أسباب الخوف من الله

أسباب الخوف من الله







الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، ثم أما بعد؛ فقد تقدم بأن اللهَ أمرَ بالخوف، وأثنى على من اتصف به، بل وجعل الخوفَ شرطًا في صحة الإيمان، كما بيَّنَّا أيضًا أن الخوف هو الدافع إلى فعل المأمور وترك المحظور.
زيارة المرضى والمقابر:
زيارة المرضى والمصابين والمقابر؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم حين ندب إلى زيارةِ المقابر إنما هو لِمَا يحصل لدى الإنسان من الخوف الذي يُذَكِّرُه بالآخرة؛ عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنِّي كنتُ نهيتُكم عن زيارةِ القبورِ فزوروها فإنها تُذَكِّرُ الآخرةَ، ونهيتُكم عن نبيذِ الجر فانتبذوا في كلِّ وعاءٍ، واجتنبوا كلَّ مُسْكِر، ونهيتكُم عن أكلِ لحومِ الأضاحي بعدَ ثلاثٍ فكُلُوا وتزودوا وادَّخِرُوا))([1]).
قال هانئ مولى عثمان: ((كان عثمان إذا وقف على قبرٍ بكى حتى يبل لحيته، فقيل له: تذكرُ الجنةَ والنارَ فلا تبكي، وتبكي من هذا؟! فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ القبرَ أولُ منازل الآخرةِ، فإن نجا منه فما بعدَه أيسر منه، وإنْ لم يَنْجُ منه فما بعده أشد منه))([2])، فتذكر الموت وما فيه من الألم والسكرات فإنه مما يدفع إلى الخوف من الله.
مجالسة الصالحين والاستماع لنصائحهم:
فالجليس لا يخفى أثرُه سلبًا أو إيجابًا على أحدٍ، فمجالسة الخائفين تورث الخوفَ من الله، ومجالسة الغافلين تورث الغفلة عن الله.
الشعور بالتفريط في جنب الله، والخوف من عدم قبول التوبة:
قال ابن القيم: (العبدُ إما أن يكون مستقيمًا أو مائلًا عن الاستقامةِ، فإن كان مائلًا عن الاستقامةِ فخوفُه من العقوبةِ على ميلِه، ولا يصح الإيمانُ إلا بهذا الخوف، وهو ينشأُ من ثلاثة أمور؛ أحدها: معرفته بالجناية وقبحها، والثاني: تصديق الوعيد وأنَّ اللهَ رَتَّبَ على المعصية عقوبتها، والثالث: أنه لا يعلم لعله يُمْنَع من التوبة ويُحْال بينه وبينها إذا ارتكب الذنبَ، فبهذه الأمور الثلاثة يتم له الخوف، وبحسب قوتها وضعفها تكون قوة الخوف وضعفه.
فإن الحامل على الذنب إما أن يكون عدم علمه بقبحِه، وإما عدم علمه بسوء عاقبته، وإما أن يجتمع له الأمران لكن يحمله عليه اتكاله على التوبة، وهو الغالبُ من ذنوبِ أهل الإيمان، فإذا علمَ قبحَ الذنب وعلمَ سوء مغبته وخافَ أن لا يُفتح له باب التوبة، بل يُمنعها ويُحال بينه وبينها؛ اشتد خوفُه هذا قبل الذنب، فإذا عمله كان خوفُه أشد)([3]).
وقال الغزالي - رحمه الله -: (الخوفُ من اللهِ تعالى تارةً يكون لمعرفةِ الله تعالى ومعرفة صفاته، وأنه لو أَهْلَكَ العالمين لم يبالِ ولم يمنعه مانع، وتارةً يكونُ لكثرةِ الجناية من العبد بمقارفة المعاصي، وتارةً يكون بهما جميعًا، وبحسب معرفته بعيوب نفسه ومعرفته بجلال الله تعالى واستغنائه، وأنه لا يُسئل عما يفعل وهم يُسئلون، فتكون قوة خوفه، فأخوفُ الناسِ لربِّه أعرفُهم بنفسِه وبربِّه)([4]).
وقال ابنُ بطال: (ينبغي أن يكون المؤمن عظيمَ الخوفِ من اللهِ تعالى، من كلِّ ذنبٍ صغيرًا كان أو كبيرًا؛ لأن اللهَ تعالى قد يعذب على القليلِ، فإنه لا يُسْأَلُ عما يفعلُ سبحانه وتعالى)([5]).


الهوامش:
([1]) رواه أحمد في مسنده، (23055)، تعليق شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح وهذا إسناد قوي رجاله ثقات رجال الشيخين، غير عطاء الخراساني، وهو ابن مسلم، فقد أخرج له مسلم متابعةً.
([2]) رواه الترمذي، (2308)، وابن ماجه، (4267)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع، (1684).
([3]) طريق الهجرتين، ابن القيم، (1/424).
([4]) إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالي، (4/155-156).
([5]) فتح الباري، ابن حجر، (11/106).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
أسباب الخوف من الله doc
أسباب الخوف من الله pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى