا] {فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} دل على أن النهي للتحريم، لأنه رتب عليه الظلم.[3]
فلم يزل عدوهما إبليس يوسوس لهما ويزين لهما تناول ما نهيا عنه، حتى أزلهما، أي: حملهما على الزلل بتزيينه، قال الله تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} [الأعراف: 20]، وقال الله تعالى: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف: 21]، وطبعًا صدق الأبوين وغلبت الشهوة في تلك الحال على العقل، فاغترا به وأطاعاه، فأخرجهما مما كانا فيه من النعيم والرغد، وأهبطوا إلى دار التعب والنصب والمجاهدة.
ومن ثم ذهبا إلى الشجرة الملعونة أي المحرمة وأكلا منها أي من ثمارها وعند هذا بدت لهما سواءتهما أي ظهرت لهما عوراتهما المخفاة، وقا الله تعالى: {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} [الأعراف: 22]، أي: ظهرت عورة كل منهما بعد ما كانت مستورة، فصار للعري الباطن من التقوى في هذه الحال أثر في اللباس الظاهر، حتى انخلع فظهرت عوراتهما، ولما ظهرت عوراتهما خجلا وجعلا يخصفان على عوراتهما من أوراق شجر الجنة، ليستترا بذلك.[4]
وفي هذا قال الله تعالى: {فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} [طه: 121]، فخاطبهما الله فقال ألم أنهاكما، عن الأكل من تلك الشجرة، وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو ظاهر، وفي هذا قال الله تعالى: {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ } [الأعراف: 22].
بعد أن عصى آدم عليه السلام أمر ربه فغوى بأكله من ثمار الشجرة المحرمة كان لابد له من التوبة، وألهمه الله إليه التوبة والإنابة والاستغفار، قال الله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 37]، قال الزمخشري: معنى تلقى الكلمات استقبالها بالأخذ والقبول والعمل بها حين علمها.[5]
أما الكلمات التي تلقاها آدم فقد بينها الله عز وجل في قوله: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23]، فحينئذ من الله عليهما بالتوبة وقبولها، فاعترفا بالذنب، وسألا من الله مغفرته فقالا: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، أي: قد فعلنا الذنب، الذي نهيتنا عنه، وأضررنا أنفسنا باقتراف الذنب، وقد فعلنا سبب الخسارة إن لم تغفر لنا، بمحو أثر الذنب وعقوبته، وترحمنا بقبول التوبة والمعافاة من أمثال هذه الخطايا.[6]
الهبوط من الجنة:
بعد أن تاب الله على الأبوين أنزل لهما ما يغطي العورة المكشوفة وهو اللباس أي لباس يستر العورات، وهو لباس الضرورة، ولباس للزينة والتجمل، وهو من الكمال والتنعم، وفي هذا قال الله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى} [الأعراف: 26]، اعلم أن الله عز وجل لما امر آدم وحواء بالهبوط إلى الأرض وجعلها مستقرًا لهم أنزل عليهم كل ما يحتاجون إليه من مصالح الدين والدنيا، فكان مما أنزل عليهم اللباس الذي يحتاج إليه في الدين والدنيا، فأما منفعته في الدين فإنه يستر العورة وسترها شرط في صحة الصلاة، وأما منفعته في الدنيا فإنه يمنع الحر والبر فامتن الله على عباده بأن أنزل عليهم لباسًا يواري سوءاتهم، فقال تعالى: {يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى} يعني لباسًا تسترون به عوراتكم.[7]
وقال الله لهم: اهبطوا إلى الأرض، يعادي بعضكم بعضًا – أي آدم وحواء والشيطان – ولكم في الأرض استقرار وإقامة، وانتفاع بما فيها إلى وقت انتهاء آجالكم، قال الله تعالى: {وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [البقرة: 36]، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: أي: قرار وأرزاق وآجال {إِلَى حِينٍ} أي: إلى وقت مؤقت ومقدار معين، ثم تقوم القيامة.[8]


الهوامش:
[1] تفسير ابن كثير (5/320)
[2] تفسير الخازن (4/383)
[3] تفسير السعدي (1/49)
[4] تفسير السعدي (1/285)
[5] الكشاف (1/83)
[6] تفسير السعدي (1/285)
[7] تفسير الخازن، (3/9)
[8] تفسير ابن كثير (1/236)

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
قصة توبة آدم عليه السلام doc
قصة توبة آدم عليه السلام pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى