الردُّ على الذكرِ وَالغناءِ عِنْدَ الصوفيةِ (1)

الردُّ على الذكرِ وَالغناءِ عِنْدَ الصوفيةِ (1)





الحمدُ للهِ وَالصلاةُ وَالسلامُ على رسولِ اللهِ وَآلِه وَصحبِه وَمَنْ وَالَاه وَبَعد ... أولًا: يتبينُ مِنْ أقوالِ هؤلاءِ الصوفيةِ أنَّ الذكرَ الصوفيَّ فِي صميمِه مخالفٌ للذكرِ الشرعي وَمعارضٌ له في أصولِه وَمظاهرِه وغايتِه، ما يعني أنَّ التوافقَ بينَ الذكرين هوَ توافقٌ ظاهري يتعلقُ بالاسمِ الذي يجمعُ بينهما، وَهو: الذكرُ، وَببعضِ الألفاظِ المتشابهةِ لفظًا وَالمختلفةِ مضمونًا.

وَالذكرُ الشرعيُّ هوَ عبادةٌ مِنَ العباداتِ الإسلاميةِ، وَله معنى واسعٌ، وَقَدْ حَثَّ عليه الشرعُ كثيرًا وَرَغَّبَ وَجَعَلَ فيه أجرًا كبيرًا، كقولِه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الأحزاب: 41-42].

لكنَّ الذكرَ الصوفيَّ ليسَ ذكرًا شرعيًّا، وَإنَّما هوَ مِنْ صميمِ العبادةِ الصوفيةِ، وَوسيلةٌ مِنْ وسائلِ الطريقِ الصوفي، ينشغلُ بها الصوفيُّ حتى وَإنْ كانتٍ ألفاظُه ومعانيه صريحةً فِي مخالفتِها للذكرِ فِي الإسلامِ؛ لأنَّ الذكرَ الشرعيَّ هوَ مِنْ عبادات دينِ الإسلامِ، لكنَّ الذكرَ الصوفيَّ وسيلةٌ يستخدمُها الصوفيُّ للوصولِ إلى مرحلةِ الفناءِ فِي اللهِ حسبَ زعمِ الصوفيةِ، فهوَ ذكرٌ يصدُّ عنْ ذكرِ اللهِ وَصراطِه المستقيمِ.

وَثانيًا: إنَّ جوابَ يزيد بنِ هارون الواسطي لِمَنْ سَأَلَه بأنْ يدعو، هوَ جوابٌ غيرُ صحيحٍ جملةً وَتفصيلًا، وَمخالفٌ للشرعِ مخالفةً صريحةً، وَهوَ نموذجٌ لتقديمِ الصوفيةِ لأحوالِهم وَأهوائِهم على الشرعِ وَالتعمدِ وَالحرصِ على مخالفتِه أيضًا؛ لأنَّ اللهَ تعالى أمرنا بالدعاءِ، وَحبَّبَه إلينا وَجعلَه مِنَ العباداتِ وَمِنْ صفاتِ المقربين؛ كقولِه تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].

وَقالَ تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60].

وَقَالَ تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90].

وَقَالَ تعالى: {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [غافر: 65].

فعدمُ ذكرِه دعاءَ اللهِ تعالى قصدًا هوَ أمرٌ مُخَالِفٌ للشرعِ، وَتَكَبُّرٌ عليه، صاحبُه إمَّا جاهلٌ لا يعي ما يقولُ، وَإمَّا أنَّه صاحبُ هوى تَعَمَّدَ قولَه ضلالًا وَزندقةً.

وَتبريرُ الرجلِ لا يصحُّ أيضًا؛ لأنَّ دعاءَ العبدِ للهِ تعالى لا يندرجُ ضمنَ مَا قالَه الواسطي، فهوَ عبادةٌ كغيرِها مِنَ العباداتِ تندرجُ ضمنَ قضاءِ اللهِ وَقدرِه وَلا تخرجُ عنه، وَالدعاءُ هوَ رجاءٌ مِنَ اللهِ بأنْ يرزقنَا مِنْ فضلِه، وَليسَ إهانةً لَه، وَلا سوءُ أدبٍ معَه، وَلا اعتراضٌ على قضائِه وَقدرِه.

فإنْ استجابَ لنَا أَوْ لَمْ يستجبْ فَكُلُّ ذلكَ يندرجُ ضِمْنَ قضاءِ اللهِ وَقدرِه علينا؛ لأنَّ الإنسانَ وَكلَّ المخلوقاتِ لنْ تستطيعَ الخروجَ عَنْ قضاءِ اللهِ وَقدرِه، فلنْ يحدثَ شيءٌ فِي الكونِ إلَّا بإرادةِ اللهِ تعالى وَعلمِه.

وَجوابُ يزيد الواسطي يندرجُ ضمنَ حِرْصِ الصوفيةِ على مخالفةِ الشرعِ وَتعطيلِه مَا استطاعوا إلى ذلكَ سبيلًا، فقدْ حرصوا على تعطيلِه بأحوالِهم وَرغباتِهم وَتحججُّوا لها بمبرراتٍ فيها تلبيسٌ وَتغليطٌ وَتحايلٌ على الشرعِ وَعلى المسلمين، فهذا الرجلُ امتنعَ مِنْ ممارسةِ عبادةِ الدعاءِ مَعْ مَا فيها مِنَ الأجرِ وَالتقربِ إلى اللهِ تعالى، فَحَرِمَ نفسَه منها انتصارًا للتصوفِ.

علمًا بأنَّ قولَه: (أخْشَى أنِّي إنْ دعوتُ أَنْ يُقَالَ لي: إِنْ سألتَنا مَا لَيْسَ لَك عندنَا فقدْ أَسَأْتَ إِلَيْنَا، وَإِنْ سألتَنا مَا لَكَ عندنَا فقدْ اتهمتَنا، وَإِنْ رضيتَ أجرينَا لكَ مِنَ الأمورِ مَا قضينَا لكَ بِه فِي الدهورِ)([1])، فهو باطلٌ قطعًا، وَافتراءٌ على اللهِ تعالى؛ لأنَّه سبحانه هو الذي أمرَنا بأن ندعوه خوفًا وَطمعًا، فهذا الرجلُ لوْ احتكمَ إلى الشرعِ مَا قالَ بذلك الجوابِ، إنَّه يحتكمُ بهواه وَتصوفِه، لا بشريعةِ اللهِ تعالى.

وَثالثًا: إنَّ جوابَ الجنيدِ لِمَنْ قالَ لَه: (قُلْ لَا إلَه إلَّا الله)، فقالَ: (مَا نسيتُه فأذكرَه، وَقالَ:

حاضرٌ فِي القلبِ يَعْمُرُه    لَسْتُ أَنْسَاهُ فَأَذْكُرَه

فَهُوَ مَوْلَايَ وَمُعْتِمَدِي     وَنَصِيبِي مِنْهُ أَوْفَره)

فهوَ جوابٌ مخالفٌ للشرعِ، وَتقدُّمَ وَتَعَالُمٌ عليه، بلْ وَازدراءٌ بِه بطريقةٍ تلبيسيةٍ، مَعْ أنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ علينا ذكرَ شهادةِ التوحيدِ فِي كُلِّ صلاةٍ عِنْدَ تكبيرةِ الإحرامِ؛ وَقَدْ صَحَّتْ الأحاديثُ النبويةُ فِي الحثِّ على التعبدِ بِها، وَالتذكيرِ بما فيها مِنْ أَجْرٍ كبيرٍ.

منها قولُ النبيِّ - صلى اللهُ عليه وسلم -: ((مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ، يَوْمَهُ ذَلِكَ، حَتَّى يُمْسِيَ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ))([3]).

فالشرعُ أمرَنا بقولِ كلمةِ التوحيدِ تَعَبُّدًا وَطاعةً وَتَقَرُّبًا إلى اللهِ تعالى، وَلَمْ يَقُلْ لنَا: قولوها فقطْ عندما تنسوني .. وإلا فلا تقولوها!!

لكنَّ الجنيدَ جعلَ ذلكَ وراءَ ظهرِه، وَتَعَالَمَ على الشرعِ وَتَقَدَّمَ عليه، وَازدراه وَخالفَه بجوابٍ فيه خداعٌ وَتلبيسٌ، فالرجلُ حَسِبَ قولَه لا تعيه الأوامرُ الشرعيةُ التِّي نَصَّتْ علَى التعبُّدِ بشهادةِ التوحيدِ وَالإكثارِ مِنْ ذكرِها، وَلِهَذا أهملَ التعبدَ بِها.

لكن تعليلَه لموقفِه غيرُ صحيحٍ قطعًا، وَهوَ يتفقُ مع العبادةِ الصوفيةِ، وَفيه غرورٌ وَرعونةُ نفسٍ، وَالراجحُ عندِي أنَّ الرجلَ رَفَضَ ذِكْرَ شهادةِ التوحيدِ لقولِه بعقيدةِ الفناءِ فِي اللهِ التِي تقولُ بتوحيدِ الصوفي، المناقضِ للتوحيدِ الشرعي، وَالهادمِ لَه أيضًا كما سنبينه في موضعِه لاحقًا إن شاء اللهُ.

وَليسَ صحيحًا قولُه: (لَسْتُ أَنْسَاهُ فَأذكُره)؛ لأنَّ النسيانَ مِنْ طبيعةِ البشرِ، وَمَهما حرصَ الإنسانُ على أن لا ينسى فإنَّه سينسى، وَبِما أنَّ الأنبياءَ نسوا وَغَفَلُوا عَنْ أمورٍ فِي دعواتِهم وَكانَ الوحيُّ يتدخلُ لتذكرِهم وَتوجيهِهم، فإنَّ غيرَهم سينسى مِنْ دونِ شَكٍّ؛ بدليلِ قولِه تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115].

وَقَالَ تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا} [الكهف: 24].

وَقَالَ تعالى: {قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} [الكهف: 73].

وَقَدْ صَحَّ الخبرُ أنَّ النبيَّ - صلى اللهُ عليه وسلم - سها فِي الصلاةِ؛ وَقالَ: ((إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيُسَلِّمْ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ)).

وَأمَّا قولُ أبي يزيد البسطامي: (ذِكْرُ اللهِ باللسانِ غفلةٌ)، فهوَ غيرُ صحيحٍ على إطلاقِه؛ لأنَّ الشرعَ أَمَرَنَا أنْ نذكرَ اللهَ تعالى بألسنتِنا وَقلوبِنا، وَشَرَعَ لنا عباداتٍ نجهرُ فيها بالدعاءِ كمَا فِي الحجِّ؛ وَعليه فلا يصحُّ الحكمُ على الذكرِ باللسانِ على أنَّه غفلةٌ مِنْ دونِ شرطٍ، وَلِمُجَرَّدِ أنَّه باللسانِ، فهوَ قَدْ يكونُ كمَا قالَ الرجلُ إذَا ذكرَ العبدُ ربَّه مِنْ دونِ نيةٍ، وَبِلَا حضورِ قلبٍ وَخشوعٍ، وَلهذَا فمنْ ذَكَرَ اللهَ تعالى بلسانِه وقلبِه فهوَ فِي عبادةٍ وَليسَ غافلًا عنْ اللهِ تعالى، وَهوَ أحسنُ ممَّنْ يذكرُ بقلبِه فقط.

وَحتَّى في حالةِ ذكرِ العبدِ للهِ بلسانِه فقط، فهوَ أحسنُ حالًا مِنَ الذي لا يذكرُ اللهَ أصلًا بقلبِه، فَلَهُ فِي ذلكَ أجرٌ، وَيكونُ لَهُ بَعْضُ الأثرِ على قلبِه وَإنْ كانَ ضعيفًا، فهوَ وَإنْ كانَ غافلًا عَنْ اللهِ تعالى بقلبِه فهوَ أقلُّ غفلةً مِنَ الذي لا يذكرُ اللهَ أصلًا.

وأمَّا قولُه عَنْ نفسِه بأنَّه لَمْ يَزَلْ (ثلاثين سنة كلَّما أردتُ أنْ أَذْكُرَ اللهَ أتمضمضُ وَأغسلُ لسانِي إجلالًا للهِ أَنْ أذكرَه)، فهوَ شاهدٌ دامغٌ على عدمِ التزامِ الصوفيةِ بالذكرِ الشرعي، وعلى التقدُّمِ عليه برغبتِهم وَأحوالِهم وَتصوفِهم؛ لأنَّ الشرعَ لَمْ يأمرْنا بالتمضمضِ عِندَ ذكرِ اللهِ تعالى، وَلَا كانَ النبيُّ - صلى اللهُ عليه وسلم - يفعلُ ذلكَ.

قَالَ تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب: 41].

وَقالَ تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 191].

وَقَالَ تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103].

وَقَدْ كَانَ النبيُّ - صلى اللهُ عليه وسلم - يذكرُ اللهَ فِي كُلِّ أحوالِه، وَشَرَعَ لأمتِه أذكارَ الصباحِ وَالمساءِ وَالأكلِ وَالنومِ، وَدخولِ بيتِ الخلاءِ، وَلَمْ يأمرْنا بالتمضمضِ لذلك.

  وَفِيما يتعلقُ بما رُوي عنْ التستري بأنَّ خالَه عَلَّمَه ذكرًا يقولُه فِي الليلِ، وَأنَّه أَخَذَ بِه سنينَ مِنْ عُمُرِه، فكانَ مما قالَه لَه: (قُلْ بقلبِك عِندَ تقلُّبِكَ فِي ثيابِك ثلاثَ مراتٍ مِنْ غيرِ أنْ تحرِّكَ بِه لسانَك: اللهُ مَعي، اللهُ ناظرٌ إليَّ، اللهُ شاهدٌ عليَّ ...)).

فهوَ ذكرٌ لَمْ يَرِدْ فِي أورادِ اليومِ وَالليلةِ التِي فِي شريعتِنا، وَكانَ على الخالِ أنْ يأمرَه بالتزامِ الأورادِ الشرعيةِ أولًا، وَكانَ على التستري بعدمَا كبرَ أنْ يَرْجِعَ إلى الأذكارِ الشرعيةِ، فهي التي أُمِرْنَا بالتعبدِ بِها، ثمَّ بعدَ ذلكَ له أنْ يدعو بالدعاءِ الحلالِ بألفاظٍ مِنْ عندِه غير مقيدةٍ بأوقاتٍ وَلا بشروطٍ محددةٍ، وَلا تكونُ بديلًا عنْ الأذكارِ الشرعيةِ؛ لأنَّ الشرعَ هوَ وحده الذي يقيدُ ذلكَ، وأورادُه هيَ التِي أُمِرْنَا بالتعبدِ بها.

وَمِنْ جهةٍ أخرى؛ فإنَّ الخالَ قَدْ خالفَ الشرعَ عندما أمرَ ابنَ أختِه أنْ يدعوا بالقلبِ دونَ اللسانِ؛ لأنَّ اللهَ تعالى أمرَنَا بالدعاءِ اللفظي وَالقلبي معًا؛ كَمَا فِي قولِه تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف: 205].

وَقولِه تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء: 110].

وَقولِه تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].

فكانَ على الخالِ أنْ يُعَلِّمَ ابنَ أختِه أورادَ النبيِّ - صلى اللهُ عليه وسلم - التي كانَ يقولُها عندما يأتي إلى النومِ، منها أنَّه كانَ إذا أرادَ أنْ يرقدَ وَضَعَ يدَه اليُمنى تحتَ خدِّه ثُمَّ يقول: ((اللَّهُمَّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ))([8]).

لكن الرجلَ تَرَكَ الأورادَ الشرعيةَ وَرَاءَ ظهرِه وَاخْتَرَعَ لابنِ أختِه دعاءً مِنْ عندِه ليسَ مِنْ أورادِ النومِ، وَفيه ما يخالفُ الشرعَ أيضًا، وَقولُه هذا ينسجمُ مَع منهجِ الصوفيةِ فِي تَعَبُّدِهِم بالعبادةِ الصوفيةِ لا الشرعيةِ، فالرجلُ فَعَلَ ذلكَ عَنْ قصدٍ وَليسَ خطأً وَلا سهوًا منه.


الهوامش

([1]) رواه البخاري، (3293).

([2]) رواه البخاري، (401).

([3]) صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، (1/432)، (4656).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
الردُّ على الذكرِ وَالغناءِ عِنْدَ الصوفيةِ (1).doc doc
الردُّ على الذكرِ وَالغناءِ عِنْدَ الصوفيةِ (1).pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى