خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم بين الغلو والجفاء

خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم بين الغلو والجفاء





الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من أقر له برق العبودية، واستعاذ به من شر الشيطان والهوى، وأشهد أن محمدا عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، ورسوله الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4]، أرسله رحمة للعالمين، وحسرة على الكافرين، وحجة على العالمين أجمعين، فشرح له صدره، ووضع عنه وزره، ورفع له ذكره، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره ونهيه، وأقسم بحياته في كتابه المبين، وقرن اسمه باسمه فلا يذكر إلا ذكر معه كما في التشهد والخطب والتأذين.

      وافترض على العباد طاعته، ومحبته، وتعظيمه وتوقيره، وسد إلى جنته جميع الطرق فلم يفتح لأحد من أمته إلا من طريقه، فلم يزل صلى الله عليه وسلم قائما بأمر ربه لا يرده عنه راد، مشمرًا في مرضاته لا يصده عنه صاد، إلى أن أشرقت الدنيا برسالته ضياء، وابتهاجًا، ودخل الناس في دين الله أفواجا، فصلوات ربي وسلامه عليه.

      وبعد: فقد جعل الله تبارك وتعالى هذه الأمة وسطا بين الأمم في جميع أمور دينها بما هيأ لها من أسباب التوسط في ذلك بأن بعث فيها خيرة رسله وأنزل إليها أفضل كتبه وأكمل لها من أسباب التوسط والاعتدال ما يجعلها على بصيرة من أن يروج عليها ما راج على الأمم السابقة: من الضلالات، والانحرافات فالمسلمون وسط بين الغالين والجافين، لم يغلوا كما غلت النصارى الذين جعلوا المسيح ابن الله، ولم يقصروا كما قصرت اليهود الذين قتلوا الأنبياء والرسل، بل قدروا رسولهم حق قدره، وعظموه حق تعظيمه، بطاعته فيما أمر، والولد، والسعي في إظهار دينه وإعلاء كلمته ونصر ما جاء به وجهاد من خالفه وتحكيمه وحده والتسليم لحكمه والرضا به إلى غير ذلك من أنواع التعظيم المشروع الذي فهمه سلف هذه الأمة وعملوا به فصدق عليهم التحقيق بالوسيطة التامة والخيرية الكاملة، ثم بعد أن فتح الله تعالى البلاد وانتشر فيها الإسلام ودخل فيه من أهلها من كان متأثرا بمعتقدات تلك البلاد أو دخل بنية التضليل والإفساد فسرت نتيجة لذلك عدوى الأمم السابقة إلى هذه الأمة من الغلو في أنبيائها والتقصير في حقوقهم مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم:" لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشرب ذراعا بذراع حتى لو دخلوا حجر ضب لاتبعتموهم" قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال:" فمن"[1].

      قوله صلى الله عليه وسلم:" فمن" استفهام استنكاري والتقدير: فمن هم غير أولئك[2] فنشأ من الغلو فيه صلى الله عليه وسلم ما أدى إلى بخس حقوقه الواجبة له على أمته والأذى من ذلك بنحو ما حصل للأنبياء السابقين وبيان ذلك بأمور[3] منها:

      الأمر الأول: إن الأنبياء أمرت أممهم بعبادة الله وحده لا شريك له فإن هم أطاعوهم كان للأنبياء من الأجر مل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء، وإذا غلوا فيهم واتخذوهم أربابا من دون الله انقطع ثواب العمل الصالح الذي يحصل للأنبياء بتوحيد أممهم وطاعتهم، وحصل للغلاة العذاب الأليم، وإن كان الأنبياء سالمين من العذاب لكن فوتوا عليهم من الأجر والثواب الذي كان يحصل لهم من توحيد أممهم وطاعتهم الشيء الكثير، بخلاف أتباع الرسل الذين وحدوا ربهم وعبدوه كما شرعته لهم الرسل فصاروا أولياء لله تعالى وحصل للرسول الذي دعاهم مثل أجورهم فكان هذا من التعظيم للرسل ما ليس في طريق الغلاة.

      الأمر الثاني: إن أهل التوحيد والسنة يدعون دائما للرسل فينتفعون بدعاء أممهم بخلاف أهل الشرك والبدع فإنهم يكلفونهم حوائجهم ويؤذونهم بسؤالهم ويعتبر بحال الصديق رضي الله عنه الذي كان يعاون الرسول صلى الله عليه وسلم بماله ونفسه ولا يكلفه شيئا أين منزلته من منزلة من يسأله ويكلفه ولا يسعى في تحصيل المنفعة له صلى الله عليه وسلم؟

      الأمر الثالث: إن أهل التوحيد والسنة يصدقون الرسل فيما أخبروا ويطيعونهم فيما أمروا ويحفظون ما قالوا ويفهمونه ويعملون به وينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ويجاهدون من خالف الرسل تقربا إلى الله تعالى طلبا للجزاء منه لا من الرسل وأما الغلاة فلا يميزون بين ما أمرت به الرسول ونهوا عنه ولا بين ما صح عنهم وما كذب عليهم ولا يفهمون حقيقة مرادهم ولا يتحرون طاعتهم ومتابعتهم، بل هم معظمون لأغراضهم الخاصة، فالسدنة الذين عند قبور الرسل وقبور غيرهم من المعظمين غرضهم أكل أموال الناس بهم، والصادق منهم غرضه أنه إذا سألهم واستغاث بهم في دفع شدة أو قضاء حاجة قضوها له فأي الفريقين أشد تعظيما للرسول صلى الله عليه وسلم وإخوانه الرسل أولئك أو هؤلاء؟

      إلى غير ذلك من الأمور التي تبين أن التعظيم الحقيقي للنبي صلى الله عليه وسلم لا يكون إلا وفق ما أمر به الشارع الحكيم وكان على فهم سلف هذه الأمة الذي به يقضي على الغلو والتقصير في حقه صلى الله عليه وسلم فتتحقق للأمة الوسطية التامة والخيرية الكاملة.

      والله هو المسؤول أن يجعلني وإخواني المسلمين أجمعين من عباده الذين هم بكتابه يهتدون ورسوله يؤمنون وبه يقتدون وبحبل الله يعتصمون ولأولياء الله يوالون ولأعدائه يعادون وفي سبيله يجاهدون ولطريقي المغضوب عليهم والضالين يجتنبون وللسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان يتابعون.

 

الهوامش:

[1] البخاري، كتاب الاعتصام، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم، لتتبعن سنن من كان قبلكم (13/300)، مع الفتح، مسلم: كتاب العلم (16/219) مع النووي.

[2] فتح الباري (13/301).

[3] هذه الأمور مختصرة من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في رده على البكري(307-308).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم بين الغلو والجفاء.doc doc
خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم بين الغلو والجفاء.pdf pdf

ذات صلة

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى