الشيطان إبليس لعنه الله من معوقات التوبة الخارجية

الشيطان إبليس لعنه الله من معوقات التوبة الخارجية







الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ثم أما بعد؛ فإن للتوبة معوقات كثيرة، تعيق التائب عن المسارعة بالتوبة، وتؤخره في القيام بها، وتدعوه إلى التريث والتسويف بها، فتمد أمامه الآمال البعاد، لتنسيه الاستعداد ليوم المعاد! وإذا اجتمعت هذه العوائق على الإنسان، وتكالبت عليه، فإنها ستصده عن باب التوبة، وتحول بينه وبين الأوبة، وتغرقه في الذنوب والعصيان، فلا يصحو إلا بعد فوات الأوان، ويبوء بالخيبة والخسران! ومعوقات التوبة كثيرة، يمكن تقسيمها إلى قسمين رئيسين خارجية وداخلية، ومنها:
  • الشيطان إبليس لعنه الله:
فهو المعوق الأول، والمثبط الأكبر، والمخذل الأطول، وهو العدو اللدود، الذي أخرج أبوينا من الجنة، بعد أن أوقعهم في الزلة. ولما كان الشيطان هو العدو اللدود، والمسلط العنيد الذي أخرج أبوينا من الجنة، بعد أن أوقعهما في الخطيئة، وقاسمهما بالله إنه لمن الناصحين، وهو كاذب حقود حسود {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف: 21]، وهو الذي حذرنا الله عز وجل من اتباع خطواته، وبين لنا عدواته في غير موضع من الكتاب العزيز، قال تعالى: {يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا } [الأعراف: 27]، وقال سبحانه: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا } [الإسراء: 53].
هذا الشيطان الذي أقسم بعزة الله تعالى على إغواء الناس وفتنتهم، كما أخبر عنه سبحانه: { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص: 82، 83]، وهذا الشيطان لا يكل ولا يسأم، ولا يفتر ولا يعجز، بل يسلك جميع السبل، ويأتي من شتى المداخل، ويحاول المرة بعد المرة، ليضل الناس ويبعدهم عن طريق الهدى، وليوقعهم في المعصية والغواية: {لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا } [النساء: 118، 119]
وبالجملة فإن الله عز وجل حذرنا من الشيطان في كتابه العزيز في آيات كثيرة، بأساليب متنوعة، مبينًا لنا عدواته وضراوته وخطورته.
فقد تكرر لفظ الشيطان مفردًا وجمعًا في القرآن [88] ثمان وثمانين مرة، بلفظ (الشيطان والشياطين)[1]، وأما لفظ إبليس وحده فقد تكرر أحد عشر مرة [11]، وهذا يبين خطورة هذا العائق وأهمية التحذير منه، وبكشف حيله وأساليب.
وقد وقفت مليًا عند أمر ربنا تبارك وتعالى بعدم اتباع خطوات الشيطان، فوجدته تكرر في مواضع متعددة، للتأكيد على هذه القضية في تصور المسلم وعقيدته، وليكون على بصيرة من أمره.
فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النور: 21]، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: 168]
وقا أيضًا: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: 208]
وقفت مليًا عند هذه الآيات الكريمة، وتساءلت في نفسي، ما هي هذه الخطوات، وهل للشيطان خطوات يتبعها في صرف الناس عن الحق والخير، وإيقاعهم في الضلال والغواية؟! فوجدت خطواته في إغواء الناس متعددة، يتدرج معهم من خطوة إلى أخرى، حتى يوقعهم في شراكه فيصيرون من أتباعه وأوليائه. فالشيطان يجيد المكر والدهاء، ويستعمل الحيلة والخديعة، فلا يأمر العبد بالمعصية مباشرة، ولكن يزينها له خطوة خطوة، ودرجة درجة، حتى ينقله إليها بعد ذلك ويوقعه فيها.
وقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما ما يوضح ذلك، حيث روى ابن الجوزي عن ابن عباس ووهب بن منبه رضي الله عنهم: (أن عابدا كان في بني إسرائيل وكان من أعبد أهل زمانه وكان في زمانه ثلاثة أخوة لهم أخت وكانت بكرا ليس لهم أخت غيرها فخرج البعث على ثلاثتهم فلم يدروا عند من يخلفون أختهم ولا من يأمنون عليها ولا عند من يضعونها قال فأجمع رأيهم على أن يخلفوها عند عابد بني إسرائيل وكان ثقة في أنفسهم فأتوه فسألوه أن يخلفوها عنده فتكون في كنفه وجواره إلى أن يرجعوا1 من غزاتهم فأبى ذلك وتعوذ بالله عز وجل منهم ومن أختهم قال فلم يزالوا به حتى أطاعهم فقال أنزلوها في بيت حذاء صومعتي قال فأنزلوها في ذلك البيت ثم انطلقوا وتركوها فمكثت في جوار ذلك العابد زمانا ينزل إليها بالطعام من صومعته فيضعه عند باب الصومعة ثم يغلف بابه ويصعد إلى صومعته ثم يأمرها فتخرج من بيتها فتأخذ ما وضع لها من الطعام قال فتلطف له الشيطان فلم يزل يرغبه في الخير ويعظم عليه خروج الجارية من بيتها نهارا ويخوفه أن يراها أحد فيعلقها فلو مشيت بطعامها حتى تضعه على باب بيتها كان أعظم لأجرك قال فلم يزل به حتى مشى إليها بطعامها ووضعه على باب بيتها ولم يكلمها قال فلبث على هذه الحالة زمانا ثم جاء إبليس فرغبه في الخير والأجر وحضه عليه وقال لو كنت تمشي إليها بطعامها حتى تضعه في بيتها كان أعظم لأجرك قال فلم يزل به حتى مشى إليها بالطعام ثم وضعه في بيتها فلبث على ذلك زمانا ثم جاءه إبليس فرغبه في الخير وحضه عليه فقال لو كنت تكلمها وتحدثها فتأنس بحديثك فإنها قد استوحشت وحشة شديدة قال فلم يزل به حتى حدثها زمانا يطلع إليها من فوق صومعته قال ثم أتاه إبليس بعد ذلك فقال لو كنت تنزل إليها فتقعد على باب صومعتك وتحدثها وتقعد هي على باب بيتها فتحدثك كان آنس لها فلم يزل به حتى أنزله وأجلسه على باب صومعته يحدثها وتحدثه وتخرج الجارية من بيتها حتى تقعد على باب بيتها قال فلبثا زمانا يتحدثان ثم جاءه إبليس فرغبه في الخير والثواب فيما يصنع بها وقال لو خرجت من باب صومعتك ثم جلست قريبا من باب بيتها فحدثتها كان آنس لها فلم يزل به حتى فعل قال فلبثا زمانا ثم جاءه إبليس فرغبه في الخير وفيما له عند الله سبحانه وتعالى من حسن الثواب فيما يصنع بها وقال له لو دنوت منها وجلست عند باب بيتها فحدثتها ولم تخرج من بيتها ففعل فكان ينزل من صومعته فيقف على باب بيتها فيحدثها فلبثا على ذلك حينا ثم جاءه إبليس فقال لو دخلت البيت معها فحدثتها ولم تتركها تبرز وجهها لأحد كان أحسن بك فلم يزل به حتى دخل البيت فجعل يحدثها نهارها كله فإذا مضى النهار صعد إلى صومعته قال ثم أتاه إبليس بعد ذلك فلم يزل يزينها له حتى ضرب العابد على فخذها وقبلها فلم يزل به إبليس يحسنها في عينيه ويسول له حتى وقع عليها فأحبلها فولدت له غلاما فجاء إبليس فقال أرأيت إن جاء أخوة الجارية وقد ولدت منك كيف تصنع لا آمن أن تفتضح أو يفضحوك فاعمد إلى ابنها فاذبحه وادفنه فإنها ستكتم ذلك عليك مخافة إخوتها أن يطلعوا على ما صنعت بها ففعل فقال له أتراها تكتم إخوتها ما صنعت بها وقتلت ابنها قال خذها واذبحها وادفنها مع ابنها فلم يزل به حتى ذبحها وألقاها في الحفرة مع ابنها وأطبق عليهما صخرة عظيمة وسوى عليهما وصعد إلى صومعته يتعبد فيها فمكث بذلك ما شاء الله أن يمكث حتى أقبل إخوتها من الغزو فجاءوا فسألوه عنها فنعا لهم وترحم عليها وبكاها وقال كانت خير امرأة وهذا قبرها فانظروا إليه فأتى إخوتها القبر فبكوا أختهم وترحموا عليها فأقاموا على قبرها أياما ثم انصرفوا إلى أهاليهم فلما جن عليهم الليل وأخذوا مضاجعهم جاءهم الشيطان في النوم على صورة رجل مسافر فبدأ أكبرهم فسأله عن أختهم فأخبره بقول العابد وموتها وترحمه عليها وكيف أراهم موضع قبرها فكذبه الشيطان وقال لم يصدقكم أمر أختكم إنه قد أحبل أختكم وولدت منه غلاما فذبحه وذبحها معه فزعا منكم وألقاها في حفيرة احتفرها خلف باب البيت الذي كانت فيه عن يمين من دخله فانطلقوا فادخلوا البيت الذي كانت فيه عن يمين من دخله فإنكم ستجدونهما كما أخبرتكم هناك جميعا وأتى الأوسط في منامه فقال له مثل ذلك ثم أتى أصغرهم فقال له مثل ذلك فلما استيقظ القوم أصبحوا متعجبين مما رأى كل واحد منهم فأقبل بعضهم على بعض يقول كل واحد منهم لقد رأيت الليلة عجبا فأخبر بعضهم بعضا بما رأى فقال كبيرهم هذا حلم ليس بشيء فامضوا بنا ودعوا هذا عنكم قال أصغرهم والله لا أمضي حتى آتي إلى هذا المكان فأنظر فيه قال فانطلقوا جميعا حتى أتوا البيت الذي كانت فيه أختهم ففتحوا الباب وبحثوا الموضع الذي وصف لهم في منامهم فوجدوا أختهم وابنها مذبوحين في الحفيرة كما قيل لهم فسألوا عنها العابد فصدق قول إبليس فيما صنع بهما فاستعدوا عليه ملكهم فأنزل من صومعته وقدم ليصلب فلما أوثقوه على الخشبة أتاه الشيطان فقال له قد علمت أني أنا صاحبك الذي فتنتك بالمرأة حتى أحبلتها وذبحتها وابنها فإن أنت أطعتني اليوم وكفرت بالله الذي خلقك وصورك خلصتك مما أنت فيه قال فكفر العابد فلما كفر بالله تعالى خلى الشيطان بينه وبين أصحابه فصلبوه قال ففيه نزلت هذه الآية: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ}).[2]
فهذه خطوات الشيطان، واستدراجاته، والذي يظهر بجلاء ووضح أنه عليه لعنة الله لا ييأس ولا يفتر ولا يتعب، فيتبع الخطوة الخطوة، والمحاولة المحاولة، والخديعة الخديعة، ليصد الناس عن الهدى، وليباعد بينهم وبين الطاعة، وليوقعهم في الخطئية والغواية، ويصرفهم عن التوبة والإنابة.
 

الهوامش:
[1]  انظر المعجم المفهرس لألفاظ القرآن، ص 382- 383.
[2] تلبيس إبليس ص26-29، وبين ابن الجوزي أن لها روايات متعددة أيضًا

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
الشيطان إبليس لعنه الله من معوقات التوبة الخارجية doc
الشيطان إبليس لعنه الله من معوقات التوبة الخارجية pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى