الأدلة على عدم جواز مشابهة أهل الكتاب وغيرهم في أعيادهم

الأدلة على عدم جواز مشابهة أهل الكتاب وغيرهم في أعيادهم






الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛مشابهة أهل الكتاب في ذاتها ليست بدعةً بمعناها الاصطلاحي، وإنما معصية لورورد ذكرها والنهي عنها في النصوص، هذا إن عملها المسلمُ لمجرد التشبه بهم، وأما إن جعلها من الديانة والقربات الشرعية فهي بلا شك بدعةٌ محرمةٌ.

إذ تبيَّن هذا فاعلم أن مخالفةَ الكفارِ أصحاب الجحيم في جميع أمورهم - صغيرها وكبيرها - مقصدٌ من مقاصد الشرع القويم، ومقتضى من مقتضيات الصراط المستقيم؛ لذا جاءت النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة والآثار السلفية وإجماع الأمة في الأمر بمخالفتهم، وتحريم التشبه بهم عمومًا، وفي أعيادهم خصوصًا؛ وذلك لما في التشبه بهم من عواقب سيئة وآثار سلبية على المسلمين في الأقوال والأعمال والأخلاق وغير ذلك.

فمن الكتاب:

قوله تعالى في سورة الفاتحة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 6-7]، فأمرنا الله أن نستهديه صراطَه المستقيم، وهو صراط الذين أنعم عليهم - وهم أهل الهداية والاستقامة والإيمان - المشتمل على العلم بالحق والعمل به، غير صراط المغضوب عليهم - وهم اليهود - الذين فسدت إرادتُهم، فعلوا الحقَّ وعدلوا عنه، ولا صراط الضالين - وهم النصارى - الذين فقدوا العلم فهم هائمون في الضلالة، لا يهتدون إلى مخالفة أهل الـمَسْلَكَيْن، والنهي عن التشبه بهم في جميع أمور دينهم ومنها الأعياد.

ومنه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72]، رُوي عن بعض التابعين أن المراد بــــــ"الزور" في هذه الآية: (أعياد المشركين)([1]).

ومن ذلك قوله تعالى: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ} [الحج: 67]؛ رُوي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى: { مَنْسَكًا}، أنه قال: (عيدًا)([2]).

وأما من السنة فالأحاديث في ذلك كثيرة جدًّا؛ منها:

1- حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - مرفوعًا: ((منْ تشبَّه بقومٍ فهو منهم))، وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم؛ كما في قوله: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51]([3])، قال الإمام ابن كثير - رحمه الله -: (ففيه دلالةٌ على النهيِّ الشديدِ والتهديدِ والوعيدِ على التشبُّهِ بالكفارِ في أقوالِهم وأفعالِهم ولباسِهم وأعيادِهم وعباداتِهم، وغيرِ ذلك من أمرِ دينِهم التي لم تُشرعْ لنا ولا تقر عليها)([4]).

2- ومنها: حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: ((قَدِمَ رسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم - المدينةَ ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: مَا هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعبُ فيهما في الجاهليةِ، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّ اللهَ قد أبدلَكم بهما خيرًا منهما؛ يوم الأضحى ويوم الفطر))([5]).

وجه الدلالة: إن العيدين الجاهليين لم يقرهما رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم - ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة، بل قال: ((إنَّ اللهَ قد أبدلَكم بهما خيرًا منهما؛ يوم الأضحى ويوم الفطر))، فهذا يقتضي ترك الجمع بينهما، لا سيما وقوله صلى الله عليه وسلم ((خيرًا منهما))، يقتضي الاعتياض بما شرع لنا، عما كان في الجاهلية([6])، قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في شرح هذا الحديث: (واستُنْبِطَ منه كراهة الفرح في أعيادِ المشركين والتشبه بهم)([7]).

3- ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ لكلِ قومٍ عيدًا، وإن عيدَنا هذا اليومُ))([8]).

وأما أقوال السلف الصالح في هذا الباب فكثيرةٌ جدًّا، وقد بوَّب الحافظ البيهقي في "السنن الكبرى" في كتاب الجزية "بابُ كراهيةِ الدخولِ على أهلِّ الذمةِ في كنائِسهم، والتشبُّهِ بهم يوم نيروزِهم ومهرجانِهم"، ثم روى بأسانيده مجموعةً من الآثار السلفية في ذلك؛ ومنها:

1- عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - قال: (لا تَعَلَّمُوا رطانةَ الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائِسهم يومَ عيدِهم، فإن السخطةَ تَنَزَّلُ عليهم)([9]).

2- وعنه – رضي الله عنه - أيضًا: (اجتنبوا أعداءَ اللهِ في عيدِهم)([10]).

3- وعن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما - قال: (من بنى ببلادِ الأعاجم فصنعَ نيروزَهم ومهرجانَهم، وتشبَّه بهم حتى يموت وهو كذلك، حُشر معهم يومَ القيامةِ)([11]).

الإجماع:

على ضوء ما سبق من الأدلة، فقد انعقد الإجماع بين المسلمين على تحريم التشبه بالكفار عمومًا، وفي أعيادهم ومواسمهم خصوصًا، ويدل على ذلك (شروط عمرَ – رضي الله عنه - التي اتفق عليها الصحابةُ، وسائرُ الفقهاءِ بعدهم: أنَّ أهلَ الذمةِ من أهلِ الكتابِ لا يُظْهِرُون أعيادَهم في دارِ الإسلامِ، وسموا: الشعانين والباعوث([12])، فإذا كان المسلمون قد اتفقوا على منعِهم من إظهارِها، فكيف يسوغُ للمسلمين فعلُها؟! أوليس فعل المسلمِ لها أشدُّ من فعلِ الكافرِ لها مُظْهِرًا لها؟!)([13]).

لذا لم يألُ أهلُ العلم - قديمًا وحديثًا - جهدًا في بيان الحق وإسداء النصح للمسلمين وتحذيرهم من التشبه بالكافرين والمشاركة في أعيادهم، وكان لأئمة الشافعية - رحمهم الله - النصيب الأوفر من هذه الجهود المباركة، بل أفرد بعضهم - الحافظ الذهبي - رسالةً في ذلك سماها " تشبه الخسيس بأهل الخميس"، حذَّر فيها من التشبه بالكفار عمومًا وبالنصارى - أهل الخميس - خصوصًا، وأن ذلك من البدع المنكرة الشنيعة.

وإليك بعض أقوالهم في ذلك:

قال الحافظ الذهبي - رحمه الله - في الرسالة السابقة: (قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51]، قال العلماء: ومن موالاتِهم التشبه بهم، وإظهارِ أعيادِهم، وهم مأمورون بإخفائِها في بلادِ المسلمين، فإذا فعلها المسلمُ معهم فقد أعانهم على إظهارِها، وهذا منكرٌ وبدعةٌ في دينِ الإسلامِ، ولا يفعلُ ذلك إلا كلُّ قليلِ الدينِ والإيمانِ، ويدخلُ في قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((من تشبَّه بقومٍ فهو منهم)).

وقد مدحَ اللهُ من لا يشهد أعيادَ الكافرين ولا يحضُرها؛ قال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان: 72]، فمفهومه أن من يشهدها ويحضرها يكون مذمومًا ممقوتًا لأنه يشهدُ المنكرَ ولا يمكنه أن ينكرَه، وقد قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((منْ رأى منكم منكرًا فليغيره بيدِه، فإن لم يستطِعْ فبلسانِه، فإن لم يستطعْ فبقلبِه، وذلك أضعفُ الإيمان))([14])، وأي منكرٍ أعظم من مشاركة اليهود والنصارى في أعيادهم ومواسمهم، ويصنع كما يصنعون؟!)([15]).

وقال الحافظ ابن النحاس - رحمه الله -: (واعلم أن أقبحَ البدعِ وأشنعَها: موافقةُ المسلمين للنصارى في أعيادِهم بالتشبِه بهم في مأكلِهم وأفعالِهم، والهديةُ إليهم وقبولُ ما يهدونه من مأكلِهم في أعيادِهم، وقد عانى هذه البدعَ أهلُ بلادِ مصرَ، وفي ذلك من الوَهَنِ من الدينِ وتكثير سوادِ النصارى والتشبه بهم ما لا يخفى، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((من تشبَّه بقومٍ فهو منهم)).

وقد تكونُ المهاداةُ في الأعيادِ سببًا لتآلفٍ بينهم وبين من يهدون إليه من المسلمين وتربيةٍ للمودةِ والمحبةِ، وقد قال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة: 22]، مع ما في موافقتِهم من الإيهامِ الشديدِ في تعظيمِ أعيادِهم وتغبيطِهم بدينِهم ومما شرعوه.

وقد مَنَعَهُم الشرعُ من إظهارِ أعيادِهم وألزمَهم بإخفائِها، وندبَ العلماءُ إلى الإنكارِ عليهم في إظهارِها، فلمْ يكتفِ المسلمون بسكوتِهم عن الإنكارِ ومداهنتِهم فيه، حتى زادوا على ذلك بقبولِ هداياهم، بل الهدية إليهم بما اعتادوا أكله في أعيادِهم، بل بالغوا في المداهنةِ حتى تشبهوا بهم في مآكِلِهم وأفعالِهم، ولم يتناهوا فيما بينهم عن التشبه بهم، فإنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعون)([16]).

 

الهوامش:

([1]) روي هذا عن: أبي العالية، وطاووس، وابن سيرين، والضحاك، والربيع بن أنس وغيرهم - رحمهم الله -، انظر: تفسير ابن كثير، (3/317)، والأمر بالاتباع، السيوطي، ص(151)، وتشبه الخسيس بأهل الخميس، الذهبي، ص(11-12).

([2]) انظر: تفسير الطبري، (18/679)، ت/أحمد شاكر، وتفسير البغوي، (5/398)، وتفسير العز بن عبد السلام، ص(352)، وتفسير ابن كثير، (3/227).

([3]) اقتضاء الصراط المستقيم، ابن تيمية، (1/270).

([4]) تفسير ابن كثير، (1/141-142).

([5]) تقدم تخريجه، ص(882).

([6]) انظر: اقتضاء الصراط المستقيم، ابن تيمية، (1/486-487)، وفيض القدير، المناوي، (4/511)، والأعياد وأثرها على المسلمين، سليمان السحيمي، ص(125).

([7]) فتح الباري، ابن حجر، (2/442).

([8]) رواه البخاري، كتاب العيدين، باب سنة العيدين، (952)، ومسلم، كتاب صلاة العيدين، باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد، (892)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

([9]) رواه البيهقي في السنن الكبرى، (9/234)، وعبد الرزاق في المصنف، (1/411)، ونقله شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم، (1/511) وقال: إسناده صحيح.

([10]) رواه البيهقي في السنن الكبرى، (9/234) وذكره شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم، (1/513).

([11]) رواه البيهقي في السنن الكبرى، (9/234)، وذكره شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم، وقال: إسناده صحيح.

([12]) "الباعوث" للنصارى كالاستسقاء للمسلمين، وهو اسم سرياني، وكانت عادتهم أنهم يخرجون إلى الصحراء بصلبانهم فيستسقون، انظر: النهاية في غريب الحديث، ابن قتيبة، (1/359)، ولسان العرب، ابن منظور، (مادة: بعث).

([13]) اقتضاء الصراط المستقيم، ابن تيمية، (1/510)، وانظر أيضًا: (1/363) و(365-366) منه، وتشبه الخسيس بأهل الخميس، الذهبي، ص(13).

([14]) رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب كون النهي عن المنكر من الإيمان، (49).

([15]) تشبه الخسيس بأهل الخميس، الذهبي، ص(19-20).

([16]) تنبيه الغافلين، ابن النحاس، ص(307-310).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
الأدلة على عدم جواز مشابهة أهل الكتاب وغيرهم في أعيادهم.doc doc
الأدلة على عدم جواز مشابهة أهل الكتاب وغيرهم في أعيادهم.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى