مطالعة آيات الوعيد وأحوال القيامة من أسباب الخوف

مطالعة آيات الوعيد وأحوال القيامة من أسباب الخوف






الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد على أفضل الصلاة وأتم التسليم ثم أما بعد؛ فقد تقدم بأن اللهَ أمرَ بالخوف، وأثنى على من اتصف به، بل وجعل الخوفَ شرطًا في صحة الإيمان، كما بيَّنَّا أيضًا أن الخوف هو الدافع إلى فعل المأمور وترك المحظور، ومن الأسباب التي تجلب الخوف وتحركه هي مطالعة آيات الوعيد، والزجر، والعرض، والحساب؛ يقول شيخ الإسلام - رحمه الله -: (وكذلك الخوف تحركه مطالعةُ آيات الوعيد، والزجر، والعرض والحساب ونحوه)([1]).
يقول تبارك وتعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59]؛ فإنه سبحانه وتعالى يقول: (وما نرسلُ بالعبر والذكر إلا تخويفًا للعباد، قال قتادة: إن اللهَ يُخَوِّفُ الناسَ بما شاء من آيات لعلهم يعتبرون أو يَذَّكَرون أو يرجعون، ذُكِرَ لنا أن الكوفة رجفت على عهدِ ابنِ مسعود رضي الله عنه؛ فقال: يا أيها الناس، إنَّ ربَّكُم يستعتبكم فأعتبوه.
وكذا قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه لما ماتَ ابنُه ابراهيم: ((إنَّ الشمسَ والقمرَ لا ينكسفان لموتِ أحدٍ مِنَ الناسِ، ولكنَّ اللهَ يُخَوِّفُ بهما عبادَه، فإذا رأيتُم ذلك فادعوا اللهَ وَكَبِّرُوا وَصَلُّوا وتصدقوا، ثم قال: يا أمة محمد، واللهِ ما مِنْ أحدٍ أغيرُ مِنَ اللهِ أنْ يزنِي عبدُه أو تزنِي أمتُه، يا أمة محمد، واللهِ لو تعلمون ما أعلمُ لَضَحِكْتُم قَليلًا ولَبَكيتُم كَثيرًا))([2]))([3]).
يقول شيخ الإسلام في كلامه عن هذا الحديث: (وهذا بيانٌ منه صلى الله عليه وسلم أنهما سبب لنزول عذابِ الناس، فإنَّ اللهَ إنما يُخَوِّفُ عباده بما يخافونه إذا عصوه وعصوا رُسُلَه، وإنما يخاف الناسُ مما يضرهم، فلولا إمكان حصول الضرر بالناس عند الخسوف ما كان ذلك تخويفًا؛ قال تعالى: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59]، وأمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بما يزيلُ الخوفَ، أمرَ بالصلاة والدعاء والاستغفار والصدقة والعتق حتى يُكْشَف ما بالناس، وصلَّى بالمسلمين في الكسوفِ صلاةً طويلة)([4]).
التفكر في أطوار خلق الإنسان وما بث في الكون من آياتٍ بيناتٍ؛ قال تعالى: {مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا * أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا * وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا} [نوح: 13-18].
قال القرطبي - رحمه الله -: {مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} (قيل: الرجاء هنا بمعنى الخوف، أي: ما لكم لا تخافون للهِ عظمةً وقدرةً على أحدكم بالعقوبة، أي: عذر لكم في ترك الخوف من الله، وقال سعيد بن جبير وأبو العالية وعطاء بن أبي رباح: ما لكم لا ترجعون للهِ ثوابًا ولا تخافون له عقابًا)([5]).
مطالعة أحوال القيامة:
وأما مطالعة أحوال القيامة التي ذكر شيخ الإسلام أنها من محركات الخوف، فأكتفي بِذِكر آيةٍ من كتاب الله، يقول تبارك وتعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} [الإنسان: 8-11]، أي وهم في حال يحبون فيها المال والطعام، لكنهم قدموا محبةَ اللهِ على محبة أنفسهم، ويتحرون في إطعامهم أولى الناس وأحوجهم.
(ويقصدون بإنفاقهم وإطعامهم وجهَ الله تعالى، لا يريدون جزاءً ولا شكورًا، بل يفعلون ذلك خوفًا من ربِّهم من يوم طويل عبوس، شديد هوله، عظيم أمره، تعبس فيه الوجوه من شدة المكروهات التي تراها، ويطول بلاء أهله ويشتد، إنه يوم عصيب، نسألُ اللهَ السلامة في ذلك اليوم؛ فلا يحزنهم الفزعُ الأكبر، فآمنهم اللهُ مما خافوا منه، وأعطاهم حُسْنًا في وجوههم، وسرورًا في قلوبهم، فجمعَ اللهُ لهم بين نعيم الظاهر والباطن)([6]).


الهوامش:
([1]) مجموع فتاوى ابن تيمية، (1/96).
([2]) رواه البخاري، كتاب الكسوف، باب الصدقة في الكسوف، ومسلم، ص(349)
([3]) تفسير ابن كثير، (3/68)، وتفسير الطبري، (13/109)، وتفسير السعدي، ص(461).
([4]) مجموع فتاوى ابن تيمية، (24/259).
([5]) تفسير القرطبي، (18/261).
([6]) انظر: تفسير الطبري، (21/468)، وتفسير ابن كثير، (4/584-585)، وتفسير السعدي، ص(901).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
مطالعة آيات الوعيد وأحوال القيامة من أسباب الخوف doc
مطالعة آيات الوعيد وأحوال القيامة من أسباب الخوف pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى