أسماء الله الحسنى: (الأحد والواحد)

أسماء الله الحسنى: (الأحد والواحد)





الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، ثم أما بعد؛
الأدلة في القرآن والسنة:
ورد اسم الأحد في سورة الإخلاص، عند قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1].
وورد اسم الواحد في عدة مواضع منها قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الرعد: 16].
وورد ذكر هذين الاسمين في بعض الأحاديث ومنها حديث الاسم الأعظم المتقدم.
المعنى في حق الله تعالى:
يمكن إيجاز معنى اسم الله الأحد والواحد فيما يلي:
1-الأحد: هو المتضمن لانفراده بالربوبية والإلهية[1]، ويراد به نفي كل شريك لذي الجلال[2]، وهو الواحد لا إله غيره[3].
2-أحد: اسم من أسماء الله يسمى الله به ولا يسمى غيره من الأعيان به، فلا يسمى شيء من الأشياء أحدًا في الإثبات إلا في الأعداد المطلقة[4].
3-الأحد: هو الذي انحصرت فيه الأحدية، فهو الأحد المنفرد بالكمال.
4-الأحد: الذي له الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا، والأفعال المقدسة التي لا نظير له ولا مثيل[5]، أي هو الفرد الذي لا شبيه له، ولا شريك ولا معين له ولا نظير[6].
5-الواحد والأحد: الذي لم يزل وحده، ولم يكن معه آخر[7]، ولا يوصف شيء بالأحدية غيره، لأن له هذه الخصوصية[8].
6-اسم الأحد لم يأتي في القرآن إلا في سورة الإخلاص، لذلك جاءت الأخبار الثابتة بفضل[9] هذه السورة، فاسنبط العلماء لذلك وجهًا مناسبًا، وهو أن القرآن مع غزارة فوائده، اشتمل على ثلاثة أقسام، قسم منه في الأحكام، وقسم في الوعد والوعيد، وقسم في معرفة الله ومعرفة أسمائه وصفاته، ولما تضمنت سورة الإخلاص أحد هذه الأقسام الثلاثة، وهو التقديس، وازنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلث القرآن، كما جاء في الحديث أن رجلا سمع رجلا يقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] يرددها، فلما أصبح جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك- وكأن الرجل يتقالها- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن"[10].
وفي لفظ أن رجلا قام في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ من السحر {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] لا يزيد عليها...الحديث بنحوه[11].
وروى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"احشدوا فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن، فحشد من حشد، ثم خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم فقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1].
ثم دخل، فقال بعضنا لبعض: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن" إني لأرى هذا خبرا جاءه من السماء ثم خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال:" إني قلت سأقرأ عليكم ثلث القرآن، ألا وإنها تعدل ثلث القرآن"[12].
وروى أنس بن مالك رضي الله عنه أنه"كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء وكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به افتتح بقل هو الله أحد حتى يفرغ منها ثم يقرأ سورة أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعة، فكلمه أصحابه فقالوا: إنك تفتح بهذه السورة ثم لا ترى أنها تجزئك حتى تقرأ بأخرى، فإما أن تقرأ بها وإما أن تدعها، وتقرأ بأخرى، فقال: ما أنا بتاركها، إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت، وإن كرهتم تركتكم، وكانوا يرون أنه من أفضلهم وكرهوا أن يؤمهم غيره، فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر، فقال: يا فلان ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك، وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة؟
فقال: إني أحبها.
فقال: حبك إياها أدخلك الجنة"[13].
وروي عن معاوية ابن معاوية الليثي أنه كان يقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] قائمًا وقاعدًا وذاهبا وجائيا وعلى كل حال، وعندما مات رضي الله عنه بالمدينة، والنبي صلى الله عليه وسلم بغزوة تبوك أتاه جبريل وأخبره بموته، فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم وخلفه صفان من الملائكة في كل صف سبعون ألف ملك[14]، فنال هذه المنزلة بمحبة قل هو الله أحد، وكثرة قراءتها.
لذلك نجد أن هذه السورة اشتملت على اسمين عظيمين من أسماء الله تعالى يتضمنان جميع أصناف الكمال، لم يجدو في غيرهما من السور وهما الأحد والصمد، لأنهما يدلان على أحدية الذات المقدسة الموصوفة بجميع أوصاف الكمال.
8-أن الأحد يشعر بوجود الله الخاص الذي لا يشاركه غيره، والصمد يشعر بجميع أوصاف الكمال لأنه الذي أنتهى إليه سؤدده فكان مرجع الطلب منه وإليه، ولا يتم ذلك على وجه التحقيق إلا لمن حاز جميع خصال الكمال وذلك لا يصلح إلا لله تعالى، فلما اشتملت هذه السورة على معرفة الذات المقدسة كانت بالنسبة إلى تمام المعرفة بصفات الذات وصفات الفعل ثلث[15].
وتضمنت هذه السورة توجيه الاعتقاد، وصدق المعرفة وما يجب إثباته لله من الأحدية المنافية لمطلق الشركة والصمدية المثبته له جميع صفات الكمال الذي لا يلحقه نقص، ونفي الولد والوالد المقرر لكمال المعنى، ونفي الكفئ المتضمن لنفي الشبيه والنظير، وهذه مجامع التوحيد الاعتقادي، ولذلك عادلت ثلث القرآن؛ لأن القرآن خبر وإنشاء، والإنشاء: أمر ونهي وإباحة، والخبر: خبر عن الخالق وخبر عن خلقه، فأخلصت سورة الإخلاص الخبرعن الله، وخلصت قارئها من الشرك الاعتقادي[16].
أما الفرق بين الواحد والأحد من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الواحد يدخل في الأحد، والأحد لا يدخل في الواحد، وثانيها: أنك إذا قلت"فلان لا يقاومه واحد" جاز أن يقال لكنه يقاومه اثنان، وثالثهما: أن الواحد يستعمل في الإثبات كقولك:" رأيت رجلا واحدا" والأحد يستعمل في النفي نحو"ما رأيت أحدا" فيفيد العموم ولعل وجه تخصيص الله بالأحد هو هذا المعنى[17].

المعنى عند المخالفين والمناقشة والرد:
أولا:المعنى عند المعتزلة:
الأحد بمعنى الواحد، وأصله: وحد، والله واحد لا ثاني له[18]، والواحد: هو المتوحد بالبروبية[19].
ثانيا: المعنى عند الأشاعرة:
الواحد: يراد به نفي الكثرة في الذات، ويراد به نفي الضد والند.
فأما التفسير الأول لمعنى الواحد فيفسر بوجوه:
1-أن الواحد شيء لا ينقسم
2-الواحد هو الذي لا يصح فيه الوضع والرفع، بخلاف قولك إنسان واحد، فإنك تقول إنسان بلا يد ولا رجل فيصح رفع شيء منه.
3-الواحد ما لا يكون عددا.
فينتج من ذلك أن معنى الواحد هو الجوهر الفرد الذي يعتبر بهذا التفسير واحد حقيقي.
أما الأحد فأصله في اللغة هو الواحد[20].
ومنهم من عرف الواحد بأنه هو الذي لا يتجزأ ولا يتثنى فالذي لا يتجزأ كالجوهر الواحد الذي لا ينقسم، فيقال الله واحد بمعنى لا جزء له، أي يستحيل تقدير الانقسام في ذاته، وأما الذي لا يتثنى فهو من لا نظير له.
فالواحد هو الذي ينفرد بخصوص وجوده تفردا لا يتصور أن يشاركه غيره فيه أصلا، فهذا هو الواحد المطلق أزلا وأبدا[21].
ثالثا: المعنى عند الماتريدية:
الأحد بمعنى الواحد وهو اسم ينفي المثل في الإضافة، كما يقال: هو واحد الزمان، وواحد الخلق، على نفي التشبيه له عما أضيف إليه، ويكون واحدا من حيث العدد بما عن مثله يبتدأ الحساب، ولا يبتدأ من أحد، فيصير أحدا من هذا الوجه، وهو الواحد الذي يستحيل أن تكون وحدانيته من وجه يحتمل ثانيا، أو من وجه تعديل، فهو الواحد الإله الحق المتعالي عن معنى الأعداد والأنداد.
وقال: الآحاد أربع: واحد هو كل لا يحتمل التضعيف، لإحالة كون وراء الكل وواحد هو الأقل، وهو الذي لا يحتمل التضعيف والتجزؤ، لأنه أقل الأشياء، فإذا تنف يكون ذلك النصف أقل منه.
وواحد هو وسط، وهو الذي يحتمل التنصيف والتضعيف جميعا.
والرابع: هو الذي قام به الآحاد هو، ولا هو أخفى من هو، هو الذي انخرس عنه اللسان، وانقطع دونه البيان، وانحسرت عنه الأوهام، وحارت فيه الأفهام، فذلك الله رب العالمين[23].

الهوامش:

[1] ينظر بدائع الفوائد (1/146).

[2] ينظر: زاد المعاد، لابن القيم (4/181).

[3] ينظر: تفسير غريب القرآن، لابن الملقن (601).

[4] ينظر: تفسير سورة الإخلاص لابن رجب (47).

[5] ينظر: تفسير السعدي (937).

[6] ينظر: تفسير السمرقندي (3/525).

[7] ينظر: مجمع حبار الأنوار، لمحمد طاهر الكجراتي (1/26).

[8] ينظر: اللباب في علوم الكتاب، لابن عادل (20/560).

[9] في فضل هذه السورة ينظر: فضائل القرآن، لأبي عبيد القاسم بن سلام، فضل قل هو الله أحد (266)، فضائل القرآن لابن الضريس، فضائل سورة الإخلاص، لأبي محمد الخلال، وفضائل القرآن للنسائي (5)، وله أيضا عمل اليوم والليلة (429)، بالإضافة إلى كتب التفاسير المتعددة.

[10] أخرجه الإمام البخاري في صحيحه كتاب: فضائل القرآن، باب فضل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] 5013(9/74).

[11] أخرجه الإمام البخاري، في صحيحه كتاب فضائل القرآن، باب فضل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] 5014(9/74).

[12] أخرجه الإمام البخاري، كتاب التوحيد، باب: ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله: 7375 (13/425)، وأخرجه الإمام مسلم في كتاب صلاة المسافرين، باب فضل قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] 813 (6/101).

[13] أخرجه الإمام البخار في كتاب: الأذان، باب: الجمع بين السورتين في الركعة: 775 (2/331).

[14] الحديث روي عن ثلاثة من الصحابة وهم أنس بن مالك، وأبي أمامة، ومعاوية رضي الله عنهم أجمعين، فحديث أنس أخرجه عدد من أهل المصنفات، منهم البيهقي في دلائل النبوة باب: ما روي في صلاته بتبوك على معاوية بن معاوية الليثي رضي الله عنه في اليوم الذي مات فيه بالمدينة (5/245)،وله في الشعب 2553(2/509) مرسلا، ورواه موصلا في السنن في كتاب الجنائز، من وجهين، قال البيهقي في الشعب (2/509):" وهذا المرسل شاهد لهما".

العقيل في كتاب "الضعفاء" (3/342)، في رواية العلاء بن يزيد الثقفي عن أنس:"الرواية في هذا فيها لين" وقال ابن حبان:"العلاء...شيخ يروي عن أنس بن مالك، رواه عنه يزيد بن هارون حديث منكر لم يتابع عليه ولست أحفظ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا يقال له معاوية بن معاوية الليثي وقد سرق هذا الحديث شيخ من أهل الشام فرواه عن بقية عن محمد بن زياد عن أبي أمامه بطوله"، ينظر: المجروحين (2/181)، ثمنقله الإمام الذهبي عن ابن حبان في ميزان الاعتدال (5/123)، وفي تاريخ الإسلام (2/640)، وينظر مجمع الزوائد للهيثمي (3/37-38)، وقال ابن كثير في تفسيره (4/570):" وقد روي هذا من طرق أخر تركناها اخصارا وكلها ضعيفة".

[15] ينظر: فتح الباري، لابن حجر (9/77).

[16] ينظر: فتح الباري (9/77).

[17] ينظر: تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان، لنظام الدين النيسابوري (6/595).

[18] ينظر: الكشاف، للزمخشري (6/460).

[19] المرجع نفسه: (3/345).

[20] ينظر: شرح أسماء الله الحسنى، المسمى "لوامع البينات" للرازي (296-312).

[21] ينظر: المقصد الأسنى في شرح أسماء الل الحسنى (212).

[23] يظر: تفسير الماتريدي المسى (تأويلات أهل السنة) (10/647-648).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
أسماء الله الحسنى: (الأحد والواحد).doc doc
أسماء الله الحسنى: (الأحد والواحد).pdf pdf

ذات صلة

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى