ضوابط منهج الدعوة الإسلامية في الردِّ على الشبهات

ضوابط منهج الدعوة الإسلامية في الردِّ على الشبهات







الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ أما بعد: بعد ما تبيَّن ثبوتُ مشروعية الردِّ على الشبهات، واستبان وجوبُ القيام به، واتضحت مناهج القرآن والسنة ووجوب الأخذ بها، ووجوب الاستفادة من منهاج السلف الصالح والأئمة والعلماء لكشف الشبهات ودرء الباطل وإححقاق الحق وبيان الصواب، كل ذلك هدايةً للبشر.

ولكن وحدها لا تكفي للوصول إلى الغاية المطلوبة، فإن هنالك جملة من الضوابط والقواعد التي يجب تطبيقها عند القيام بالرد على الشبهات وتفنيدها، كما أن هنالك جملة من الآداب ينبغي للقائم بالرد أن يتأدب بها ويلتزم بها - أي الضوابط والقواعد والآداب - تصونه بإذن الله تعالى عن الاضطراب والوقوع في الخلل، وتحفظه من الانحراف عن المنهج القويم السديد؛ ومن أهمها:

1)    الإخلاص في الرد:

الإخلاصُ للهِ سبحانه وتعالى  في الردِّ على شبهات المدعوين، والابتعاد كليًّا عن الرياء أو السمعة أو طلب الجاه أو إظهار الرفعة العلمية، فلا يهدف الداعيةُ من الردِّ على الشبهة إلا إزالتها عن نفس المدعو وهدايته، أو إفحامه بأدلة مفحِمَة ومُلْزِمَة إن كان للحق معاندًا ومكابرًا، وإحقاق الحق وتعزيزه ونصرته.

2)    العلم الغزير بالأدلة الشرعية:

العلم الغزير بالأدلة الشرعية، وورود ذكر الكتاب والسنة على المعتقدات الباطلة والشبهات الضالة السائدة آن ذاك، والاطِّلَاع الواسع العميق على ردود السلف الصالح والأئمة والعلماء على شبهات أهل البدع والكلام والفرق المنحرفة والفلاسفة والمستشرقين.

3)    التعرف على الشبهات وتفاصيلها:

الاطِّلَاع الواسع على الشبهات وأدلتها ومصادرها ومنشئِها، والتعرفُ على الأصول والقواعد التي بَنَى عليها أهلُ الشبهات أفكارَهم وآراءَهم، والمناهجُ التي سلكوها في استدلالهم لإثبات معتقداتهم وآرائهم.

4)    العلم بمناهج الرد وأساليبه الصحيحة:

العلم العميق بمنهاج وأساليب الكتاب والسنة والسلف الصالح، والأئمة والعلماء - القدماء منهم والمعاصرين - في الردِّ على الشبهات وتفنيدها ومناقشة أدلة الخصوم والمعاندين وإبطالها.

فإن غياب هذا الضابط أو الضابط الثاني أو الثالث - المذكورون أعلاه - قد يجعل الداعية القائم بالرد يقع في الفتنة؛ حيث يتأثر ببعض الشبهات فيظن صحتها لعلمه بأدلتها، وعدم علمه ببطلانها والأدلة الشرعية التي تنقضها وتفسدها.

أو يُفتَتَنُ به - أي الداعية - صاحبُ الشبهةِ؛ حيث يتأكد صواب ما هو عليه من الباطل لعدم تمكُّن الداعية من إثبات بطلان ذلك، وعرض الحق والصواب والأدلة الشرعية، وأن يكون سببًا في افتتان الجمهورِ المدعوين؛ حيث يظنون صواب ما عليه صاحبُ الشبهة من المُعْتَقَدِ الباطل، وذلك لعدم قدرته على كشف الباطل وتفنيد الشبهة، وفشله في إحقاق الحق وإثبات الصواب.

5)    تجاهل الرد على الشبهات عديمة التأثير:

تجاهل الرد وعدم الوقوف عند الشبهات عديمة التأثير والواضح تفاهتها؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتجاهل الشبهات الهزلية التافهة ولا يرد عليها.

وأكد القرآن ذلك، وذكر موقفه؛ حيث قال تعالى: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94) قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا} [الإسراء: 90 - 95].

فهذه الشبهة ما هي إلا تعنتات وتعجيزات، وصَدَرَت عن سَفَهٍ، وجُحُودٍ للحقِّ، وسوءِ أدب مع اللهِ، فالرسولُ مُبَلِّغ ليس بيديه الإتيانُ بالآيات من نفسه إلا بأمرِ ربه، فأمره أن ينزهه: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي} عما تقولون علوًّا كبيرًا، فآياته وأحكامه ليست تابعةً لأهوائهم الفاسدة، وآرائهم الضالة([1]).

فـ(سبحانه وتعالى وتقدَّسَ أن يَتَقَدَّم أحدٌ بين يديه في أمورِ سلطانِه وملكوتِه، بل هو الفعالُ لما يشاءُ؛ إن شاءَ أجابَكم إلى ما سألتُم، وإن شاء لم يُجِبْكُم، وما أنا إلا رسولٌ إليكم أُبَلِّغُكُم رسالات ربِّي وأنصحُ لكم، وقد فعلتُ ذلك وأمرُكم فيما سألتُم إلى اللهِ سبحانه وتعالى )([2]).

فحلمُ النبي صلى الله عليه وسلم مع هؤلاء المدعوين تقابل أسئلتهم التعجيزية، وعدم إعراضه عن دعوتهم إلى الحق، والاكتفاء بتجاهل الردِّ على هذه الشبهة الضعيفة التافهة مع بيان ضعفه لكونه بشرًا، موقفٌ حكيمٌ نال من الله قولًا وتسديدًا.

وفي المدينة التي تعددت فيها أصناف المدعوين، نراه صلى الله عليه وسلم يتعامل معهم بغاية الرفق واللين والحلم، ويتجاوز عن بعض شبهاتهم، فالشبهة التي أثارها مثلًا رأس المنافقين عبد الله بن أبي، كانت في غاية الشناعة؛ لعلاقتها بعِرْضِ النبي صلى الله عليه وسلم، وأُمِّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -، ومع ذلك تجاهلها النبي صلى الله عليه وسلم لئلا تتضخم، وتأخذ حجمًا لا تستحقة.

فالداعي يجب أن يدرك بأن الشبهة إن كان سببها عداوة، يحمل صاحبُها حسدًا وضغينة للحقِّ وصاحبه فإن علاجه يطول، فالشبهة ليست منحصرةً دائمًا بِسَوْقِ الأدلة والبراهين حتى تزول، وإنما القضية تتطلب التعامل الحكيم مع الجهد المتواصل والوقت الطويل.

6)    التَّخَلُّق بالأخلاق العالية:

التحلي بالأخلاقِ الإسلاميةِ العاليةِ أثناء القيام بالردِّ مطلوبٌ، وكذلك احترام المخالف في الرأي أو صاحب الشبهة، وعدم الظن في شخصيته أو النيل منه بلمزه أو الاستهزاء به.

7)    تقديم الأدلة النقلية على الأدلة العقلية:

(إذ تقديمُ العقلِ على الأدلةِ الشرعيةِ ممتنعٌ متناقضٌ، أما تقديمُ الأدلةِ الشرعيةِ على العقلِ، فهو ممكنٌ مؤتلفٌ، نُرَحِّبُ الثاني وامتنع الأول)([3]).

إن كثرةَ التناقضِ والاضطرابِ بين الفلاسفةِ وأهلِ الكلامِ الباطلِ عدمُ الاستقرارِ، والاتفاقُ علةُ رأيٍّ واحد، بل ربما من أئمتِهم ورؤسائِهم القولُ، وقال إنه مقطوعٌ به، ثم في كتابٍ آخر يقولُ إنه منقطعٌ بخلافِه، فقول هذا حتى لا يصلح أن تكون معتبرة في الأمور الجزئية، فضلًا عن تقديمها على نصوصِ الأنبياء والمرسلين في الأمور العظيمة من أصول الدين([4]).

8)    الأهم فالمهم:

تقديم الأهم فالمهم من الحجج والبينات والأدلة المفحِمة للخصم بقصد الإقناع وإظهار وجه الصواب([5]).

9)    عدم الإطالة في الاستدلال:

مجانبة إطالة الكلام، وغرابة الألفاظ، أو خروجها عن صلب الموضوع([6]).

10)                      جلب المصالح ودرء المفاسد:

الامتناع عن الرد على الشبهة إن كان يؤدي إلى حدوث فتنة وفساد، أو إلحاق ضرر كبير بالداعية أو المدعو، فالردُّ لا يكون إلا لجلب المصلحة للمدعو ودفع المفسدة عنه، وذلك أخذًا بالقاعدة الأصولية التي تقول: (الشريعةُ جاءت بتحصيلِ المصالح وتكميلِها، وتعطيلِ المفاسد وتقليلِها، وأنها ترجِّحُ خيرَ الخيرين وشرَّ الشرَّيْن، وتحصيلُ أعظمِ المصلحتين بتفويتِ أدناهما، وتُدْفَعُ أعظمُ المفسدتين باحتمالِ أدناهما)([7]).

إذًا يجب ألا تترتب إثر القيام بالردِّ مفسدةُ أكبر من المصلحةِ، فإن أدى إلى مفسدةً أكبر فلا يشرع الردُّ عندئذ، إذ درءُ المفسدةِ الراجحةِ أولى من جلب المصلحة المرجوحة.

11)                      مراعاة حال المدعو:

مراعاة الظروف المحيطة بصاحب الشبهة والبيئة التي يعيشها، واستخدام الأدلة التي تتناسب مع نفسيته وعقليته من خلال المنهج المتوافق مع حاله المستنبط من الكتاب أو السنة، أو المتوافق معهما، إذ الغاية في الإسلام لا تبرر الوسيلة.

12)                      عدم ذكر الشبهات مفصَّلَة عند عامة المدعوين:

مواجهة الشبهات والتشكيك بذكر الشبهة إجمالًا والرد عليها تفصيلًا، حيث لا ينبغي أن تشغل عقول عامة المدعوين بتفصيل الشبهة، وإنما يكون التفصيل بالردِّ الذي يأتي بالجواب الشافي على جوانب الشبهة، مع عدم افتراض الشبهات وتشقيقها([8]).

13)                      تجنب الأحكام القبلية في نيات الخصم([9]).

14)                      الأمانة في نقل الأقوال والتثبت في نسبتها عند الاستدلال بها:

فالصدق والأمانة والنزاهة والتثبت مطلوبة وجوبًا في جميع التعامل وفي كل مجالات الحياة، ولا يُستثنى من ذلك - على أية حال - الردُّ على الشبهة وإبطال رأي الخصم.

15)                      عدم الشدة والغضب:

تجنب الشدة والغضب والعنف على صاحب الشبهة عند الردِّ على شبهته، مهما اشتدت مخالفته للحق، فلعله حريصًا على معرفة الحق ولكن أخطأ الطريق، فهو في حاجة إلى هادٍ ومرشد وليس إلى مقرِّع ومؤنِّب، والمغالبةُ غالبًا والمحاجَّةُ الفظةُ وشدةُ الخصومةِ لا تُذْعِن المخالفَ للحقِّ، وإنما تصرفه عنه وتبعده.

كما يجعل الغضبُ الشديدُ الداعيةَ يفقد توازن العقل، ويصعب عليه ضبط الأفكار بما يجعله يعي في الرد والاستدلال القوي، ولذا يسعى الداعية القائم بالرد على الشبهات للأخذ بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب))([10]).

16)                      إقامة الدليل أمرٌ إلزامي لكلا الفريقين:

يجب أن يدرك الداعي القائم بالرد على الشبهات أنه كما يلزمه الدليل على رأيه، فإنه يلزم مخالفه - صاحب الشبهة - إقامة الدليل على رأيه أيضًا، فليكن اجتهاده، غير مختصر في إقامة الدليل على رأيه فقط، ولكن يشمل مطالبة مخالفه بالأدلة الصحيحة على رأيه أيضًا.

فعلى سبيل المثال؛ إذا قال المستشرق "شاخت": (السنة النبوية هذه لا وجود لها، لأنها من وضع الفقهاء والمحدِّثِين)، ثم أورد بعض الشبهات التي دعته للقول بهذا الرأي، فلا يكن موقفه هو إقامة الدليل على رأيه بأن الأمر على عكس ما ادَّعَاه ثم يسرد أدلته فقط، بل ينبغي أن يطالبه بعد ذلك أو قبله بالأدلة على رأيه، أو ينظر في أدلته ويفنِّدُها.

فإذا احتجَّ على أن السنة النبوية ثابتة وليست من وضع الفقهاء والمحدِّثِين بأدلة؛ منها: الأسانيد التي رويت بها السنة وفق ضوابط المحدِّثِين، وقال له المجادل: هذه الأسانيد لا تثبت ما تقول، لأنها أيضًا موضوعة مكذوبة، فلا يقف عند هذا الحد، وإنما يطالبه بالدليل على زعمه فإنه يعود خاسئًا وهو حسير([11]).

17)                      الرد على الأصول قبل الفروع:

البدء بالردِّ على الشبهات المتعلقة بأصول الدين، إذ الأصول أهم لكونها أسس الدين وعماده، ثم الشبهات المتعلقة بالفروع والجزئيات غالبًا ما تزول بزوال الشبهات المتعلقة بالأصول، وإن بقيت فتسهل إزالتها إذا تم التسليم للأصول من قِبَلِ المدعوين من أهل الشبهات.

18)                      الاعتراف بالحق:

الاعتراف بالحق ولو جاء على لسان الخصم، فالاعتراف بالحق لا يضرُّ الحقَّ الذي مع الداعي، ولا يُضْعِفُ رأيه ولا يُبطل حجته، بل إنه مما يقويه ويعظِّمُه في نظر المدعوين بما نسبه صاحب الشبهة أو خصمه ومخالفه.

19)                      الحجة في مجموع الأدلة وليست في دليل واحد:

تفنيد دليل واحد من أدلة الداعي أو إبطاله من جانب المخالف لا يعني أنه هو المنتصر، وأن رأيه هو الراجح، لأن ذلك لا يكفي حتى يسري البطلانُ على سائر أدلة الداعي، لأن الحجة ليست مختصرة في دليلٍ واحد من الأدلة، بل الحجةُ في مجموع تلك الأدلة، بل من الخير للداعي أن لا يتمسك بالدليلِ الضعيف، فإنه بهذا قد يُضْعِفُ الثقة بدليله القوي([12]).

20)                      وضع الدليل في موضعه:

التأكدُ من صحة استدلال أهل الشبهات بالدليلِ الصحيح، وعدم الغفلة عما صحَّ من أدلتهم بأنها قد وُضِعَت في موضعها الصحيح، فما أكثر هؤلاء الذين ينثرون الشبهات، ويسعون إلى إثبات شبهاتهم عن طريق الاستدلال الخاطئ بالدليل الصحيح.

21)                      الرجوع إلى قواعد أصول الفقه واللغة:

الرجوع إلى قواعد أصولِ الفقه ومنهج الاستنباط وقواعد اللغة وأساليبها، ودلالاتها على المعاني ومراعاة ذلك كله، والاستفادة منه في باب الردود([13]).

22)                      صريح العقل لا يخالفه السمع:

إن ما عُلِمَ بصريح العقل لا يُتصور أن يعارضه الشرعُ البتة، بل المنقولُ الصحيحُ لا يعارضه معقولٌ صريحٌ قط، وما يخالفُ النصوصَ الشرعيةَ الصريحةَ شبهاتٌ فاسدةٌ يُعلَمُ بالعقلِ بطلانها، بل يُعلمُ بالعقلِ ثبوت نقيضها الموافق للشرع([14]).

23)                      عدم الاحتجاج بالقدر:

(الاحتجاجُ بالقدرِ حجةٌ داحضةٌ باطلةٌ باتفاقِ كلِّ ذي عقلٍ ودينٍ من جميعِ العالمين، والمحتجُّ به لا يقبل من غيره هذه الحجةَ إذا احتجَّ بها في ظلمِه إياه وترك ما يجبُ عليه من حقوقِه، بل يطلبُ منه ما له وعليه، ويعينه على عداوته عليه، وإنما هو جنس شُبَهِ "السوفسطائة" التي تعرض في العلوم.

ولا يحتجُّ به أحدٌ إلا مع عدم علمِه بالحجةِ بما فعله، فإذا كان معه علمٌ بأن ما فعله عن المصلحةِ وهو المأمورُ وهو الذي ينبغي فعله لم يحتجَّ بالقدر، وكذلك إذا كان معه علمٌ بأن الذي لم يفعلْه ليس عليه أن يفعلَه أو ليس بمصلحةٍ أو ليس هو مأمورًا به، ولم يحتجَّ بالقدر، بل كان متبعًا لهواه بغير علم احتجَّ بالقدر)([15]).

24)                      عدم التكفير:

عدم تكفير صاحب الشبهة، لو كانت الشبهة كفرًا إنه كان قالها مع الجهل والتأويل، إذ (لا يلزمُ إذا كان القولُ كفرًا أن يكفر كلُّ من قاله مع الجهلِ والتأويلِ، فإن ثبت ُ في حق الشخصِ المعينِ، كثبوتِ الوعيدِ في الآخرةِ في حقِّه، وذلك له شروط وموانع)([16]).

25)                      عدم إدخال المنطق في العلوم الصحيحة:

(إدخالُ المنطق في العلومِ الصحيحةِ يطوِّلُ العبارةَ فيها، ويُبْعِدُ الإشارةَ، ويجعلُ القريبَ من العلم بعيدًا واليسرَ منه عسيرًا، ولا يفيد إلا كثرةَ الكلامِ والتدقيق مع قلَّةِ العلمِ والتحقيقِ، فعلم أنه من أعظم حشوِ الكلامِ وأبعد الأشياءِ عن طريقِ ذوي الأحلام)([17]).

26)                      الإعراض عن الحجة لا يمنعها من القيام:

(حجةُ اللهِ برسلِه قامت بالتمكنِ من العلمِ، فليس من شرطِ حجيةِ اللهِ علمُ المدعين بهما، ولهذا لم يكن إعراضُ الكفارِ عن استماعِ القرآنِ وتدبره مانعًا من قيامِ حجةِ اللهِ عليهم، وكذلك إعراضُهم عن المنقولِ عن الأنبياء وقراءة الآثارِ المأثورةِ عنهم، وإعراضُ أهلِ البيشات من الأدلةِ الشرعيةِ الثابتةِ ولا يمنع الحجة إذ المكنة حاصلة)([18]).

27)                      المقدمات ليست بلازمة:

لا يلزم للعلم من المقدمات إلا ما يحتاج إليه واحدة أو اثنتين أو أكثر بحسب المقام والعبارة، لا كما زعمه الفلاسفة، أنه يحتاج إلى مقدمتين فقط، لا أقل ولا أكثر([19]).

28)                      النظر في العلوم الدقيقة:

النظر في العلوم الدقيقة يفتق الذهن ويدربه ويقويه على العلم، ولهذا كان كثيرٌ من علماء السنة يرغب في النظر في العلوم الصادقة الدقيقة؛ كالجبر والمقابلة، وعويص الفرائض الوصايا، لشحذ الذهن، فإنه علم صحيح في نفسه ولهذا يُسمى الرياضي والرياضة ثلاثة أنواع:

1-رياضة الأبدان بالحركة والمشي.

2- ورياضة النفوس بالأخلاق الحسنة المعتدلة والآداب المحمودة.

3- ورياضة الأذهان بمعرفة دقيق العلم والبحث عن الأمور الغامضة.

ويُروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (إذا لهوتم فالهوا بالرمي، وإذا تحدثتم فتحدثوا بالفرائض)([20]).

29)                      لا حجة للفلاسفة لتكذيب الأنبياء:

لا يعرف الفلاسفة ما جاء به الرسل - عليهم الصلاة والسلام - من أخبار وحقائق، بل كفارُ اليهود والنصارى بعد النسخِ والتبديلِ أعلمُ منهم بالأمور الإلهية، لا فرق بين العلوم النقلية والعقلية الصحيحة التي جائت بها الرسل، فهذه العقبات الدينية الشرعية الإلهية هي التي لم يشموا رائحتها، ولا في علومهم ما يدلُّ عليها، وأما ما اختصت الرسلُ بمعرفتِه وأخبرت به من الغيب فذاك أمرٌ عظيم من أن يذكر في ترجيحه على الفلاسفة.

فإذا كان أشرف العلوم لا سبيل للفلاسفة إلى معرفتها بطريقهم، كما قرر وتقرر واعترفوا به لزوم أمران:

أحدهما: أنه لا حجة لهم على ما يكذِّبُون به مما ليس في قياسٍ دليلٌ عليه.

ثانيهما: أن ما علموه خسيسٌ بالنسبة إلى ما جهلوا، فكيف إذا علم أنه لا يفيد النجاة ولا السعادة، والرسول أخبر عن أمور معينة: مثل نوح وخطابه لقومه وأحواله المعينة، ومثل موسى وعيسى عليهما السلام وأحوالهما المعينة، وليس شيء من ذلك يمكن معرفته بقياسهم ولا برهانهم ولا غيره([21]).

30)                      البحث عن الحق وإيصاله:

ينبغي للمدعو أن يكون طالبًا للحق، وينبغي للداعي أن يكون حريصًا على الحق المدعو وإزالة الشبهة عنه، وينبغي لطالب الحق الداعي إليه تجنب الخطأ الشائع وهو الالتفات ليرد أحدهما في الآخر دون أن يكون هدفهما البحث عن الحق والصواب.



الهوامش

([1]) تيسير الكريم الرحمن، الشيخ عبد الرحمن السعدي، ص(417).

([2]) تفسير القرآن العظيم، الإمام ابن كثير، (3/1695،1696).

([3]) الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، ابن القيم، (3/882).

([4]) طريق الوصول إلى العلم المأمول، الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، ص(69)، ط 1، 1416هـ-1995م.

([5]) رسائل الدعوة، د.عبد الرحيم بن محمد، ص(99)، ط1، 1420هـ -2000م.

([6]) المرجع السابق، ص(99).

([7]) مجموع الفتاوى، الإمام ابن تيمية، (20/48).

([8]) الإسلام في مواجهة التحديات، د.محمد رأفت سعيد، ص(126).

([9]) منهج شيخ الإسلام ابن تيمية في الدعوة إلى الله، رسالة الدكتوراه، عبد الله بن رشيد بن محمد الحوثاني، ص(629).

([10]) رواه البخاري، كتاب الأدب، باب الحذر من الغضب، (6114)، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل من يملك نفسه عند الغضب وبأي شيء يذهب الغضب، (2609).

([11]) قواعد ومنطلقات في أصول الحوار ورد الشبهات: د.عبد الله بن ضيف الله الرحيلي، ص(19،20)، بتصرف.

([12]) المرجع السابق، ص(34).

([13]) المرجع السابق، ص(95)، بتصرف يسير.

([14]) طريق الوصول إلى العلم المأمول، الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، ص(67).

([15]) المرجع السابق، ص(87:88).

([16]) المرجع السابق، ص(96).

([17]) المرجع السابق، ص(104).

([18]) المرجع السابق، ص(166)، بتصرف يسير.

([19]) الرد على المنطقيين، الإمام ابن تيمية، ص(239/241)، وطريق الوصول إلى العلم المأمول، الشيخ عبد الرحمن السعدي، ص(167).

([20]) المرجع السابق، (255).

([21]) الرد على المنطقيين، الإمام ابن تيمية، ص(445،446)، وطريق الوصول إلى العلم المأمول للشيخ عبد الرحمن لسعدي، ص(171،17).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
ضوابط منهج الدعوة الإسلامية في الردِّ على الشبهات.doc doc
ضوابط منهج الدعوة الإسلامية في الردِّ على الشبهات.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى