أسماء الله الحسنى: (الأكرم والكريم)

أسماء الله الحسنى: (الأكرم والكريم)



الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، ثم أما بعد؛
الأدلة في القرآن والسنة:

جاء اسم الأكرم لله تعالى في قوله تعالى: { اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} [العلق: 3]، واسم الكريم في موضعين هما: قوله تعالى: {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل: 40]، وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار: 6].

وأما في السنة فقد جاء اسم الله الأكرم في حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت:" أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه-وهو التعبد- الليالي ذات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فتيزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني[1] حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} [العلق: 1 - 3]...الحديث"[2].

وفي اسم الكريم قال صلى الله عليه وسلم:" إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا"[3].

المعنى في حق الله تعالى:

ألخص معنى اسم الأكرم والكريم من أسماء الله الحسنى في الآتي:

          1-الأكرم: هو الأفعل من الكرم، وهو كثرة الخير ولا أحد أولى بذلك منه سبحانه، فإن الخير كله بيديه، والخير كله منه، والنعم كلها هو موليها، والكمال والمجد كله له، فهو الأكرم حقا[4].

          2-أن اسم الأكرم فيه كل خير وكل كمال فلله كل كمال وصفا ومنه كل خير فعلا فهو الأكرم في ذاته وأوصافه وأفعاله[5].

          3-أن الأكرم الذي لا يوازيه كريم، ولا يعادله في الكرم نظير، وغاية كرمه إعطاؤه الشيء من غير طلب العوض[6].

          4-أنه سبحانه كثير الكرم والإحسان، واسع الجود[7]، أكرم من كل من يرتجى منه الإعطاء[8].

          5-أن اسم الله الكريم: هو البهي الكثير الخير، العظيم النفع، وهو من كل شيء أحسنه وأفضله، والله سبحانه وصف نفسه بالكرم، ووصف به كلامه، ووصف به عرشه، ووصف به ما كثر خيره، وحسن منظره، لذلك فسر الكريم بالحسن[9].

          6-أن من كرم الله سبحانه، أنه يأمر عباده بدعائه، ويعدهم بإجابة دعواتهم وإسعافهم بجميع مراداتهم ويؤتيهم من فضله ما يسألونه وما يسألوه[10].

          6-أن اسمي الله الأكرم والكريم يدلان على كرم الله بعبده أنه يغفر الذنوب، ويعفو عن السيئات[11]، وإذا تاب العبد بدل سيئاته حسنات، وأنه يبتدئ بالنعمة من غير استحقاق، ويتفضل بالإحسان من غير استثابة[12]، فالله هو الكريم الجواد المعطي، الذي لا ينفد عطاؤه، وله الكرم المطلق[13].

          8-أن اسمي الكريم والأكرم يدلان على أنه سبحانه دائم المعروف، كثير النوال، ذي الطول والإنعام، ابتدأ خلقه بجوده وكرمه، منذ أن كانوا في عالم الذر، ثم نقلهم إلى عالم الحياة محفوفين بلطفه، وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة[14].

          وبالجملة: فالكريم الذي من شأنه أن يعطي الخير الكثير بسهولة ويسر[15]

المعنى عند المخالفين والمناقشة والرد:

أولًا: المعنى عند المعتزلة:

الكرم: الحُسن[16].

والكريم: بالإنعام على من يكفر نعمته.[17]

والأكرم: الذي له الكمال في زيادة كرمه على كل كرم، ينعم على عباده النعم التي لا تحصى، ويحلم عنهم فلا يعاجلهم بالعقوبة مع كفرهم، وجحودهم لنعمه وركوبهم المناهي وإطراحهم الأوامر، ويقبل توبتهم ويتجاوز عنهم بعد اقتراف العظائم، فما لكرمه غاية ولا أمد.[18]

ثانيًا: المعنى عند الأشاعرة:

الكرم: بمعنى الشرف والطهارة غير حاصل إلا لله سبحانه وتعالى.[19]

وهو الذي إذا وعد وفى، وإذا أعطى زاد على منتهى الرجاء، ولا يبالي كم أعطى ولمن أعطى، وإن وقعت حاجة إلى غيره لا يرضى، وإذا جفى عاتب وما استقصى، ولا يضيع من لاذ به والتجأ، ويغنيه عن الوسائل والشفعاء[20].

ومن كرمه سبحانه أن يبتديء بالنعمة من غير استحقاق، ويتبرع بالإحسان من غير سؤال، ومن كرم عفوه أن العبد إذا تاب عن السيئة محاها عنه، وكتب له مكانها حسنة، ومن كرمه أنه في الدنيا يستر ذنوبهم، ويخفى عيوبهم، ومن كرمه أنهم إذا استغفروه غفر لهم، قال تعالى: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10] ومن كرمه أن يغفر لهم ولا يذكرهم أنواع معاصيهم وقبائحهم وفضائحهم، ومن كرمه أنهم إذا أتوا بالطاعات اليسيرة أعطاهم الثواب الجزيل، وشرفهم بالثناء الجميل، ومن كرمه أنه جعلهم أهلًا لمعاهدته، فقال: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [البقرة: 40]، بل أهلًا لمحبته، فقال: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54].

ومن كرمه أنه جعل الدنيا ملكًا للعبد، فقال: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29]، والآخرة أيضًا ملكًا لهم، فقال: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } [آل عمران: 133].

ومن كرمه أنه سخر للإنسان كل ما في السماوات والأرض، فقال: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: 13].

أما الأكرم: فهو تعالى أكرم الأكرمين، وقد يكون الأكرم بمعنى الكريم.[21]

ثالثًا: المعنى عند الماتريدية:

الكريم: هو الذي يقبل القليل واليسير.[22]

وهو الذي لا يأخذ بالعقوبة وقت الجريرة.[23]

والأكرم: هو الوصف بغاية الكرم، كالأعلم وصف بإحاطة العلم وكماله.[24]

 

الهوامش:

[1] فغطني: الغط: الضغط الشديد وتأتي بمعنى: غمني أو غتني كما في بعض الروايات.

ينظر: المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث، للحافظ أبي موسى المديني الأصفهاني (2/567)، ومشارق الأنوار على صحاح الآثار، لقاضي عياض (2/221)، وكشف المشكل من حديث الصحيحين، لابن الجوزي (4/272).

[2] أخرجه الإمام البخاري في كتاب: بدء الوحي، باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  3(1/29)، وفي مواضع أخرى في الصحيح

[3] للحديث عدة طرق، وله أكثر من رواية، وأخرجه عدد من أصحاب الكتب المسندة، فأخرجه ابن ماجه في السنن، باب: رفع اليدين في الدعاء (3865) (2/271)، وأبو داود في السنن، باب الدعاء (1488) (2/78)، والبيهقي في الأسماء والصفات (155) (1/220)، والحاك في المسدرك (1/497)، وابن حبان كما في الاحسان، (876) (3/160)، والقضاعي في مسند الشهاب (1111) (2/165)، من طريق جعفر بن ميمون، وهذا الطريق ضعيف، وأخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (4591) (5/31)، وابن أبي شيبة في المصنف (9604) (10/340)، والحاكمفي المستدرك (1/535)، وغيرهم من طريق سليمان التميمي.

قال البغوي في (شرح السنة) (5/185)، حسن غريب، وقال ابن حجر في الفتح (11/143)، إسناده جيد.

وللحديث طرق أخرى، وجاءت له رواية موقوفة على سلمان الفارسي.

قال الإمام الذهبي عن هذا الحديث في كتاب العلو (1/521):"هذا حديث مشهور رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا علي بن أبي طالب وابن عمر وأنس وغيرهم".

[4] ينظر: مفتاح دار السعادة، لابن القيم (1/242).

[5] المرجع السابق (2/241).

[6] ينظر: تفسير الخازن (4/448).

[7] ينظر تفسير السعدي (930).

[8] تفسير القاسمي (9/508).

[9] ينظر: التبيان في أقسام القرآن، لابن القيم (202).

[10] ينظر: الحق الواضح المبين، للسعدي(3/236).

[11] ينظر: الحجة في بيان المحجة، لقوام السنة الأصفهاني (1/145).

[12] ينظر: ولله الأسماء الحسنى، أحمد عبد الجواد (118).

[13] ينظر: الحجة في بيان المحجة (1/145).

[14] ينظر: ولله الأسماء الحسنى (117).

[15] ينظر: التبيان في أقسام القرآن (203).

[16] ينظر: الفائق في غريب الحديث، للزمخشري، (3/6)

[17] ينظر: الكشاف، (4/456)

[18] ينظر: الكشاف، (6/456)

[19] شرح أسماء الله الحسنى، للرازي، (ص 264)

[20] المقصد الأسني في شرح أسماء الله الحسنى، للغزالي، ص (188).

[21] ينظر: شرح أسماء الله الحسنى، للرازي، ص 264- 265.

[22] تفسير الماتريدي، ص 8/118.

[23] ينظر تفسير الماتريدي، ص 10/444.

[24] تفسير الماتريدي، ص 10/578

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
أسماء الله الحسنى: (الأكرم والكريم).doc doc
أسماء الله الحسنى: (الأكرم والكريم).pdf pdf

ذات صلة

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى