الهدي النبوي في تفاضل العبادات حسب الأوقات

الهدي النبوي في تفاضل العبادات حسب الأوقات



 

قال الغزالي في الإحياء: "إن الله سبحانه إذا أحب عبداً استعمله في الأوقات الفاضلة بفواضل الأعمال، وإذا مقته استعمله في الأوقات الفاضلة بسيئ الأعمال؛ ليكون ذلك أوجع في عقابه وأشد لمقته؛ لحرمانه بركة الوقت، وانتهاكه حرمة الوقت"[1]
وقال ابن القيم في المدارج: "الصنف الرابع، قالوا: إن أفضل العبادة العمل على مرضاة الرب في كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته.
فأفضل العبادات في وقت الجهاد: الجهاد، وإن آل إلى ترك الأوراد: من صلاة الليل وصيام النهار، بل ومن ترك إتمام صلاة الفرض، كما في حالة الأمن.
 والأفضل في وقت حضور الضيف مثلا: القيام بحقه، والاشتغال به عن الورد المستحب، وكذلك في أداء حق الزوجة والأهل.
 والأفضل في أوقات السحر: الاشتغال بالصلاة والقرآن، والدعاء والذكر والاستغفار.
 والأفضل في وقت استرشاد الطالب، وتعليم الجاهل: الإقبال على تعليمه والاشتغال به.
 والأفضل في أوقات الأذان: ترك ما هو فيه من ورده، والاشتغال بإجابة المؤذن.
 والأفضل في أوقات الصلوات الخمس: الجد والنصح في إيقاعها على أكمل الوجوه، والمبادرة إليها في أول الوقت، والخروج إلى الجامع، وإن بعُدَ كان أفضل.
 والأفضل في أوقات ضرورة المحتاج إلى المساعدة بالجاه، أو البدن، أو المال: الاشتغال بمساعدته، وإغاثة لهفته، وإيثار ذلك على أورادك وخلوتك.
 والأفضل في وقت قراءة القرآن: جمعية القلب والهمة على تدبره وتفهمه، حتى كأن الله تعالى يخاطبك به، فتجمع قلبك على فهمه وتدبره، والعزم على تنفيذ أوامره أعظم من جمعية قلب من جاءه كتاب من السلطان على ذلك.
 والأفضل في وقت الوقوف بعرفة: الاجتهاد في التضرع والدعاء والذكر دون الصوم المضعف عن ذلك.
 والأفضل في أيام عشر ذي الحجة: الإكثار من التعبد، لاسيما التكبير والتهليل والتحميد، فهو أفضل من الجهاد غير المتعين.
 والأفضل في العشر الأخير من رمضان: لزوم المسجد فيه والخلوة والاعتكاف دون التصدي لمخالطة الناس والاشتغال بهم، حتى إنه أفضل من الإقبال على تعليمهم العلم، وإقرائهم القرآن، عند كثير من العلماء.
 والأفضل في وقت مرض أخيك المسلم أو موته: عيادته، وحضور جنازته وتشييعه، وتقديم ذلك على خلوتك وجمعيتك.
 والأفضل في وقت نزول النوازل وأذاة الناس لك: أداء واجب الصبر مع خلطتك بهم، دون الهرب منهم، فإن المؤمن الذي يخالط الناس ليصبر على أذاهم أفضل من الذي لا يخالطهم ولا يؤذونه.
 والأفضل خلطتهم في الخير، فهي خير من اعتزالهم فيه، واعتزالهم في الشر، فهوأفضل من خلطتهم فيه، فإن علم أنه إذا خالطهم أزاله أو قلله فخلطتهم حينئذ أفضل من اعتزالهم.
 والأفضل في أيام عشر ذي الحجة: الإكثار من التعبد، لاسيما التكبير والتهليل والتحميد، فهو أفضل من الجهاد غير المتعين.
 والأفضل في العشر الأخير من رمضان: لزوم المسجد فيه والخلوة والاعتكاف دون التصدي لمخالطة الناس والاشتغال بهم، حتى إنه أفضل من الإقبال على تعليمهم العلم، وإقرائهم القرآن، عند كثير من العلماء.
 والأفضل في وقت مرض أخيك المسلم أو موته: عيادته، وحضور جنازته وتشييعه، وتقديم ذلك على خلوتك وجمعيتك.
 والأفضل في وقت نزول النوازل وأذاة الناس لك: أداء واجب الصبر مع خلطتك بهم، دون الهرب منهم، فإن المؤمن الذي يخالط الناس ليصبر على أذاهم أفضل من الذي لا يخالطهم ولا يؤذونه.
 والأفضل خلطتهم في الخير، فهي خير من اعتزالهم فيه، واعتزالهم في الشر، فهوأفضل من خلطتهم فيه، فإن علم أنه إذا خالطهم أزاله أو قلله فخلطتهم حينئذ أفضل من اعتزالهم.
 فالأفضل في كل وقت وحال: إيثار مرضاة الله في ذلك الوقت والحال، والاشتغال بواجب ذلك الوقت ووظيفته ومقتضاه " [2].
وقال ابن الجوزي في صفة الصفوة: "عبد الله بن وهب قال: سمعت مالك بن أنس يقول: "ليس العلم بكثرة الرواية، وإنما هو نور يضعه الله في القلب"، وعنه: قيل لمالك بن أنس: "ما تقول في طلب العلم؟"قال: "حسن جميل، ولكن انظر إلى الذي يلزمك من حين تصبح إلى حين تمسي فالزمه "[3].
 وقال ابن عبد البر في التمهيد: "وكان الصحابة - رضي الله عنهم - وهم الذين خوطبوا بهذا الخطاب - لم يكن منهم من يحفظ القرآن كله ويكمله على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا قليل، منهم: أبي بن كعب، وزيد ابن ثابت، ومعاذ بن جبل، وأبو زيد الأنصاري، وعبد الله بن مسعود، وكلهم كان يقف على معانيه ومعاني ما حفظ منه، ويعرف تأويله، ويحفظ أحكامه، وربما عرف العارف منهم أحكاماً من القرآن كثيرة وهو لم يحفظ سورها، قال حذيفة بن اليمان: "تعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، وسيأتي قوم في آخر الزمان يتعلمون القرآن قبل الإيمان"، ولا خلاف بين العلماء في تأويل قول الله عز وجل {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ} {البقرة: 121} أي يعملون به حق عمله، ويتبعونه حق اتباعه، قال عكرمة: "ألم تستمع إلى قول الله عز وجل: {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا} {الشمس: 2}، أي: تبعها".
 وفي هذا الحديث دليل على أن من لم يتعاهد علمه ذهب عنه، أي: من كان؛ لأن علمهم كان ذلك الوقت القرآن لا غير، وإذا كان القرآن الميسر للذكر يذهب إن لم يتعاهد، فما ظنك بغيره من العلوم المعهودة، وخير العلوم ما ضبط أصله، واستذكر فرعه، وقاد إلى الله تعالى، ودل على ما يرضاه "[4].
 وقال أيضا: "وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معلماً، وكانوا يسألونه؛ لأنهم كانوا خير أمة كما قال الله عز وجل، فالواجب على المسلم مجالسة العلماء إذا أمكنه، والسؤال عن دينه جهدَه، فإنه لا عذر له في جهل ما لا يسعه جهله، وجملة القول أن لا سؤدد ولا خير مع الجهل"[5].
 قال أبو محمد: وأعظم ما يدل على الله أن تطلب العلم لله، ومن طلب العلم لله فالقليل يكفيه كما قاله العلماء، فاحرص على حضور مجالس العلم ومجالسة أهله على الحقيقة تفلح.
 وقال في التمهيد ما نصه: "والبكور إلى مجلس العالم كالبكور إلى الجمعة في الفضل إن شاء الله"[6].
 
المراجع:
[1] إحياء علوم الدين (1/118).
[2] مدارج السالكين(1/109).
[3] صفة الصفوة(1/397).
[4] التمهيد(14/133).
[5] التمهيد(14/77).
[6] التمهيد(1/316).

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى