لوازم الخوف من الله

لوازم الخوف من الله







الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد، إن الخوف بشكل عام له مظاهر وصور وأشكال شتى، ولكن الخوف من اللهِ لابد أن يتخذ شكلًا خاصًّا حتى يدخل بابَ التعبد، فهو ليس كالخوف الطبيعي؛ رعبًا، وفزعًا، وهربًا، وإعراضًا، ولا هو مجرد شكل خارجي؛ صيحة، أو بكاء، أو ارتجافًا.
فهذه الأشكال مالم تكن وراءها نتائج ملموسة من فعلِ المأمور والمسارعة في الخيرات وكثرة الطاعات، ويدفع إلى الابتعاد والحذر الشديد عن الوقوع في المحرمات؛ لا يُعَدُّ خوفًا من الله، كذلك إذا تجاوز الخوفُ حدَّه بحيث أوصل صاحبَه إلى اليأس والقنوط؛ فإنه يكون حينئذٍ مذمومًا وغير مشروع.
إذًا؛ لابد من مراعاة هذين الجانبين في الخوف حتى تنتج عنه نتائج ملموسة، وأن لا يصل بصاحبه إلى اليأس والقنوط، وهذان الجانبان هما من لوازم الخوف.
الأول: أن الخوفَ يحملُ الإنسان على اجتنابِ محارم الله، والتزام شريعته ظاهرًا وباطنًا([1]):
وقد أسلفنا أن الناظر والمتأمل في الآيات التي تتحدث عن الخوف، كلها تقصد هذا الجانب المهم وهو ثمرة الخوف، لأن المقصود من الخوف هو الزجر والمنع من الخروج عن طريق المحبوب وهو الله سبحانه وتعالى.
وقد مَثَّلَ شيخُ الإسلام لذلك بِمَثَل - كيف يكون الخوف سببًا لإعطاء حقوق الناس وعدم ظلمهم -، قال رحمه الله: (فَمَنْ عَبَدَ اللهَ وأحسنَ إلى الناسِ فهذا قائمُ بحقوق اللهِ، وحقُّ عبادِ اللهِ في إخلاص الدينِ له، ومن خافَ اللهَ فيهم ولم يخفْهم في اللهِ كان مُحْسِنًا إلى الخلقِ وإلى نفسه، فإن خوفَ اللهِ يحملُه على أن يعطيهم حقَّهم ويكفَّ عن ظلمهم، ومن خافهم ولم يخفْ اللهَ فهذا ظالمٌ لنفسه ولهم، حيث خافَ غيرَ اللهِ ورجاه، فإن الإنسان إذا لم يخفْ من اللهِ اتبع هواه)([2]).
الثاني: أن الخوف لابد أن يقترن بالرجاء، حتى لا يؤدي إلى اليأس والقنوط:
فإذا غلبَ على المرءِ الرجاءُ وحده ربما حمله على الأمن من عذاب الله وسطوته، وكذلك إذا غلب على المرءِ الخوفُ وحده ربما حمله على اليأس والقنوط من رحمة الله([3])؛ وقد قال الله تبارك وتعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر 53].
يقول شيخ الإسلام في كلامه عن هذه الآية: (فيه نهيٌ عن القنوط من رحمة الله تعالى، وإن عظمت الذنوب وكثرت، فلا يحل لأحدٍ أن يقنط من رحمة الله وإن عظمت ذنوبه، ولا أن يُقَنِّطَ الناسَ من رحمة الله، قال بعضُ السلف: إن الفقيه كل الفقه الذي لا يُؤيِّس الناسَ من رحمةِ الله، ولا يُجَرِّئُهم على معاصي الله)([4]).
 

الهوامش:
([1]) أعمال القلوب وأثرها في الإيمان، د.محمد دوكوري، ص(205).
([2]) مجموع فتاوى ابن تيمية، (1/54-55)، باختصار.
([3]) مسألة الجمع بين الخوف والرجاء.
([4]) مجموع فتاوى ابن تيمية، (16/19-20).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
لوازم الخوف من الله doc
لوازم الخوف من الله pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى