بدع حال الاحتضار والوفاة

بدع حال الاحتضار والوفاة






الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ هذا بعض ما أُحْدِثَ في عيادة المريض، وأما ما أُحْدِثَ في حال الاحتضار والوفاة فكثير جدًّا؛ ومن ذلك:

1-بدعة الإسعاد في النياحة ([1]):

المقصود بالإسعاد هنا: مساعدة النساء بعضهن بعضًا على النياحة ([2]).

ما من ريب أن هذا العمل من البدع المحرمة في الدين؛ لأنه من عوائد أهل الجاهلية، ومن التعاون على الإثم والمعصية، والله تعالى يقول: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]، بل قد جاء نصٌّ صريح في النهي عن هذا العمل.

قال الشيخ علي محفوظ - رحمه الله - عند ذكر بدع الجنائز: (ومن ذلك: بدعة الإسعاد، وهي من عوائد الجاهليةِ في مآتمهم، وقد نهى عنها الدينُ الحنيفُ، ولكنها أُعيدت هذه الأزمان، وانتشرت بين النساءِ حتى صارت من السننِ المألوفةِ، فتراهنَّ يُسْرِعْنَ لمساعدةِ صاحبةِ الميت في النوحِ والبكاءِ، ولا يعرفنَ في التعزيةِ غرضًا سوى ذلك.

وتصيرُ المساعدةُ دَيْنًا في ذمة المرأةِ المصابةِ، ترى وجوب تأديته لكلِّ من ساعدها، وذلك محظورٌ ينهى عنه الشارعُ، روى النسائي عن أنس رضي الله عنه قال: إن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أخذَ على النساءِ حين بايعهن ألا يَنُحْنَ، فقُلن: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن نساءً أسعدتنا في الجاهليةِ أفنسعدهنَّ؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:((لا إسعادَ في الإسلام))([3])، والإسعاد: إعانة النساء بعضهم بعضًا في النياحةِ بموت الميت.

وعن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: لما ماتَ أبو سلمة قلتُ: غريبٌ في أرضِ غربةٍ، لأبكينه بكاءً يُتحدث عنه، فكنتُ قد تهيأتُ للبكاءِ عليه، إذ أقبلت امرأةٌ من الصعيدِ([4])تريدُ أن تسعدني، فاستقبلَها رسولُ اللهِصلى الله عليه وسلم فقال: ((أتريدين أن تُدْخِلِي الشيطانَ بيتًا أخرجَه اللهُ منه)) مرتين، فكففتُ عن البكاءِ فلم أبكِ([5]))اهـ([6]).

قلتُ: ومما يدل على بطلان بدعة الإسعاد، ما جاء في الأحاديث من النهي عن النياحة، وأنها من أعمال الجاهلية؛ ومن ذلك:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اثنتان في الناسِ هما بهم كفرٌ: الطعنُ في النسبِ، والنياحةُ على الميتِ))([7])، أي أنهما من أعمال الكفار وأخلاق الجاهلية، وهذا أصح الأقوال في معنى الحديث، وقيل غير ذلك، وعلى كل حالٍ فالحديث يدل على تغليظ تحريم الطعن في النسب والنياحة([8]).

وعن أبي مالك الأشعري قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أربعٌ في أمتي من أمرِ الجاهليةِ لا يتركونهنَّ ... وذكر منها: النياحة))، وقال: ((النائحةُ إذا لم تتبْ قبلَ موتِها تُقامُ يوم القيامةِ وعليها سربالٌ من قطران ودرعٌ من جرب))([9]).

2-ما يفعله بعضُ النساء: أنه إذا مات عندهن صغيرة أو عروس يُجْلِسْنَها ويُلْبِسْنَها أحسن ثيابها، ويُزَيِّنَّ وجهها كما يُفعل بالعروس مع التزفيف بالغناء، وربما أَخَّرْنَها عن الدفن يومًا أو يومين للتوديع في زعمهن، حتى تنتفخ ويتغير ريحها وتصير معتلة:

وكل هذه الأمور من البدع المحرمة والمنكرات الشنيعة التي زينها الشيطان للنساء الجاهلات فرأينها حسنة، قال الإمام ابن النحاس - رحمه الله - عند ذكر بدع الجنائز: (ومنها: ما يفعلُه كثيرٌ من النساءِ الجاهلات والجاهليات أخوات الشياطين، وهو إذا ماتَ عندهن صغيرة أو عروس، يُجْلِسْنَها ويُلْبِسْنَها أحسن ثيابها من الحرير والذهب، ويُزَينَّ وجهها كما يُفعل بالعروس، ويزففنها بالمغاني أو غيرهم.

وربما أَخَّرْنَها عن الدفن يومًا أو يومين ليودعنها في زعمهن، إلى أن تنتفخَ ويتغيرُ ريحُها وتصيرُ معتلةً، وهذه بدعة عظيمة، ومحرمات شديدةٌ قبيحةٌ، يحرمُ على كلِّ قادرٍ السكوت عنها، ويجبُ على كلِّ أحدٍ المساعدة في دفنها، ومنعها بقدرِ الطاقة.

ومن تركَ إنكارَ ذلك من أهلِ الميتِ وغيرهم مع القدرةِ، أو سكتَ عن رفعِ ذلك إلى قادرٍ على إزالتِه؛ فهو وهنٌ، سواءٌ في الإثمِ، ويفسق إن كان عدلًا، وتُرَدُّ شهادته مع ما له عندَ اللهِ يوم القيامةِ من الخزي العظيم والعذاب الأليم، نسألُ اللهَ العافيةَ والسلامَ من الفتنِ ما ظهر منها وما بطن)([10]).

3-بدعة تغطية الرجل الميت باللحاف والحرير والفوط الحرير والمزركش وفرش ذلك تحته:

هذا العمل ليس له أصل في الشرع، وهو من البدع المحرمة بلا شك، قال الإمام ابن النحاس - رحمه الله - في ذكر بدع الجنائز: (ومنها: تغطيةُ الرجلِ الميتِ باللحافِ والحريرِ والفوطِ الحريرِ والمزركشِ وفرش ذلك تحته، وهذه أيضًا بدعةٌ محرمةٌ يجب إنكارها على فاعلِها بالميت، ولو كان هذا جائزًا لكان الأولى أن يقدم إلى اللهِ تعالى في ثيابِ الذلِّ والافتقارِ، لا في ملابس التيه والافتخارِ، الله بصِّرْنَا يا أرحم الراحمين)([11]).

4-بدعة حضور القرَّاء على باب الميت، أو قريبًا من داره، وبسط الحصر والبسط المشتركة لهم:

قال الإمام ابن النحاس - رحمه الله - عند ذكر بدع الجنائز: (ومنها: ما يفعلُه بعضُهم من حضورِ القرَّاءِ على بابِ الميتِ أو قريبًا من داره، ويُبسط لهم الحصر والبُسُط المشتركة، وذلك بدعة، وهم غاصبون لطريقِ المسلمين التي جلسوا فيها من غيرِ ضرورةٍ شرعيةٍ، وقد نهى النبيُّصلى الله عليه وسلم عن الجلوسِ في الطرقات، فيجب إنكار ذلك على كلِّ قادرٍ)([12]).

5-بدعة لبس الأسود من الثياب عند حدوث المصيبة، أو جعل فرش البيت كله أسود، أو تغطيته بغطاء أسود مدة معينة:

هذه العادة ليس لها أصل في الشرع المطهر، بل لبس البياض في جميع الحالات أفضل من الأسود، كما جاءت به السنة المطهرة، قال الشيخ علي محفوظ - رحمه الله -: (ومن البدع السيئة: ما اعتاده الناسُ من لبسِ الأسود من الثيابِ عند حدوثِ مصيبة، فإنه لا أصلَ له في السنةِ، وأول من أحدَثَه العباسيون حين قتلَ مروانُ الأموي إبراهيم الإمام لما تنسَّم منه دعوى الخلافة، لبسوه حزنًا عليه فصار شعارًا لهم.

قالوا: لأنه أشبَه بثيابِ أهلِ المصيبة، لا تجلي فيها عروس، ولا يلبِّي فيها محرمٌ، ولا يُكفن فيها ميت، وفي الحكم: البس البياض والسواد فإن الدهر كذا (بياض نهارٍ وسواد ليلٍ)([13])، وإنما السنة لبس الثياب البيض في حال الشدة والرخاء والحياة والموت؛ ففي الحديث عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((البسوا من ثيابِكم البياض، فإنها خيرُ ثيابِكم، وكفِّنُوا فيها موتاكُم)) رواه أبو داود والترمذي، وقال: حسن صحيح.

ومن العادات السيئة: ما يفعلُه أهلُ مصر عند مصيبةِ الموت من جَعْلِ فرش البيت كلِّه أسود، أو تغطيته بغطاء أسود مدةَ عامٍ أو أكثر، وهي عادةٌ سخيفةٌ تدلُّ على شدةِ الجزعِ وعدم الرضا بقضاء الله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 18])([14]).

6-بدعة وضع السراج على مكان غسل الميت، ووضع ماء في إناء هناك لمدة ثلاثة أيام أو أكثر أو أقل:

فهذان الأمران ليسا لهما أصل في الشرع الحنيف، ولا من طريقة السلف الصالح - رحمهم الله -، وهما بدعتان منكرتان يجب تركهما، قال الشيخ أحمد بن حجر آل بوطامي عند ذكر بدع الجنائز، ومنها: (وضعُ السراجِ على مكان غسل الميتِ، ووضعُ ماءٍ في إناءٍ هناك لمدة ثلاثة أيام أو أكثر أو أقل، بشبهةِ أن روحه تأتي هناك، وتشربُ من هذا الماء)([15]).

 

الهوامش:

([1]) النياحة هي رفع الصوت بالندب، وهو تعديد محاسن الميت مع البكاء، كقول النساء: واجبلاه، واسنداه، واكريماه، ونحوها، انظر: المجموع، (5/280)، والأذكار، النووي، ص(250).

([2]) انظر: النهاية في غريب الحديث، ابن الأثير، (2/366)، وغريب الحديث، الخطابي، (1/368)، والإبداع، علي محفوظ، ص(200).

([3]) رواه النسائي، كتاب الجنائز، باب النياحة على الميت، (1853)، وصححه الألباني، صحيح الجامع الصغير، (7168).

([4]) المراد بالصعيد هنا: عوالي المدينة، وأصل الصعيد ما كان على وجه الأرض.

([5]) رواه مسلم، كتاب الجنائز، باب البكاء على الميت، (922).

([6]) الإبداع، علي محفوظ، ص(199-200).

([7]) رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب إطلاق اسم الكفر على الطعن في النسب والنياحة، (67).

([8]) انظر: شرح صحيح مسلم، النووي، (2/57)، وتنبيه الغافلين، ابن النحاس، ص(141).

([9]) رواه مسلم، كتاب الجنائز، باب التشديد في النياحة، (934).

([10]) تنبيه الغافلين، ابن النحاس، ص(299).

([11]) المصدر السابق، ص(295).

([12]) المصدر السابق، ص(297-298)، ونقله البقاعي في السيف المسنون اللماع ضمن رسالة الماجستير، جهود البقاعي في محاربة إلحاد الاتحادية والبدع العملية، ص(956).

([13]) انظر: المستطرف في كل فن مستظرف، شهاب الدين الأبشيهي، (2/59).

([14]) الإبداع، علي محفوظ، ص(377-378).

([15]) تحذير المسلمين، أحمد بن حجر آل بوطامي، ص(277).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
بدع حال الاحتضار والوفاة.doc doc
بدع حال الاحتضار والوفاة..pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى