الخضر عليه السلام في المعتقد الصوفي

الخضر عليه السلام في المعتقد الصوفي



 

     قصة الخضر عليه الصلاة والسلام التي وردت في القرآن في سورة الكهف، ووردت في السنة في البخاري وغيره، حرّف الصوفية معانيها وأهدافها ومراميها وجعلوها عموداً من أعمدة العقيدة الصوفية، فقد جعلوا هذه القصة دليلاً على أن هناك ظاهراً شرعياً، وحقيقة صوفية تخالف الظاهر، وجعلوا إنكار علماء الشريعة على علماء الحقيقة أمراً مستغرباً (فقد أنكر موسى من قبل على الخضر وكان كل منها على شريعة خاصة) وجعل الصوفية الخضر مصدراً للوحي والإلهام والعقائد والتشريع. ونسبوا طائفة كبيرة من علومهم التي ابتدعوها إلى الخضر ، وقد أكثروا من ادعاء لقيا الخضر والأخذ عنه.

     ولما كان لهذه القصة هذا الدور العظيم في الفكر الصوفي فقد أحببت أن أجلي هذا الأمر وأوقف الإخوة القراء على حقيقة الأمر ولنبدأ أولاً بالقصة في القرآن والسنة:

     الخضر في القرآن الكريم:

     قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64) فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75) قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف: 60- 82]

     الخضر في السنة الصحيحة:

     وقبل أن نتعرض لبعض ما جاء في هذه الآيات الكريمة بالشرح والتفسير نستعرض ما رواه الإمام البخاري رضي الله عنه في شأن هذه القصة. قال الإمام البخاري:

باب حديث الخضر مع موسى عليهما السلام:

1- حدثنا عمرو بن محمد حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثني أبي عن صالح عن أبي شهاب أن عبيد الله بن عبد الله أخبره عن ابن عباس أنه تمارى هو والحر بن قيس الفزاري في صاحب موسى، قال ابن عباس: هو خضر، فمر بهما أبي بن كعب، فدعاه ابن عباس فقال: إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل السبيل إلى لقيّه، هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه؟ قال نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((بينما موسى في ملأ من بني إسرائيل جاءه رجل فقال: هل تعلم أحداً أعلم منك؟ قال: لا. فأوحى الله إلى موسى بل عبدنا خضر، فسأل موسى السبيل إليه، فجعل له الحوت آية، وقيل له إذا فقدت الحوت فارجع فإنك ستلقاه، فكان يتبع الحوت في البحر، فقال لموسى فتاه: أرأيت إذا أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره. فقال موسى: ذلك ما كنا نبغي، فارتدا على آثارهما قصصاً فوجداً خضراً، فكان من شأنهم الذي قص الله في كتابه)).

2- حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا عمرو بن دينار قال أخبرني سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: إن نوفاً البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس هو موسى بن إسرائيل، إنما هو موسى آخر. فقال: كذب عدو الله، حدثنا أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أن موسى قام خطيباً في بني إسرائيل فسئل: أي الناس أعلم؟ فقال أنا. فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه فقال له: بلى، لي عبد بمجمع البحرين هو أعلم منك. قال أي رب ومن لي به؟ -وربما قال سفيان؟ أي ربّ وكيف لي به؟ -قال تأخذ حوتاً فتجعله في مكتل، حيثما فقدت الحوت فهو ثم وربما قال: فهو ثمه- وأخذ حوتاً فجعله في مكتل ثم انطلق هو وفتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما، فرقد موسى واضطرب الحوت فخرج فسقط في البحر، فاتخذ سبيله في البحر سرباً، فأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار مثل الطاق -فقال هكذا مثل الطاق- فانطلقا يمشيان بقية ليلتهما ويومهما، حتى إذا من الغد قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً. ولم يجد موسى النصب حتى جاوز حيث أمره الله، قال له فتاه أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره، واتخذ سبيله في البحر عجباً، فكان للحوت سرباً ولهما عجباً، قال له موسى ذلك ما كنا نبغي فارتدا على آثارهما قصصاً -رجعا يقصان آثارهما- حتى انتهيا إلى الصخر، فإذا رجل مسجّى بثوب، فسلم موسى فرد عليه فقال: وأنّى بأرضك السلام، قال أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال نعم، أتيتك لتعلمني مما علمت رشداً. قال يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه، وأنت على علم من علم الله علّمك الله لا أعلمه. قال هل أتبعك؟ قال: إنك لن تستطيع معي صبراً، وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً -إلى قوله- إمراً. فانطلقا يمشيان على ساحل البحر، فمرت سفينة كلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول. فلما ركبا في السفينة جاء عصفور فوقع على حرف السفينة، فنقر في البحر نقرة أو نقرتين، قال له الخضر يا موسى، ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور بمنقاره من البحر. إذا أخذ الفأس فنزع لوحاً، قال فلم يفجأ موسى إلا وقد قلع لوحاً بالقدّوم، فقال له موسى: ما صنعت؟ قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها، لقد جئت شيئاً إمراً. قال: ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً؟ قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً. فكانت الأولى من موسى نسياناً، فلما خرجا من البحر مروا بغلام يلعب مع الصبيان، فأخذ الخضر برأسه فقلعه بيده هكذا -وأومأ سفيان بأطراف أصابعه كأنه يقطف شيئاً- فقال له موسى: أقتلت نفساً زكية بغير نفس لقد جئت شيئاً نكراً. قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً؟ قال: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذراً. فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما، فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض مائلاً -أومأ بيده هكذا، وأشار سفيان كأنه يمسح شيئاً إلى فوق، فلم أسمع سفيان يذكر (مائلاً) إلا مرة- قال: قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا، عمدت إلى حائطهم، لو شئت لاتخذت عليه أجراً. قال هذا فراق بيني وبينك، سأنبئك بتأويل ما تستطع عليه صبراً، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((وددنا لو أن موسى كان صبر فقص الله علينا من خبرهما)). قال سفيان: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يرحم الله موسى لو كان صبر يقص علينا من أمرهما)). وقرأ ابن عباس: أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصباً. وأما الغلام فكان كافراً وكان أبواه مؤمنين. ثم قال لي سفيان: سمعته منه مرتين وحفظته منه. قيل لسفيان قبل أن تسمعه عن عمرو أو تحفظه من إنسان؟ فقال ممن أتحفظه؟ ورواه أحد عن عمرو غيري؟ سمعته منه مرتين أو ثلاثاً وحفظته منه.

3- حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني أخبرنا ابن المبارك عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء، فإذا هي تهتز من خلفه خضراء)).

     فقه القصة كما وردت في الكتاب والسنة:

     ومن هذا العرض الكامل لنصوص القصة في القرآن وفي صحيح البخاري نستخلص الفوائد التالية:

1- أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يؤدب نبيه موسى صلى الله عليه وسلم الذي قال جواباً عن سؤال (لا أعلم على الأرض أعلم مني)!! إن كان يجب أن يرد علم ذلك إلى الله سبحانه وتعالى، فأراه الله جل وعلا أن هناك عبداً لا يعلمه موسى هو على علم من علم الله لا يعلمه موسى وكان من أجل ذلك هذا اللقاء بين موسى والخضر.

2- أن الخضر بعد أن تم لقاؤه بموسى أخبره أن علم الخضر وعلم موسى بجوار علم الله سبحانه لا شيء وأنهما لم ينقصا من علم الله إلا كما شرب العصفور من ماء النهر.

3- أن الشريعة التي كان عليها الخضر لم تكن في حقيقتها مخالفة للشريعة التي عليها موسى، وإنما كان يخفى على موسى فقط الخلفية التي من أجلها فعل الخضر ما فعله، ولذلك فإن الخضر عندما بين لموسى الأسباب التي دفعته إلى خرق السفينة، وقتل الغلام، وبناء الجدار لم يستنكر موسى شيئاً من ذلك لأن هذا كله سائغ في الشريعة، فإتلاف بعض المال لاستنقاذ بعضه جائز فلو وكلت مثلاً رجلاً على عمل لك ثم جاء لصوص أو ظلمه قطاع طريق ليستولوا على المال كله ولم يجد هذا الوكيل وسيلة لدفعهم إلا بأن يدفع لهم بعض المال ويتركوا بعضه لما كان ملوماً شرعاً، ولا يلام ممن وكله بل يستحسن فعله، وما فعله الخضر بالنسبة إلى السفينة لا يعدو ذلك فهو إنما أفسد السفينة فساداً جزئياً لتظهر لأعوان ذلك الملك الظالم أنها غير صالحة فيتركوها وبذلك تسلم من الغصب، ولا شك أن ما فعله الخضر في حقيقته إحسان لأصحاب السفينة لأن الله أطلعه على شيء من المستقبل في أن ذلك الملك الظالم سيصادر السفن لأمر ما كما هو حال كثير من الرؤساء والملوك الظلمة يصادرون وسائل النقل أحياناً إما لمصالحهم أو لمصلحة عامة..

     فما فعله الخضر بالنسبة إلى السفينة موافق للشرع الإلهي تماماً في كل دين وملة وليس مخالفاً للتشريع، وإنكار موسى في أول الأمر ناشئ من أنه لم يعرف الخلفية الغيبية التي كان الله قد أطلع عليها الخضر بوحي من عنده.

     وأما قتل الغلام فهو  كذلك سائغ في الشريعة إذا كان هذا الغلام سيكون ظالماً لوالديه، مجبراً لهما على الكفر وكان هذا مما علمه الله مستقبلاً، وأطلع عليه الخضر، فكان قتله أيضاً سائغاً، وقد جاءت الشريعة بقتل الصائل المعتدي. حقاً إن الشريعة لا تأمر بقتل الصائل إلا إذا باشر العدوان، والطفل هنا لم يباشر العدوان بعد، ولكن القتل هنا بأمر الله سبحانه وتعالى الذي يعلم ما سيكون، وقد كان هذا منه سبحانه وتعالى رحمة بعبدين من عباده صالحين أراد الله جل وعلا أن لا يتعرضا لفتنة هذا الولد العاق فيتألما ألمين، الألم الأول أنه ولدهما وعقوق الأولاد شديد على قلوب الآباء، والثاني أنهما قد يبلغان الكفر ويتعبان في التمسك بالإيمان وهذا عذاب آخر، فجمع الله سبحانه وتعالى لهما عذاباً واحداً فقط وهو فقد الولد، وفيه خير لهما ولا شك لأن صبرهما، أيضاً على فقده فيه خير لهما. فلما علم الله ذلك، وأطلع الخضر عليه، ونفذ هذا بأمر الله كان ذلك كله موافقاً للشريعة التي عليها موسى وعليها محمد صلى الله عليه وسلم وعليها سائر الأنبياء.

ولذلك لما قيل لابن عباس على هذه الحادثة: أيجوز أن نقتل الأولاد؟.. قال: إذا علمت منهم ما علم الخضر فافعل.. أي إن ذلك سائغ في الشريعة ولكن أين من يطلعه الله على الغيب كما أطلع الخضر عليه السلام.

     وأما مسألة بناء جدار لقوم بخلاء لم يبذلوا القرى (بكسر القاف) والضيافة الواجبة، فإن ذلك من باب مقابلة الإساءة بالإحسان، وهذا خلق من أخلاق الشريعة الإسلامية والمسيحية واليهودية ففي القرآن {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (فصلت:34) وفي الإنجيل (أحسنوا إلى من أساء إليكم وباركوا لأعينكم)، وقال تعالى فيما أوحاه لموسى عليه الصلاة والسلام: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} (البقرة: 83)، وما فعله الخضر هو من باب الإحسان إلى قوم قدموا الإساءة.

     ثم إن إحسانه لهذين الغلامين لم يتأت منهما إساءة وكان أبوهما رجلاً صالحاً وهم في قرية ظالمة بخيلة ولو هدم جدار بيتهم لانكشف كنزهم ولاستولى عليه هؤلاء القوم البخلاء، فلا شك أن ما فعله الخضر من بناء الجدار هو عين ما تأمر به كل شرائع الأنبياء التي أمرت بالفضل والإحسان، ورعاية اليتامى وحفظ حقوقهم..

     فأي شيء يستغرب مما فعله الخضر، وأي حقيقة اطلع عليها الخضر تخالف ظاهر شريعة كان عليها موسى بل ما فعله الخضر موافق تماماً لشريعة موسى ولشريعة عيسى ولشريعة محمد ولكل شرائع الله المنزلة، ولم يقل الخضر أو يفعل شيئاً يخالف ما كان عليه الأنبياء صلوات الله عليهم، وإنما فقط أطلعه الله على بعض أسرار المقادير ففعل ما فعل من الحق الذي لا تنكره الشرائع بناء على هذه الأخبار والأنباء التي أطلعه الله عليها. وباختصار لم يفعل الخضر شيئاً مخالفاً لشريعة موسى فافهم هذا جيداً وتمسك به.

4- وجود الخضر عليه السلام على دين وشريعة غير شريعة موسى كان أمراً سائغاً وسنة من سنن الله قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم لأن النبي كان يبعث إلى قومه خاصة، ولذلك كان موسى رسولاً إلى بني إسرائيل فقط، ولم يكن رسولاً للعالمين، ولذلك لما سلم موسى عليه السلام على الخضر قال الخضر: وأنّى بأرضك السلام. قال له موسى أنا موسى. قال الخضر: موسى بني إسرائيل!؟ قال: نعم.. أي أنت مبعوث إلى بني إسرائيل ومنهم، ولذلك لم تكن شريعة موسى لازمة للخضر ولجميع الناس في زمانه، وأما بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم فإنه لا يجوز شرعاً أن يكون هناك من هو خارج عن شريعته، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رسول للعالمين، فلا يسع الخضر ولا غيره أن يتخلف عن الإيمان به واتباعه ولذلك فلا وجود بتاتاً للخضر وأمثاله بعد بعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

5- لا شك أن ما فعله الخضر فعله عن وحي حقيقي من الله وليس عن مجرد خيال أو إلهام لأن قتل النفس لا يجوز بمجرد الظن، ولذلك قال الخضر: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} فلم يفعل إلا عن أمر الله الصادق ووحيه القطعي. ومثل هذا الأمر والوحي القطعي قد انقطع بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم فلا وحي بعده، ومن ادعى شيئاً من ذلك فقد كفر لأنه بذلك خالف القرآن الذي يقول الله فيه: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليماً} (الأحزاب:40).

     وقال أيضاً رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وختم بي النبيون فلا نبي بعدي)) ( رواه مسلم).

     من بيان الحقائق السالفة تتضح لنا الصورة الحقيقية لقصة الخضر عليه السلام، والاعتقاد الواجب فيه حسب الكتاب والسنة. ولكن المتصوفة جعلوا من هذه القصة شيئاً مختلفاً تماماً. فقد زعموا أن الخضر حي إلى أبد الدهر، وأنه صاحب شريعة وعلم باطني يختلف عن علوم الشريعة الظاهرية، وأنه وليّ وليس بنبي، وأن علمه علم لدني موهوب له من الله بغير وحي الأنبياء وأن هذه العلوم تنزل إلى جميع الأولياء في كل وقت قبل بعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وبعد بعثته، وأن هذه العلوم أكبر وأعظم من العلوم التي مع الأنبياء، بل وعلوم الأنبياء لا تدانيها ولا تضاهيها، فكما أن الخضر وهو وليّ فقط في زعمهم كان أعلم من موسى فكذلك الأولياء من أمة محمد هم أعلم من محمد صلى الله عليه وسلم لأن محمداً عالم بالشريعة الظاهرة فقط، والولي عالم بالحقيقة الصوفية، وعلماء الحقيقة أعلم من علماء الشريعة، وزعموا كذلك أن الخضر يلتقي بالأولياء ويعلمهم هذه الحقائق ويأخذ لهم العهود الصوفية، وأن الحقائق الصوفية تختلف عن الحقيقة المحمدية ولذلك فلكل ولي شريعته المستقلة فما يكون معصية في الشريعة كشرب الخمر والزنا واللواط، قد يكون  حقيقة صوفية وقربة إلى الله حسب العلم الباطني، وكذلك في أمر العقائد ومسائل الإيمان فلكل ولي كشفه الخاص، وعلمه الخاص اللدني الذي قد يختلف عن الوحي النبوي..

     وهكذا جعل المتصوفة من قصة الخضر باباً عظيماً لإدخال كل أنواع الخرافات والزندقة والجهل والإسفاف..، بل بلغ الهذيان وحده عندهم حيث يوجد من زعم منهم أن الخضر لا يصلي لأنه على شريعة خاصة!! ومنهم من زعم أن الخضر يصلي ولكن على المذهب الحنفي!!

ولكن صوفياً آخر يزعم أنه رأى الخضر يصلي ولكن على المذهب الشافعي!! بل وأكثر من ذلك زعموا أن الخضر هو الذي يلقنه أذكار الطريقة الإدريسية والسنوسية.

     باختصار لقد تحول الخضر إلى قصة خرافية كبيرة أشبه بقصة ما يسمونه بالسوبرمان الذي يطير في كل مكان، ويلتقي بالأصدقاء والخلان في كل البلدان، ويشرع للناس ما شاء من عبادات وقربات، ويلقن الأذكار وينشئ الطرق الصوفية، ويعمد الأولياء والأقطاب، ويولي من يشاء، ويعزل من يشاء، ولنذهب معاً في جولة مع الفكر الصوفي وخرافاته حول قصة الخضر:

     أول من افترى القصة الصوفية للخضر:

     يبدو أن أول من افترى القصة الصوفية للخضر هو محمد بن علي بن الحسن الترمذي المسمى بالحكيم والمتوفى في أواخر القرن الثالث الهجري -فالترمذي هذا يقول في كتابه ختم الولاية- (وهذا الكتاب بنظري هو أخطر كتاب صوفي على الإطلاق) يقول في جوابه عن علامات الأولياء: "وللخضر عليه السلام، قصة عجيبة في شأنهم وقد عاين شأنهم في البدء ومن وقت المقادير فأحب أن يدركهم، فأعطى الحياة حتى بلغ من شأنه أنه يحشر مع هذه الأمة وفي زمرتهم، حتى يكون تبعاً لمحمد صلى الله عليه وسلم، وهو رجل من قرن إبراهيم الخليل، وذي القرنين، وكان على مقدمة جنده، حيث طلب ذو القرنين عين الحياة ففاتته وأصابها الخضر، في قصة طويلة.

وهذه آياتهم وعلاماتهم. فأوضح علاماتهم ما ينطقون به من العلم وأصوله.

قال له قائل: وما ذلك العلم؟

قال: علم البدء، وعلم الميثاق، وعلم المقادير، وعلم الحروف.

فهذه أصول الحكمة وهي الحكمة العليا. وإنما يظهر هذا العلم عن كبراء الأولياء، ويقبله عنهم من له حظ من الولاية" (ختم الولاية ص362)

وفي هذا النص يزعم مجرد زعم بلا أدنى دليل أو علم أن الخضر هذا عاين منذ بدء الخليقة أمور الأولياء وعرفهم منذ كتابه المقادير (انظر) وأحب -في زعم الترمذي- أن يدرك هؤلاء الأولياء، فأعطى الحياة حتى يبلغ أمة محمد صلى الله عليه وسلم..

وأما هو أي الخضر فكان في قرن إبراهيم أي وجد في زمانه.. وزمن ذي القرنين.. فانظر هذا الجهل والتخريف والافتراء.. الذي لا يقوم على أدنى دليل إلا الكذب والبهتان.. ثم يستطرد في بهتانه فيزعم أن ذا القرنين كان يحارب ويسافر ليصل إلى عين الحياة التي من شرب منها فلا يموت أبداً فلم يستطع الوصول إليها ولكن الخضر وصل إليها.. فانظر هذا الكذب والتخريف.

وهذا بالطبع منقول بعضه من تخريف اليهود وافتراءاتهم أن آدم لما خلقه الله في الجنة أكل من شجرة المعرفة فأصبح كالله يعلم الخير والشر، ثم خاف الله منه أن يأكل من شجرة الحياة فيحيا أبداً ولا يموت فلما خاف الله من ذلك طرده من الجنة من أجل ذلك.. (انظر التوراة الإصحاح الثالث).

ولقد لفق الترمذي من هذه القصص الخرقاء قصته عن الخضر التي تلقفها الصوفية فيم بعد وزادوا عليها ما شاؤوا. والمهم هنا أنه زعم كل هذه المزاعم وأن الخضر حي أبداً وأنه قاتل مع ذي القرنين.. ولسنا ندري أين كان ما دام أنه حي يرزق إلى آخر الحياة. أين كان عن شهود غزوة بدر وأحد والخندق والمواقع، ولماذا لم يشارك في فتح القادسية واليرموك، ولماذا لم يلتق بأبي بكر وعمر، ولم يتشرف قبل ذلك برؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما دام أنه حي أبداً واطلع على جميع الأولياء منذ البدء.. بل ولماذا لم ينزل ولم يلتق إلا بالكذابين الضالين أمثال هذا الترمذي الذي لم يتنبأ له إلا امرأته التي تنزل عليها الوحي حسب زعمه وبشرته بأنه سيكون من شأنه كذا وكذا إلى أن يكون خاتم الأولياء كما كان محمد خاتم النبيين!!

والترمذي الذي هذا هو شأنه يذكر أيضاً من صفات أوليائه المزعومين أنه تظهر علي أيديهم الآيات كطي الأرض، والمشي على الماء، ومحادثة الخضر عليه السلام الذي زعم أيضاً أن الأرض تطوي له برها وبحرها، سهلها وجبلها، يبحث عن الأولياء شوقاً إليهم (ختم الولاية ص361).

ومنذ ذلك الوقت الذي افترى فيه من افترى هذه الفرية على الخضر عليه السلام سواء كان الترمذي نفسه هذا أو هو ناقل عمن قبله.. أقول سواء كان هذا أو هذا فإن المتصوفة بدأوا ينسحبون الخرافات حول قصة الخضر وإليك بعضاً من هذه الخزعبلات والخرافات:

     الخضر يصلي على المذهب الشافعي:

     من أطرف القصص ما ذكره أحمد الفاروقي السرهندي في كتابه المنتخبات أنه رأى الخضر وإلياس عليهما السلام حضرا عنده في حلقة الدرس وأن الخضر قال له إنهما من عالم الأرواح وأنهما يتشكلان بما شاءا من الصور.. وأنه أي السرهندي هذا سأل الخضر هل تصلون بمذهب الشافعي فقال له الخضر لسنا مكلفين بالشرائع!! ولكن لأن قطب الزمان الشافعي فنحن نصلي وراءه على مذهبه الشافعي.. ويعلق السرهندي على ذلك فيقول إن كمالات الولاية مختصة بالمذهب الشافعي، وأما كمالات النبوة فهي من اختصاص المذهب الحنفي!! ولذلك عندما ينزل عيسى بن مريم فإنه يصلي ويعمل بالمذهب الحنفي!! وإليك نص أحمد السرهندي في هذه الخرافات قال: المكتوب الثاني والثمانون والمئتان: إلى الملا بديع في بيان ملاقاة الخضر وإلياس عليها السلام وبيان نبذة من أحوالهما.

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى قد مضت مدة من استفسار الأصحاب عن أحوال الخضر على نبينا عليه الصلاة والسلام. ولما لم يكن للفقير اطلاع على أحواله كما ينبغي كنت متوقفاً في الجواب فرأيت اليوم في حلقة الصبح أن إلياس والخضر عليهما السلام حضرا في صورة الروحانيين فقال الخضر بالإلقاء الروحاني: نحن من عالم الأرواح قد أعطى الحق سبحانه أرواحنا قدرة كاملة بحيث تتشكل وتتمثل بصورة الأجسام ويصدر عنها ما يصدر عن الأجسام من الحركات والسكنات الجسمانية والطاعات والعبادات الجسدية. فقلت له في تلك الأثناء: أنتم تصلون الصلاة بالمذهب الشافعي. فقال نحن لسنا مكلفين بالشرائع، ولكن لما كانت كفاية مهمات قطب الدار مربوطة بنا وهو على مذهب الإمام الشافعي نصلي نحن أيضاً وراءه بمذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه فعلم في ذلك الوقت أنه لا يترتب الجزاء على طاعتهم بل تصدر عنهم  الطاعة والعبادة موافقة لأهل الطاعة ومراعاة لصورة العبادة وعلم أيضاً أن كمالات الولاية موافقة لفقه الشافعي وكمالات النبوة موافقة لفقه الحنفي فعلم في ذلك الوقت حقيقة كلام الخواجة محمد بارسا قدس سره حيث ذكر في الفصول الستة نقلاً أن عيسى عليه وعلى نبينا السلام يعمل بعد نزوله بمذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه رضي الله عنه فوقع في الخاطر في ذلك الوقت أن نستمد بهما وأن نطلب منهما الدعاء فقال إذا كانت عناية الحق سبحانه شاملة لحال الشخص فلا مدخل لنا هناك وكأنهم أخذوا أنفسهم من البين. وأما إلياس على نبينا وعليه الصلاة والسلام فلم يتكلم في ذلك الوقت أصلاً والسلام (المنتخبات من المكتوبات لأحمد الفاروقي صفحة:91 طبع تركيا).

     الخضر حنفي وليس شافعياً:

     ويبدو أن الكشف السابق لما يسمونه بالعالم الرباني أحمد السرهندي الذي أراد به التنقص من المذهب الشافعي وعلاء منزلة المذهب الحنفي وذلك أنه جعل المذهب الحنفي للأنبياء، والمذهب الشافعي للأولياء.. أقول يبدو أنه لم يطلع على كشف الشعراني الذي زعم أن الخضر كان حنفياً ولم يكن شافعياً حيث ذكر في كتاب معارج الألباب عن بعض شيوخه أنه ذكر له أن الخضر عليه السلام كان يحضر مجلس فقه أبي حنيفة في كل يوم بعد صلاة الصبح يتعلم منه الشريعة فلما مات (أي أبو حنيفة) سأل الخضر ربه أن يرد روح أبي حنيفة إلى قبره حيث يتم له علم الشريعة وأن الخضر كان يأتي إليه كل يوم على عادته يسمع منه الشريعة داخل القبر وأقام على ذلك خمس عشرة سنة حتى أكمل علم الشريعة (معارج الألباب ص44).

فانظر أي تخليط وكذب سمج، فهذا الخضر المزعوم أين هو من تعلم الشريعة على يد محمد صلى الله عليه وسلم، وهم يزعمون أنه كان حياً ذلك الوقت ولماذا لم يتتلمذ على الخلفاء الراشدين وهم أعلم الناس بالشريعة.. ولقد قال أبو حنيفة نفسه: دعوا قولي لقول أصحاب رسول الله فإنهم كانوا أعلم بالتنزيل!! فإذا كان أبو حنيفة يأمرنا أن نترك قوله لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول أصحابه فكيف يترك الخضر المزعوم تعلم الشريعة عن الرسول وأصحابه وينتظر حياً حتى يأتي أبو حنيفة ليتعلم منه الشريعة.. ثم أي تلميذ بليد هذا الخضر الصوفي المزعوم حتى يمكث مع أبي حنيفة كل حياته ولا يستطيع أن يتعلم علمه.. ويدعو الله أن يظل أبو حنيفة حياً في قبره ليستكمل الدراسة ويستمر في التردد على القبر يومياً لمدة خمس عشرة سنة ليتعلم علم أبو حنيفة فضلاً عن عشرات السنين قبل ذلك!!

ورحم الله الإمام الشافعي القائل: "لا أرى أن رجلاً يتصوف أول النهار حتى يكون أحمق في آخره".. وقال: "لا أرى أن رجلاً يصاحب الصوفية أربعين يوماً فيعود إليه عقله أبداً".

وزعم الحصفكي الحنفي في مقدمة كتابه الدر المختار أن الخضر أودع أوراق المذهب الحنفي في نهر جيحون إلى وقت نزول عيسى عليه السلام حتى إذا نزل أخذ هذه الصحائف وتعلم منها المذهب الحنفي حتى يحكم به في آخر الزمان!!

     الخضر يعلم الأذكار الصوفية:

     الخضر الصوفي المزعوم يكاد يكون في كل ميدان من ميادين التصوف، فهو صاحب الكشف وهو نقيب الأولياء، وهو آخذ العهود، وهو مرشد الأنام، وهو معلم الأذكار. يقول أحمد بن إدريس: "اجتمعت بالنبي صلى الله عليه وسلم اجتماعاً صورياً ومعه الخضر عليه السلام فأمر النبي عليه السلام الخضر أن يلقنني أذكار الطريقة الشاذلية فلقنني إياها بحضرته صلى الله عليه وسلم" (مفاتيح كنوز السماوات والأرض لصالح محمد الجعفري ص8)

ويستطرد أيضاً قائلاً: "ثم قال صلى الله عليه وسلم للخضر عليه السلام يا خضر لقنه ما كان جامعاً لسائر الأذكار والصلوات والاستغفار"

(مفاتيح كنوز السماوات والأرض لصالح محمد الجعفري ص8).

قلت اعلم أن أذكار الطريقة الشاذلية هذه فيها كفر وشرك فمن أذكارها صلاة ابن مشيش (اللهم انشلني من أوحال التوحيد، وأغرقني في عين بحر الوحدة) وفيها أن محمد صلى الله عليه وسلم هو أصل هذا الوجود وأول مخلوق فيه ومنه انشقت كل الأنوار وظهرت كل الموجودات (اقرأ الباب الخاص بالحقيقة المحمدية، والباب الخاص بالذكر الصوفي). اهـ

مختصراً من كتاب الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة .

     بعض من كذب ودجل الصوفية في زعمهم لقاء الخضر.

     قال الغزالي: ((وعن بعضهم أنه قال: أقلقني الشوقُ إلى "الخضر" عليه السلام، فسألتُ الله تعالى أن يريَني إياه ليعلِّمَني شيئاً كان أهمَّ الأشياءِ عليَّ، قال: فرأيتُه فما غلبَ على همي ولا همتي إلا أنْ قلتُ له: يا أبا العباس! علِّمْني شيئاً إذا قلتُه حُجبْتُ عن قلوبِ الخليقةِ، فلم يكن لي فيها قدْرٌ، ولا يعرفني أحدٌ بصلاحٍ ولا ديانةٍ؟، فقال: قل " اللهمَّ أَسبِل عليَّ كثيف سترك، وحطَّ عليَّ سرادقات حجبك، واجعلني في مكنون غيبك، واحجبني عن قلوب خلقك " قال: ثم غاب فلم أره، ولم أشتقْ إليه بعد ذلك، فما زلتُ أقول هذه الكلمات في كلِّ يومٍ، فحكى أنَّه صار بحيث يُستذلُ ويُمتهنُ، حتى كان أهلُ الذمَّةِ يسخرون به، ويستسخرونه في الطرق يحمل الأشياء لهم لسقوطه عندهم، وكان الصبيانُ يلعبون به، فكانت راحته ركود قلبه، واستقامة حاله في ذلك وخموله.)) (الإحياء: 4ـ306).

     وقال الشيخ محمد الكردي: "قال ذو النون المصري: التوكل ترك التدبير والانخلاع من الحول والقوة، وقال إبراهيم الخواص: لقيني الخضر عليه السلام فسألني الصحبة ، فخشيت أن يفسد عليّ توكلي بسكوني إليه ففارقته"  تنوير القلوب 482 والرسالة القشيرية 77.

الرسالة القشيرية 44

     وورد في الرسالة القشيرية (ص 391) في ترجمة إبراهيم بن أدهم

ورأى في البادية رجلاً علمه اسم الله الأعظم , فدعا به بعده فرأى الخضر عليه السلام , وقال: إنما علمك أخي داوود اسم الله الأعظم. قال إبراهيم بن بشار: صحبت إبراهيم بن أدهم فقلت أخبرني عن بدء أمرك فذكر هذا.

     وورد في الرسالة القشيرية في ترجمة بشر الحافي (صفحة: 404): (وسمعت بلال الخواص يقول: كنت في تيه بني إسرائيل فإذا رجل يماشيني , فتعجبت منه , ثم ألهمت أنه الخضر عليه السلام فقلت له: بحق الحق من أنت ؟ فقال: أخوك الخضر. فقلت له: أريد أن أسألك. فقال: سل , فقلت: ماذا تقول في الشافعي رحمه الله تعالى ؟ فقال: هو من الأوتاد (هم الذين يحفظ بهم الدين والشافعي رضي الله عنه منهم) فقلت: ماذا تقول في أحمد بن حنبل رضي الله عنه ؟ قال: رجل صديق (أي نظرا لما قاساه من الضرب والهوان عندما طلب منه القول بخلق القرآن الكريم فأبى ولم ينطق بكلمة يتخلص بها مما هو فيه) قلت: فماذا تقول في بشر بن الحارث الحافي ؟ فقال: لم يخلق مثله بعده. فقلت: بأية وسيلة رأيتك ؟ فقال: ببرك لأمك).

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم و، والحمد لله رب العالمين.

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
نسخة المقال pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى